الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة من جديد ؟!

مصطفى مجدي الجمال

2013 / 11 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



لا ينطوي معنى هذا العنوان على تساهل في استخدام مصطلح "الثورة".. لكن لا بد لأي محلل سياسي من أن يراعي القسمات الرئيسية في الثورة التي يتحدث عنها أو يحللها، ناهيك عن الانخراط فيها. ومن أهم قسمات الثورة المصرية: أبعادها المتعددة (ديمقراطية، اجتماعية، وطنية، ثقافية..)، وطابعها "الموجي"، وتناقضاتها المركبة، ومرورها الحتمي بالتواءات وحتى انكسارات.

لعل السر الأكبر في ذلك تشرحه الفجوة الكبيرة بين الظرف الموضوعي والظرف الذاتي. أي أن المبررات والدوافع الواقعية لاندلاع الثورة قائمة بل و"صارخة"، بينما الظرف المتعلق بوعي وتنظيم الطبقات والقوى السياسية الثورية ضعيف بما لا يقاس.
صحيح تمامًا القول بأن أهم مكاسب ثورة يناير 2011 أنها قد دفعت بموجات جماهيرية ضخمة- من الشباب أساسًا- لدخول المجال السياسي والنقابي والمدني عامة، بعد عقود من الكبت والخوف والانكفاء واليأس والفردانية المتطرفة، وأصبحت السياسة حاضرة بقوة في أحاديث الناس اليومية، بل إن خلافاتها باتت قائمة ومحتدمة داخل الأسرة الواحدة.

بالمقابل من الصحيح أيضًا أن هذه الجماهير الغفيرة صاحبة القضايا الثورية ليست منظمة ولا تملك قيادة فكرية أو سياسية أو حتى ميدانية ثورية واضحة.. فأصبحنا معظم الأوقات إزاء مد جماهيري عارم، لكنه يفتقد الرؤية البعيدة والتوجه الصائب والقيادة الموحدة.. أي أن الوعي الثوري مازال فطريًا يعتمد على التجربة المباشرة والتعلم من الأخطاء، بعد دفع أثمان باهظة في بعض الأحيان. ولذلك نجد "ترمومتر" الحركة الجماهيرية الثورية دائم الصعود والهبوط اللحظي، ويقع فريسة تحت ضغط الإعلام الحديث، ومعظمه بالطبع إعلام يميني مراوغ.

نعتقد أن سد تلك الفجوة هو التحدي الأكبر أمام الطلائع الواعية. وتزداد جسامة هذا التحدي إذا أخذنا في الاعتبار عدة حقائق تتعلق بالسياقات الحالية..

منها مثلاً التدخلات الخارجية التي لن تكف عن التآمر والضغوط بوسائل عديدة أهونها المال السياسي والحملات الإعلامية، مرورًا بتمويل الاضطرابات، ووصولاً لدعم الإرهاب وحتى التصفيات الجسدية.. ومنها الأزمة الاقتصادية المتفاقمة (بطالة وتضخم وتدهور الخدمات وإفلاس المنشآت الصغيرة ومديونية عامة باهظة..)، والناتجة عن عيوب هيكلية في الاقتصاد المصري فضلاً عن اضطراب مجتمعي مستمر منذ قرابة ثلاث سنوات.. كذلك الانفلات الأمني وتراكم المشكلات اليومية للمرور والقمامة وفوضى الشارع..

ولعل كل هذه التحديات تتركز هذه اللحظة في إعداد دستور يليق بمصر ويترجم ثورتها في دولة مدنية تحافظ على إقليمها الأرضي وسيادتها الوطنية ووحدة مكوناتها، وتشرع في قيادة تنمية شاملة أساسها تنمية الإنسان وتلبية احتياجاته وإعلاء قيم العمل والعدل الاجتماعي والتوازن بين الريف والعشوائيات والحضر، وبناء قاعدة إنتاجية قوية تنهي الاعتماد على الإيرادات الريعية..الخ.

كل تلك التحديات- وغيرها- تزداد خطورة مع تفاقم شراسة الجماعات المتاجرة بالدين التي استنفرت كل قواها وحلفائها بالداخل والخارج للثأر من الشعب المصري الذي أزاحها من سلطة ظنت أنها قد دانت لها أبدا..
ويخطئ من يظن أن هذه الجماعات يمكن أن تنتهي بمجرد إزاحتها من السلطة، فقواعدها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية مازالت قوية ومتغلغلة وحتى متنكرة، ويتطلب القضاء على نفوذها مشروعًا وطنيًا وشعبيًا متكاملاً.. وإذا تصور البعض أن بالإمكان استغلال الفصيل السلفي مثلاً لضرب الإخواني، أو تقديم تنازلات لمؤسسات دينية رسمية، فإن هذا سيكون أشبه بإطفاء النار بالبنزين..

ويخطئ من يتصور أن الشعب الذي خرجت ملايينه لاستعادة الثورة من توحش الإخوان قد منحت لأحد أو لمؤسسة تفويضًا على بياض.. فالرصيد الشعبي الذي منحته الجماهير الشعبية لهذا الطرف أو ذاك قابل للتجمد أو النقصان مثلما هو قابل للزيادة والاطراد.. وليتعلموا من التاريخ كيف أدرك عبد الناصر هذا مبكرًا، فلم تمض مثلاً أسابيع قليلة على الثورة- التي كانت "انقلابًا" حتى ذلك الوقت- حتى كانت إجراءات الإصلاح الزراعي قيد التنفيذ.. فالجماهير الشعبية لا تقتات على الشعارات، وتبحث عن مصالحها الطبقية المباشرة، وليس في هذا أي اعوجاج في أخلاقياتها الثورية.

ويخطئ من يتصور أن بإمكانه ممارسة الخديعة والتآمر على الثورة من خلال "حل وسط تاريخي" يجمع في السلطة مختلف النخب الرأسمالية (العلمانية، الدينية، العسكرية..) المؤيدة لسياسات الليبرالية الجديدة والتبعية.. ومن ثم ضمان رضاء الولايات المتحدة وأوربا.. حتى لو زينوا هذا الخيار بمسميات براقة مثل "المصالحة" و"تحقيق الوئام"..

لقد فات أوان كل هذه المحاولات، وإن لم ييأس أصحابها بعد أو تفتر همتهم أو تنفد ألاعيبهم.. فالشعب المصري لن يقبل بأن يباع مرة أخرى على قارعة الطريق للنخبة الرأسمالية المتحكمة والمهيمنة، ولن ينخدع بعمليات فجة لإعادة توزيع الأنصبة من كعكة السلطة والثروة..

تتبقى كلمات للقوى الديمقراطية والثورية.. فإذا كان من المفهوم ضرورة بناء تحالف "مدني" واسع في مواجهة قوى الردة والظلام، فإنه من المفهوم أيضًا ضرورة بناء تحالف "راديكالي" يدافع عن المصالح الجذرية لفقراء مصر وفئاتها المتوسطة.. ولا يقبل بعودة الممارسات القمعية أو أوضاع خاصة لمؤسسات معينة، أو تبعية لقوى خارجية،... ومن المتصور أن يكون التحالف الراديكالي هذا هو قاطرة التحالف المدني.

وقد آن الأوان لتكون كل القوى الديمقراطية والثورية على مستوى تلك التحديات الهائلة.. فلم يعد هناك مجال للشقاق، وتضييع الفرص، والجري وراء المصالح الذاتية لزعماء وجماعات.. وإن لم تتحول القوى الثورية النخبوية إلى قوى منظمة حقيقية في ميادين النضال الطبقي والسياسي والثقافي.. وسط الجماهير لا فوقها ولا وراءها.. فإنها تكتب بذلك شهادة عجزها ووفاتها.

وبالنسبة لليسار المصري تحديدًا.. فإن الامتحان الجاري والامتحانات القادمة له لن تعرف الرحمة.. فهي شديدة التعقيد والقسوة.. ولم يعد من المتصور المرور منها في ظل استمرار التمزق والشقاق والعزلة والإحباط.. وهي أعراض مَرَضية لا علاقة لها بالتنوع والتعددية والخصوبة والإبداع.

على اليسار المصري أن يراعي ظروف العصر، وأن يتعامل مع "النصوص" كمرشد لفهم الواقع لا الإملاء عليه.. وأن يستوعب الأجيال الجديدة التي أفرزتها الحركة الديمقراطية من خلال ابتكار الأساليب التنظيمية المناسبة، وعدم الانجرار إلى صراع أجوف وضار "بين الأجيال"، وأن يستقي برامجه وشعاراته من الوقائع والمعارك الجماهيرية قبل أي شيء آخر..

وإذا كان من المتعثر اليوم تجمع اليسار في كيان أو اثنين كبيرين، فلا أقل من أن تكون له فورًا قيادة مشتركة توحد الرؤى العامة، وتنسق الفعاليات، وتمنع تكرار الجهود والمنافسات الرخيصة..
يستحق الشعب المصري منا إخلاصًا أكثر.. وجهدًا أكبر.. وفكرًا أصفى..

(((افتتاحية العدد السادس من مجلة الطليعة 21)))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وما نيل المطالب بالتمني ولكن ... تؤخذ الدنيا غلابا
خالد سالم ( 2013 / 11 / 24 - 16:10 )
وما نيل المطالب بالتمني ولكن ... تؤخذ الدنيا غلابا
قالها أحمد شوقي ورحل، ولو بقي وشهد ما تشهده مصر منذ بدء الغدر بالثورة في موقعة الصناديق، 19 مارس 2011، لأصيب باحباط يحمله إلى التواري تحت الثراء حتى لا يموت كمدًا من الخداع والغش والتلون الذي تحترفه الصفوة في أرض الكنانة. لا نريد نحن العباقرة، سكان أرض الكنانة، أن نتعلم من تجارب شعوب أخرى قريبة أو كانت قريبة من حالتنا، من بينها إسبانيا والبرتغال في السبعينات، وأميركا اللاتينية ابتداءً من التسعينات.
أحسنت والثورة لم تنته بعد، رغم مزاعم الطامعين والمتلونين!!!!

اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا