الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
البُعد الضائع عند *أمة* العرب (القومية)
صلاح الدين ابراهيم ابو حمدية
2013 / 11 / 25القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
التاريخ يعيد نفسه تارة ملهاة وتارة مأساة وفق الفكر الماركسي لمسار التاريخ العالمي وربما لو كان حياً حتى اليوم لما أعطانا نفس التحليل والنتيجة، وربما ليس نفس السبب فكيف يمكن لشيء أن يعيد نفسه وهو في حالة من اللامحدودية واللانهاية في حال ربطنا عملية التاريخ بالزمن المصطنع. وقد يُصّر البعض على أن هناك قوانين وآليات وظواهر تحكم عملية سير التاريخ لكن انطباقها لا يشكل بالضرورة قانوناً واضح المعالم والأماكن---;--- ولو افترضنا أن التاريخ يعيد نفسه وفق آلية يُمكن دراستها والتنبؤ بها فإلى أي حالة سنعود؟ لكن أسهل طريقة لتفسير هذه الآلية تكون بوجود عملية سير كاملة تضمن رؤية جزء من الماضي "تحليلياً" مما يعطي رؤية أولية على امكانية العودة له لكن ليس كشرط لا مهرب منه وكأبسط مثال نجد ان سير التاريخ والزمن وحتى التقويم التاريخي غير متفق عليه عالمياً لا الآن ولا في أي زمن مضى. لكن الى أين يسير العالم العربي في التاريخ بدويلاته القُطرية والإقطاعيات الكبيرة التي تحكمها عائلات، تعيد إحياء القبلية العربية والعصبية التي تحدث عنها ابن خلدون لكن بنظام حديث أقبح وبمسميات جديدة قادرة على اضفاء بعض من الشرعية القبلية للقٌطريات التي تعتمد اللغة العربية لغتها الأم.
السير على الخطى الأوروبية –باعتبارين الأول مقارنة والثاني حالة التقسيم التي عاشتها اوروبا لعقود من الزمان- وتجاوزاً في موضوع المقارنة التي لا تتم إلا بوجود حقيقي للطرفين بافتراض أن الدولة[1] العربية هي دولة حقيقة فوجود الشيء يفترض وجود نقيضه ولانه لم يوجد وحدة عربية بالمعنى الوحدوي إلا في مراحل من العهد الاسلامي وهذا توحيد ديني وليس قومي. فحالة الاقطاعيات العربية والدول المزيفة هي الحالة الوحيدة التي عاشها العربي كحالة حقيقية، دولة اللادولة هي حالة النقيض النفسي المتداخل الذي عاشه العربي على مر تاريخه ولا يمكن للعرب بهذه التناقضات الغير منتجة أن ينهضوا كالأوروبيين بإطار واحد يجمعهم، وللعودة الى الوراء قليلاً فالحديث عن توحيد عربي ليس إلا ترسيخ للفكر الإقطاعي[2]والمقسم، فالقومية العربية ليست موجودة إلا في قواميس اللغة العربية بافتراض الاشتراك في الشعور الاجتماعي والعاطفي والفكر المصلحي الموحد، مع ذلك فالناظر للحالة العربية يجد أن الرابط العجيب لهؤلاء القوم هو اللغة وإن ضَعفَ الدليل انه رابط –و إلا لكان البريطاني والاسترالي قومية واحدة -فيأتي الرابط العجيب الآخر وهو الاسلام بوجود مليار مسلم في دول واقطاعيات ممزقة فما هو رابط القومية العجيب عند العرب لنطلق عليهم قومية عربية؟ فما هو المشترك في هذه القومية. وتاريخها لم يكن إلا بانتشار الاسلام فيها وانتشار اللغة العربية ايضاً "بالفتوحات"الاسلامية ولدينا مثالان واضحان لضحد هذه الفكرة وهما جيبوتي وتشاد فالدولتان لغتهما الرسمية هي العربية والفرنسية فجيبوتي تعتبر دولة عربية مع انها بعيدة عن الوسط العربي اما تشاد فليست الا دولة افريقية مع ان اكثر من نصف سكانها يدينون بالإسلام وهي اقرب نظرياً للخارطة العربية فأي تناقض يجعل جيبوتي دولة "قومية"عربية ويضع تشاد خارج هذه الدائرة الفارغة النوى؟
عودة للحالة الأوروبية والتقسيمات التي عاشتها وتوحيدها وإسقاط الحالة على الحالة العربية بالعودة لدورانية التاريخ فامتلاك الأوروبيين للوعي القومي ليس حديثاً فأوروبا لم تكن يوماً مقسمة كما هي الحالة العربية فالفكر الإنساني والسياسي في اوروبا قديم النشأة وتطور تدريجياً الى قوميات في اطار قومية اوروبية ليس بينها حتى رابط لغوي!والحروب التي مرت عليها هي جزء من الحالة الطبيعية التي تعيشها الدولة وليس تشويهاً للحالة الاوروبية---;--- بقدر ما هي اكمال للصورة وتصحيح للمسار فكان مسار الحرية أوسع في هذه الدول عن الدول الاخرى. فهل يشعر العربي انه حر فعلاً ليحدد اختياراته وانتمائاته؟ أم أن فكرة القومية نفسها ليست إلا محاولة ايجاد النقيض لحالة ليست قائمة بعد تُفرض على العربي كما فُرض عليه الحاكم؟ فما هو الداعي لهذه القومية؟ إلا لخلق شعور ميتافيزيقي يُوَلد نوعاً من الخشوع الفكري باتجاه مُغلق، ولو خرجنا منه لرأيّنا ان الشيء الذي يجمعنا اينما وُلدنا وعشنا هو الوجود ك"إنسان" فهل سيعيش العربي ذات الخشوع الفكري لو وُلد في فرنسا او العكس، بالتأكيد لا. ومما لا شك فيه بذلك ان الحالة الأوروبية لا يُمكن تعريبها لاختلاف الظروف والأسباب وطبيعة الفكر ومساحة الحرية والوعي الجمعي العربي ليس أكثر من عملية جمعت كل الدول التي كانت تحت الاستعمار في حينها من اقصى الشرق لأقصى الغرب كحالة شعورية ثورية مشتركة خلقت عند العرب شعور طوطمي تجاه السلطة فأصبح الوعي الجمعي العربي استجابة غير عقلانية لما يردده الحاكم وليس الجماعة وفق تعريف جوستاف لوبون[3].
وللخروج من هذه المعضلة فالساكن في الاقطار العربية كأحد الحلول بحاجة لإقامة عقد سياسي واجتماعي جديد يقوم على اساس تعاقدي وليس اجتماعي او عشائري او طائفي او حتى ديني يركز على الفرد وليس القبيلة، فطبيعة العلاقات في داخل القُطر العربي ليست إلا عدسة مكبرة على حي صغير في اي بلد عربي بطبيعة العلاقات التي تحكمه وكيفية سيرها بالأطر العلاقية الاجتماعية التي ما تزال تؤكد نظرية ابن خلدون حول العصبية، والتخلي عنها هو بداية الطريق وهذه هي الحالة الوحيدة التي شهدها العرب في بداية الإسلام وهنا تكون بداية الدورة التاريخية وبالعودة للتحليل الماركسي فالدائرة القادمة ليست إلا مأساة. والمأساة ثورة جذرية تُذيب مدن الملح وتنسف العقل الأسود.
وهكذا قياساً للحالة العربية فالقومية ليست إلا مفهوماً آمن به العرب تعويضاً لخيباتهم وتثبيتاً لحكمهم وإلغاء لبعض الهويات وترسيخ هويات اخرى ومنها الفلسطينية حتى 1974 حالة تقليدية غير واضحة المعالم والصفات والخصائص. فكيف يمكن للعرب ان يتوحدوا في قومية واحدة وما هو الافتراض الداعي لذلك وهل يعيي العرب معنى الاشتراك القومي وإلغاء قدسية الطوطمية الجوفاء؟ والى أين يسير العرب بذلك الى تعريب الحالة الاوروبية أم الى تأكيد للحالة العربية الدائمة التمزق؟ فمما لا يدع مجالاً للشك أن القومية العربية ليست إلا محض افتراء فكري وعناء شعوري وارتداد عن الإيمان بالفرد.
القومية إذن ليست الا جزءأ من عدة مفاهيم ترتبط بالجماعات والاديان والحركات المختلفة المتداولة في الفكر الحديث والقديم وكما وصلت سابقاً الى نتيجة مفادها ان القومية ليست أكثر من مفهوم رومانسي عند العرب وإيمان دون دليل عقلي، فأين يقع العرب في مفهوم الأمة[4] وفي اي فلك يسيرون وبما ان العرب ليسوا قومية موحدة فهل هم أمة؟ اضافة لخلطهم بين مفهومي الأمة والدولة واخضاعهم لنفس الأفكار وكأن الدولة العربية ليس الا حالة تشرذم الأمة العربية فأيهما يحتوي الأخر كاملاً ام ناقصاً؟ والناظر للحالة العربية يرى اقطاعيات عربية كل جماعة فيها أصبحت أمة بذاتها بالمعنى النظري والفعلي والاستعمار ليس عاملاً من عوامل خلق الأمة كفعل مشترك. فالخلط بين الدولة والامة إذن جاء لعدم وجود مفهوم واضح شامل سواء اجتماعي او سياسي نتيجة التعريفات المتعددة والمتشابكة والمتداخلة في جعل كل دولة أمة عربية قُطرية بذاتها مع ان الدولة والأمة مفهومان يسيران في خطين تاريخيين منفصلين اكمالاً للتفرقة التي عاشها العرب قبل الاسلام دون مفهوم الأمة وبعد الاٍسلام بإسم الامة تباعاً للدين او لشخص محمد (ص).
لكن الأمة كمفهوم اسلامي لم يرد بمعنى سياسي في القرآن ابداً مع انها ذُكرت 49 مرة فهذا المفهوم الاسلامي لا يصنع أمة إسلامية وإلا خلق ازدواجاً بالهوية كالذي يعيشه العرب بين الهوية العربية والوطنية والدينية بحيث لا يستطيع توحيدها ولا الانفلات من جاذبيتها. أي عدم القول بوجود أمة اسلامية فكل دولة اسلامية أمة بذاتها وفق التعريف كايران واندونيسيا. وبازاحة الرابط الإيماني كاستعارة أممية فالعرب ليسوا أمة يجمعها أصل اللغة والمكان[5]والتاريخ المشترك لا يُمكن قياسه بشكل متفق عليه[6].الطبيعة العلائقية العصبية لم تزل لا تدع مجالاً للعرب للوصول لأي حالة أبعد مما كانوا عليه من قبائل مهما اختلفت أسماؤوها. بمقياس تطور حضاري اسلامي باختراع الصفر وبالاحتراف العربي بالبقاء أسفله.
________________________________________
[1] هنا مفهوم الدولة يختلف عند العرب عن الدول غير العربية فعملية الدولة عند غير العرب بمعنى التداول هي عملية فعلية موجودة على عكس العرب حيث الدولة تصبح وكأنها مفهوم مستورد دون تطبيق فعلي وواضح
[2] يمكن اعادة النظر لمفهوم الإقطاع بمفهوم عربي حديث يرتبط مثلاً بالنفط قبل الأرض "اقطاعيات العقل الأسود" بمفهوم سيطرة أبوي. اما في العهد القديم فلم يكن هناك نظام اقطاعي بالمفهوم الأوروبي لكن القبلية الطاغية كانت كنوع اخر من الاقطاعيات
[3] إنه هو الاستجابة غير العقلانية لما تردده الجماعة
[4] جماعة من الناس اكثرهم من أصل واحد، تجمعهم صفات موروثة، ومصالح وأمانيّ واحدة، أو يجمعهم أمر واحد من دين او مكان او زمان
وفي لسان العرب الأمة هي الجماعة
[5] يمكن العودة للمقارنة بين تشاد وجيبوتي لإيضاح الفكرة
[6] هل سيكون حساب التاريخ قبل ام بعد الاسلام وفي اي مرحلة تحديداً حتى نصل لمفهوم الأمة
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من
.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال
.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار
.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل
.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز