الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صباح يفي بوعده ( قصة )

رونا صبري

2013 / 11 / 24
الادب والفن


أمتدت أنامل ذاكرتي المهترئة خلف نافذة الصباح , تلاحقت أمامي صور المارة في ذاك الشارع المزدحم , وإسم صديقتي التي لمحت أسمها علي شاشة هاتفي ( عائشة) فلم أشأ الإجابة , حرارة الجو مرتفعة وهو يحدثني عن رحلته إلي امريكا , كانت الفرحة تتراقص في عينيه وجالت بخاطري كلمات كثيرة , سددت نظرة قوية لعينيه الراقصة , مالبث ان تجهم وجهه فعرفت مايود قوله , قلت : أششش لا تقل شيئا , أنتهي كل شىء , بعربة المترو كانت كل ذكرياتنا ماثلة أمامي وانتهيت الي نتيجة : أن الخطأ عندي لأني وضعت كل هذا الحب وكل تلك الثقة في إنسان بدعوي الحب , يال البلاهة , كانت كلمة الحب تبعث ضوء علي شاشة الهاتف , كنت أسميه الحب ! هكذا سجلت رقمه منذ أربع سنوات , هي عمر الحب الذي جمعنا , بعث برسالة لكني لم أشأ قرأتها علي الأقل الآن , وفكرت بإلغائها بضغطة زر , لكن صوتا قويا كان بداخلي يأمرني بالقراءة , أغلقت الهاتف لمقاومة الرغبة , قبلاته وصوته ورائحة عطره الذي كنت أختاره له نسجت خيوطها حول عنقي فشعرت بحشرجة وإختناق أنقذني منها توقف المترو ووصولي للمحطة , أخيرا تنفست بعض الهواء .
كانت رسالته تقول: أشهد الله أني احبكِ وأني أتمناكِ زوجة لي , وأنتي التي رفضتي المجىء معي تذكري أنكِ الرافضة , لكني سأظل أحبكِ رغما عنكِ ياغبية وسأعود يوما , أعدكِ إلي اللقاء يا أجمل ذكرياتي , وقتها بكيت بحرقة وكأن الكلمات غرزت خنجرها في صدري , نعم أصبحت بالنسبة له ذكريات , لقد صدقني القول , بعدها تمالكت جروحي ورأيته بعد أربعة أيام وهو يستقل تاكسي لإيصاله إلي المطار , وتجاهلت وجوده , لمحت لمعة بكاءه , صعدت إلي الشقة بسرعة كبيرة وأخذت وسادتي أدفن بها رأسي وأبكي , صوت أمي في الخارج ( أنتي شوفتيه , والله عارفة ماهاينصلح لك حال بعده خلاص هو خد قلبك وسافر , ماكنتي سافرتي معاه وسيبتيني كل ولاد الشارع هنا ولادي )
لم يمر الشهر علي رحيل مازن حتي كنت أرتدي فستان الخطبة , كنت أريد أن أثبت للناس في الشارع ولأمه وأخواته أني بوضع جيد , وأن جرحه لي برأ بسرعة , ربما وددت أن يخبروه أني خطبت لعل الندم يراوده .
زيجة تقليدية , وجفاء معهود, وطفل مظلوم , وأمسيات باردة تسكب نفسها في كأس الملل , وحده العمل كان ملاذي , كنت أحتفظ في خزانتي ببعض هداياه وبعض الصور التي جمعتنا , كروت المعايدة في أعياد ميلادي , أو عيد الحب , أو عيد حبنا الذي جعل له تاريخ وهو يوم إشتعال شرارة الحب في قلبينا , 20-10-2000, وكنا نحتفل به في كل عام أرتدي فسان راق , ويصحبني لمطعم بمحاذاة النيل علي شاطىء الحلم وموسيقي يونانية تراقص المياه , ثم يبتسم ويقول عيد حبنا في أجمل شهر , أما عيد حبهم في الشتاء هذا لايروقني , (بذمتك لو كنا في الشتا كنتي تعرفي تقعدي قعدة زي دى ؟ ها قولي يلا .... ثم تتعانق ضحكاتنا ونظراتنا ...
زيجتي طبعا فشلت , بالرغم من محاولاتي المضنية في البقاء وكنت أمثل أني سعيدة وهانئة ومازال جرح مازن مفتوح وممتلئ بفجوات الألم, مازل يقطر حزنا, كان يريدني أن أصبح آلة للفقس كان يلح في إنجاب طفل آخر ولم يبلغ ياسين عامه الثاني بعد , وأوحت له أمه بفكرة مجنونة وهي أن أتناول بعض أقراص الخصوبة لأنجب تؤام , طبعا كل هذه الأفكار المجنونة لم تروقني , وكنت أدعو أن طلاقي يكون منه هو وليس رغبة مني وذلك دفعا لكلام الناس كما أخبرتني أمي , هكذا يفكرون ....
ببعض المال الذي أدخرته وبمساعدة والد ياسين حصلنا علي شقة جميلة بحديقة صغيرة ,في مدينة جديدة , عانيت بادىء الأمر من صعوبة الوصول لعملي في الموعد المحدد لكني حولت أوقاتي في المنزل إلي أوقات مختلفة بحق كنت أقضيها مع ياسين , ووالده كان عند أمه أغلب الوقت , وإذا سمح له الوقت يقضيه في السخرية من أحلامي وأفكاري , قال لي ذات صباح , لم أعد أحتمل سأتزوج بفتاة اصغر منكِ لتستطيع إنجاب الكثير من الأطفال إذا قبلتي الوضع ستبقين معي وإذا لم تقبلي فهذا إختيارك , صرخت صرخة قوية من هول المفاجأة ( في ستين داهية , يكون في علمك تتنازل عن نصيبك في الشقة لأني حاضنة وكدا كدا الشقة من حقي, ياريت تبقي انسان مرة واحدة في حياتك وتخلي الأمور تمشي ببساطة ) دخلت غرفة ياسين ريثما يجمع أغراضه هو , أمامه كنت ثائرة وغاضبة و من داخلي كان قلبي يتراقص بهجة , لم أشعر في غيابه إلا بالراحة والسعادة وجاءت أمي لتقيم معنا وتجلس برفقة ياسين طيلة النهار وانا في العمل , راقت لي الحياة الجديدة ولم يطرق الحب علي أبواب قلبي وكلما لمّحت لي إحدي صديقاتي بأن فلان معجب أو أنني يجب أن أتزوج ثانية لأني مازلت جميلة وشابة, أغلق نوافذ الشوق وكأني أؤجلها , في إحدي الأمسيات الشتوية قالت لي أمي : (أنا حضّرت عشا فاخر انهاردة عشان خالتك جاية , قلت : ( هو سر ولا ايه غريبة خالتي اللي جاية فجأة دي , أنتي عزمتيها , قالت : أيوة , فيها حاجة ) قلت : لأ مافيش
بعد ساعتين جاءت خالتي , كان مذاق الطعام أفضل بكثير من ثرثرتهما , قمت لتشغيل التلفاز حتي يمتنعا عن الكلام قليلا, ورأيتها تقول لي : ( وطي الصوت شوية يابنتي , إنتي فاكرة معتز أبني اللي كان ف انجلترا , تعرفي انه رجع من شهر وياحرام طلق مراتة الخوجاية وبيدور علي عروسة , أنا قلت مين ينفع له غير بنت اختي الأمورة الرقيقة صافي ) قاطعتها علي الفور بعدما علمت سبب الزيارة , قلت ( معتز ياخالتو دا أصغر من بأربع سنين !!) تركتهما جالستين وأخضرت حاسوبي الأثير لينقذني من همهماتهما .

هذا الشتاء كان علي غير عادته خلع أردية كآبته المعهودة وأرتدي حلة حلم ظل يرواد المدي, كنت دائما أترقب المدي , لست أدري لماذا ؟ كنت أطيل النظر من خلف باب حديقتي الصغيرة وأضع الكرسي في مواجهة الباب تماما أتأمل مغرب الشمس أو أراقب حبات الندي المدللة وهي تضع لمساتها علي الزهور , لدي مجموعة من زهور القرنفل الملونة , وورود جورية حمراء صغيرة , زرعتها بنفسي , رأيت في منامي طيف لمازن وأنتهبت مباشرة وقلت لنفسي ( هل أهذي ,, أين مازن الآن ؟؟ تناولت إفطاري علي عجالة وكنت أستعد للذهاب للعمل مبكرا , لكنني بعد وصولي لسيارتي قررت ألا أذهب اليوم , هاتفت رئيسي وأخبرته اني متعبة اليوم , لست أدري لماذا !! ربما أردت أن أراجع قاموس أحلامي , أخرجت متعلقات حبنا , تأملت كل التفاصيل وأحتضنت اللحظات المتسربة من أصابع النهار , رأتني أمي , قالت : ( والله عارفة انك لسه بتعشقيه وعمرك ماهتنسيه ... دا زي لعنة الفراعنة يفضل يلاحقك العمر كله ) أخذت أطفأ لوعة غيابه بصوت الموسيقي الذي جعلته صاخبا وقررت عمل حملة تنظيف لكل أرجاء البيت , أصطحبت أمي وياسين لتناول العشاء خارج البيت ,وعدت منهكة فرحت في نوم عميق ومرة أخري عانقت طيفك يامازن .
اليوم التالي : صبيحة الجمعة , كنت أسقي زهوري الأثيرة وأغني ( الورد جميل ,, جميل الورد ) رأيته خلف الباب مباشرة يتأمل المكان بعين وجلة , كأنه قائد جيش أو محارب من زمن خرافي , كنت أحسبني أحلم أحلام يقظة , قلت لنفسي : هل كثرة ذكرك أتي بك يامازن , نادي بإسمي : صافي , كان صوته معزوفة بحرية , كأنه تصيد الأحلام من فم الزمن وعاد يهديني لقاء لم أتوقعه , ومثلما كان فراقي عنك منذ 7 سنوات بلا كلمات ,, لقائي بك اليوم أيضا لايستوجب التفوه بكلمة , حين أقترب لم يصافحني بل تحسس وجهي مباشرة , فأستسلمت لمشاعري تماما ومرغت قلبي بعطره , كقطة وجدت صاحبها فألتصقت به , أو كعصفور يأوي إلي عشه في المغيب , وكأنك لم تفارقني , قال : ( أنا وعدتك ووفيت , كنت عارف أنك هاتنتظريني , عشان كدا جيت أخلي روحي تحيا في جسدي , بحبك ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع


.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي




.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????


.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ




.. الذكرى الأولى لرحيل الفنان مصطفى درويش