الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معنى الثورة وأبعادها المصرية

رمضان عيسى

2013 / 11 / 24
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


معنى الثورة
الثورة تًفهم بالحدث الحادث ، أي ما يجري على الأرض وليس في الأماني ، فالثورة تعلن عن نفسها ، وليست أمراً أو رغبة ميته أو كامنة . والحدث الثوري يسبقه تذمر ورفض واعلان وردة فعل من الظالم والمظلوم ، المًضطَهد والمًضطِهد المًستعِبد والمًستعبَد ، الثورة شعور بالنقص في الحقوق الطبقية والاقتصادية وتكافؤ الفرص الاجتماعية والعلمية والمراكزية ، لصالح فئة طبقية أو عسكرية أو دينية أو عائلية .
فعندما يشعر الشعب المضطهد بالاضطهاد ويحس بالظلم أي بالنقص في الحقوق ، يبدأ في التململ والتذمر ،بشكل فردي أولا ، ومن ثم جماعي فئوي ، ثم شعبي ، غليان اٍجتماعي ، اضرابات ، تجمهرات ، وتتكون لديه الأرضية للصدام والمناوشة هنا وهناك . وتظهر البؤرة الثورية التي تنظم التذمر، وتوجه النقد ،وتضع الشعار الثوري الذي يلخص الهدف الثوري ، والذي يلتف حوله الشعب ويصبح قوة اجتماعية ، الشعار يوجه الحراك الشعبي نحو الهدف السياسي الذي هو هدف الثورة ومنطلقها في التغيير .
ان البؤرة الثورية تبدأ فئوية ، مجموعة من الأفراد ، المثقفين الثوريين ، الذين غالبا ما يكونوا من أصول طبقية مختلفة ، يربط بينهم الوعي الثوري لأوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية ، وتظهر لديهم النية والعزيمة على تغيير الأوضاع السائدة في بلدهم ، ومثل هذه المجموعة الثورية لا يمكن أن تكون ذات فعالية حقيقية بدون أن تأتلف في تنظيم ، في حزب له أهداف واضحة ، له أيديولوجيا واضحة ، له شعارات واضحة تنتظم وتلتف حولها جموع غفيرة من المؤمنين بهذه الأيديولوجيا وهذه الأهداف التي ترى فيها الجماهير أنها تلبي طموحاتها ورغباتها في حياة حرة كريمة ، بشكل جزئي أو كلي .
ان الحزب يجب أن يكون جاهزا منذ مراحل تكوينه الأولى ، وقادرا على تنظيم كل من يبدي استعداده للانتماء والانطواء والعمل ضمن المبادىء الثورية والأهداف الثورية التي يطرحها الحزب ، أو التنظيم .
ان الحزب أو التنظيم الثوري ، يجب أن يكون منظما وذو تسلسلية تنظيمية مترابطة ومتعاونة وديناميكية ، من القمة الى القاعدة – خلايا وعناصر – وذو تخصصية هيكلية ، من جهاز سياسي ولجنة مركزية ولجنة تنظيمية ولجنة مالية ولجنة ثقافية للترشيد والتوجيه المعنوي ، وجهاز عسكري يكون جاهزا للصدام مع السلطة وأجهزتها القمعية .
هذه هي المقدمات للثورة . ولكن متى تحدث الثورة ؟
الثورة تحدث حينما لا يستطيع الشعب المظلوم ، المحكوم ، المسلوب الحقوق ، أن يًحكم كالسابق ، أن يعيش كالسابق ولا أن يستطيع الحاكم ، الملك ، الديكتاتور ، السلطان ، الولي الفقيه ، الخليفة ، الاِمام ، أن يحكم كالسابق ، أن يستغفل الناس كالسابق ، أن يدير مملكته ، مؤسسته الفوقية " الدولة " كالسابق .
حينما يبدأ الشعب بالغليان ، وتحدث مصادمات شعبية هنا وهناك ، على اٍثر اضراب مثلا ، فان الحركة الشعبية تجد نفسها في صدام ليس مع رب العمل ، في حالة الاٍضراب مثلا ، بل مع السلطة ، مع أجهزة السلطة القمعية ، التي تشترك بعضها أو بمجموعها ، من شرطة ومخابرات وجيش ، واعلام وسجون ، فالحركة الشعبية ، الاحتجاجية ، المضربة عن العمل ، أو التي تطالب برغيف الخبز ، أو التي تحتج على الغلاء ، أو التي تطالب بفرص للعمل ، تجد نفسها في مواجهة أدوات القمع السلطوية ، فتعرف حينها أن الصدام مع النظام ، وليس مع رب العمل فقط ، حيث رب العمل يستنجد بالشرطة لردع المضربين . وحينما يحتج الطلبة على سوء نظام التعليم وتضخم الرسوم التعليمية ، ويحدث احتجاج وصدام مع ادارة الجامعة ومديرية التعليم ، يجد الطلبة أنفسهم في صدام مع الشرطة وأوامر الاٍعتقال بتهمة الاٍخلال بالنظام وخرق القوانين .
من هنا ، يرتفع الشعار الثوري ، الهدف الثوري ، من زيادة الأجرة للعمال لمواجهة الغلاء ، الى تغيير قوانين العمل في البلاد ككل ، ومن السعي الى تخفيض الرسوم التعليمية ، الى تغيير قوانين النظام التعليمي المعمول بها في البلاد ، ويصبح الهدف العام للحراك الجماهيري تغيير السلطة ، النظام السياسي ، الملك ، الامام ، السلطان ، الديكتاتور ، الأسرة الحاكمة .
من هنا تكون المقدمات الثورية قد تفاعلت واعلنت عن نفسها معلنة حتمية الصدام الثوري ، حتمية حل الصراع التناحري ، وحتمية التغيير الثوري الشامل لأن الجماهير الشعبية لا تستطيع أن تعيش كالسابق ، ضمن القوانين التي كانت تستند اٍليها الحكومة السابقة .
ان الثورة التي لا تهدف الى التغيير الشامل هي ، سورة غضب ، مؤقتة ، سرعان ما تخبو ، عند أول صدام مع السلطة ، وقد تنتهي بتحقيق بعض المكاسب الشكلية من رب العمل أو الحكومة ، فهذه ليست ثورة .
ان الثورة تهدف الى التغيير الشامل لكل الجهاز السلطوي ومؤسساته وقوانينه التي تخدم فئة معينة _ أسرة ، ملك، سلطان ، الولي ، الملا ، الجنرال _ وتحويلها لتخدم الجموع الغفيرة من الشعب ،من عمال وفلاحين وبرجوازية صغيرة وبرجوازية وطنية ، وزرع نظم جديدة ، قوانين جديدة ، تضمن تكافؤ الفرص ، ونظام تعليمي للجميع ، وحرية شخصية ضمن دستور جديد وقوانين جديدة للشعب الذي كانت النظم القديمة تظلمه ، وتقف حائلا أمام حصوله على حقه في أن يستمتع بحقوقه في المواطنة ، وحقوقه في خيرات الوطن .
ان الاضرابات و التظاهرات والاحتجاجات ما هي الا مقدمات وتراكمات للثورة تحتاج لتنظيم وتوجيه حتى لا يكون هناك انحراف في المسار الثوري عن الأهداف .كأن تتجه الجماهير الغاضبة للتخريب والتحطيم ، وفي هذه الحالة تجد السلطة منفذا لتشتيت الجماهير ووأد الثورة ، ونعت الثوار بالعصاة والمخربين .
ما حدث في ايران كان احتجاج لبقاء محمود نجاد لفترة حكم ثانية ، كان سورة غضب شعبية وليس ثورة كما سماها البعض ، فللثورة شروطها ، وأولها وجود البؤرة الثورية المنظمة ، الحزب الثوري والشعار الثوري الذي يهدف الى التغيير الشامل وليس الاحتجاج على فرع من فروع المؤسسة السياسية والدينية القائمة .
الحراك الثوري في مصر
لا يمكن النكران بأن ما حدث في مصر في 25 يناير ، هو مقدمات ضرورية للثورة حيث عرف الشعب أن قوته بالتجمع والمطالبة بحزم بالتغيير . ولا يسكت بوعود شكلية ، أو خطاب من الرئيس أو ذاك الوزير ، والجماهير تتعلم من الأخطاء ، وتتعرف من الذي خدعها طوال عقود من الحكم الفاشل والمخادع .
إن الحراك الثوري في مصر اشتعل بحراك شبابي أدرك فشل النظام القديم الذي يمتص قوت الجماهير ، وأدرك أنه يجب على نظام مبارك أن يزول ويستبدل بنظام جديد ديمقراطي انتخابي بدستور جديد يؤسس لدولة مدنية وديمقراطية تحفظ لكل مواطن حقة في العيش بأمان اقتصادي وشخصي بغض النظر عن الاختلاف في اللون والدين والجنس .
والملاحظ أن الاخوان تسلقوا على أعمدة الحراك الثوري بحكم أقدميتهم التنظيمية ، وحشروا أهداف الحراك الثوري ضمن شعاراتهم الدينية التي تبعد مصر عن أن تقيم دولة مدنية وديمقراطية حقة .
ان ما حدث يدل أن كل مشاريع الاخوان وشعاراتهم لا تجلب المدينة الفاضلة ولا الحرية ولا الديمقراطية ولا تكافؤ الفرص للأغلبية المسحوقة من الشعب الايراني بل هو مخصص لمنتسبي الاخوان للسيطرة على مقدرات البلاد دون الشعب ، فالتمرد الديني ، التثوير الديني تنتهي ثوريته بمجرد الاستيلاء على السلطة، ولم يمض بعضا من الوقت حتى يدرك الشعب أن الثورة الدينية لم تجلب لهم حلولا ولا اصلاحا ولا تغييرا يذكر بالمقارنة مع الوضع السابق ، وما حققه فقط ، بعض المكاسب المعنوية والتي ليس لها مردود اقتصادي واجتماعي يعود بالفائدة على الشباب ولا على الطبقات الفقيرة التي قامت الثورة على تضحياتها . ان الثورات التي ارتدت الشكل الديني تعود بعد الاستيلاء على السلطة الى الصراع من جديد عن طريق التفريق بين من اشتركوا في هذه الثورة ، وأصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم ، وقد ترتدي حججا ومبررات دينية أيضا ، وهذا يدل على بداية الصراع على مقدرات البلاد ، والصراع على التمركز في المواقع المؤثرة ويعنى الفشل في ربط الشعارات الدينية بالأهداف الاقتصادية البنائية .ولكي يخدع الاخوان الجماهير بأنهم ليسوا المستفيدين الوحيدين من الثورة ، ولكي تبقى الجماهير في غيبوبة دينية لا بد من الاستمرار بالتلويح بالشعارات الدينية ، وبهذا الشكل لابد من اختراع العدو تلو العدو ، حتى لا تصحو الجماهير ولا تعرف من هو عدوها الحقيقي ، وما هو الفرق بين العدو الداخلي والعدو الخارجي . لقد سعر الاخوان العداء نحو فئات الشعب من المسيحيين والشيعة والعلمانيين ودعاة الديمقراطية والدولة المدنية ، واعتبروا هؤلاء دعاة لعودة نظام مبارك .
ان الحكم الديني لا يأتي بالحرية بل يأتي بالقيود على الحرية ، القيود على الديمقراطية ، القيود على حرية الاختيار ، القيود على حرية الكلمة والرأي والصحافة ، يأتي بالقيود على الشخص في ذاته ، على عقله أن لا يفكر خارج المرسوم ، يأتي بالقيود على المجتمع بشكل جزئي ، وبشكل كلي ، بحيث يصبح المجتمع ذو بًعد واحد ، نهج واحد ، اٍنه يهدف الى تدجين الناس ضمن قالب من الصعب تجاوزه ، ضمن وصايا غير عصرية ، ضمن قالب جامد لا يدفع الى التجديد ، الى التطوير . ان مجرد الدعوة للتمسك بالقديم والاٍصرار عليه وحده تعني عدم صلاحية الجديد بحجج قديمة ، وهي وأد لأي محاولة للتفكير بطريقة جديدة .
لقد أدركت حركة تمرد هذا التوجه الاخواني الهادف الى سرقة أهداف الثورة وحرفها عن مسارها الثوري الحقيقي ، فكان تمرد 30 يونية الطريق الضروري لتعديل المسار الثوري الذي أخرجه الإخوان عن الجادة الثورية .
إن الجماهير في 30 يونيه حينما خرجت بما يزيد عن 30 مليون الى الشارع ، أدركت فشل الاخوان كتنظيم سياسي ذو أرضية دينية في نقل البلاد نقلة نوعية متوازية مع التضحيات التي قدمتها الجماهير من أجل حياة أفضل . ان أهداف الاخوان هو الاستيلاء على مفاصل أجهزة الدولة والسيطرة عليها الى أجل غير مسمى وانهاء كل طموح لشعب مصر للعيش في دولة مدنية ديمقراطية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. VODCAST الميادين | علي حجازي - الأمين العام لحزب البعث العرب


.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا




.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا


.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2




.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع