الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المعارف الضمنية بين الانترنت والمطبوع الورقي..
جاسم المطير
2013 / 11 / 25الادب والفن
على مكتبي منذ عام 2000 جهاز كومبيوتر جعلني استخدم التكنولوجيا في (الكتابة) و(التراسل) و(التفكير).. حتى تصحيح أخطاء بعض الكلمات والعبارات التي أغفل عنها خلال انسياب كلماتي على الورق، يجريها الكومبيوتر نفسه بمجرد نقرة الإصبع على برنامجه المختص بالتصحيح على ضوء قواميس ومعاجم اللغة العربية. بإمكاني، أيضاً، بنقرات أخرى، توفير أي مصدر معلوماتي لما اكتبه أو الحصول على أية وثيقة من الوثائق المعرفية الضرورية لكشف وتوفير المعلومات الضرورية لإغناء مقالتي أو بحثي رغم بعض الزعم القائل أن المعلومات الواردة على الانترنت لا يمكن الوثوق بها . أما قلمي الحبر (الباركر) من نوع 51 فقد احتفظت به في أحد إدراج مكتبي كذكرى مصاحبتي له منذ بداية الكتابة به عام 1952 حتى عام 2000 حين أصبح الكيبورد هو (صاحبي الجديد) وقد تحولتْ العلاقة بين (القلم) و(الكيبورد) شكلاً مرئياً من أشكال الدافع لكتابة هذه المقالة.
خلال حقبة طويلة من الزمان كانت الكتب، المطبوعة والمخطوطة، عزيزة الوجود على الأدباء والمثقفين والعلماء نظرا لما تحمله صفحاتها من منافع لا تقدر بثمن. وقد كان دخول المطابع إلى مصر ولبنان منذ بداية القرن التاسع عشر عاملاً أساسياً في توسيع قاعدة نشر الكتب في المدارس والكنائس والجوامع في اغلب البلدان العربية. ثم أصبح (فن الطباعة) من أهم عوامل نشر الثقافة والعلوم على أوسع مدى بين الناس ونشأت إثر ذلك الدوافع لتأسيس الصحف ودور النشر ودور التوزيع في مصر ولبنان ومن ثم في العراق وغيرها حتى صار لهذه الأدوات مكانا ودورا يليقان بالعرب في عالم كان فيه الجزء الغربي منه يتقدم بقفزات مسارعة ليكون بالتالي في مقدمة الأمم المتطورة والبادئة في صنع مستقبل متنور جديد، خصوصا مع أواخر القرن العشرين، حين تنوعت وسائل الثقافة وتعددت وتنوعت وسائل صنعها ونشرها في وقت كان فيه العالم الثالث يزداد تخلفا أمام عزلته وتزايد أزماته. مع بداية القرن 21 صار أهم معلم من معالم إنتاج المعرفة الجديدة ووسائل الثقافة الجديدة في العالم الرأسمالي قد تراكم على الثورة العلمية والتكنولوجية ولن أبالغ إذا ما قلت أن (الكومبيوتر) و(الانترنت) صارا أهم عناصر الثورة المعرفية وقد انتقلا بسرعة مذهلة إلى أنحاء العالم المختلفة بما فيها البلدان الفقيرة .
فن الكتابة أولاً ومن ثم فن القراءة هما عمليتان فكريتان سيكولوجيتان يجري بينهما التفاعل العميق لاستخلاص جميع المعاني والرموز اللفظية لتكون بالتالي ليس تاريخاً فحسب بل لتكون أداة في التقدم الإنساني والمعرفي .وكما قال الكاتب والأديب والأكاديمي د. محمود السيد ، فأن (( مفهوم القراءة كان يقتصر على تعرف الحروف والكلمات والنطق بها صحيحةً «ميكانيـزم القراءة، آلية القراءة» لكن في ضوء نظريات علم النفس أضيف إلى هذا المفهوم الفهم فغدت القراءة عملية يحصل من خلالها القارئ على معلومات ومعارف وخبرات، وأصبحت القراءة تعرّفاً للحروف والكلمات والنطق بها صحيحة إضافة إلى الفهم والربط والاستنتاج والمقارنة والموازنة، وبعد ذلك أضيف إلى هذا المفهوم النقد، فأصبحت القراءة تعرّفاً للحروف والكلمات ونطقاً بها بصورة صحيحة إضافة إلى الفهم والربط والاستنتاج والتحليل والتفسير ثم النقد والتقويم وإبداء وجهات النظر، ومن ثمَّ غدت القراءة بعد ذلك أسلوباً من أساليب النشاط الفكري في حل المشكلات إضافة إلى ذلك كله، ثم أصبحت مفتاحاً أو نافذة لاستثمار أوقات الفراغ بما هو مفيد وناجح)).
نتيجة اتساع استخدام الكومبيوتر والانترنت نشأ رأي واسع في كل مكان يعتقد أن زمان (الكلمة المطبوعة) قد انتهى، خصوصا وأن أغلبية الكتاب والأدباء والشعراء والفنانين تركوا الكتابة بـ(القلم) واتجهوا إلى استخدام (الكيبورد) في الكتابة الالكترونية. كما أن الكثير من المواقع الالكترونية أنشأت مكتبات خاصة بها لنشر ملايين الكتب الكلاسيكية والحديثة بمختلف لغات العالم جعلتها بمتناول القراء خلال دقائق معدودة . التكنولوجيا أتاحت طرق وآليات جديدة جعلت كل مجال من مجالات الحياة أكثر مرونة في تطورها ونقل (العمل المكتبي) نفسه إلى (عمل أوتوماتيكي – إلكتروني) من خلال استخدام الكومبيوتر في مختلف مجالات الميادين الحياتية في الصناعة والزراعة والتجارة وفي الكثير من الآلات، الإنتاجية والاستهلاكية، اعتمادا على ما تقدمه الثورة الميكروألكترونية لنقل المجتمعات من (مجتمع البدائية) إلى (مجتمع المعلومات) القائم على جهد (القراءة) و(الكتابة) و(التحليل) لرسم آفاق المستقبل الإنساني الجديد . بمعنى أن التكنولوجيا الكومبيوترية وفرت روافد مذهلة وجبارة لدفع حركة (الأبحاث) و(التأملات) و(التوجهات) إلى أمام حين تغلـّب الانترنت وشبكته العنكبوتية العالمية على جميع مصاعب الزمان والمكان أمام (الكتاب) و(القراء) و(المبدعين) و(الباحثين) حين أصبح بالإمكان وضع معظم الجهود البحثية الإنسانية المنتجة من عقول اينشتاين وابن رشد وداروين وماكس فيبر وسيبويه واليوت وأفلاطون وابن خلدون وكارل ماركس وجورج سيمل وطه حسين وفرويد والتوراة والإنجيل والقرآن وكتب بوذا وزرادشت وآلاف غيرهم تحت تصرف الباحثين المجددين في هذا العصر و أصبح متوفرا أمام الجميع إمكانية تبصر رؤى الأقدمين خلال دقائق معدودة على شاشة الكومبيوتر بشمولية فاعلية لم يشهد لها التاريخ المعرفي مثيلا من قبل. من هنا وجد سؤال مهم في هذا العصر: هل انتهى زمان (الكلمة المطبوعة)..؟ هل انتهى زمان (الكتاب الورقي) المطبوع..؟ هل انتهى زمان (الجريدة الورقية) المطبوعة..؟ هل سيحقق (الانترنت) قريبا انتصاره التاريخي على (الكلمة المطبوعة)..؟
تأسيساً على الصراع القائم منذ تسعينات القرن الماضي فأن الجهود البحثية المتكاملة هي وحدها القادرة على تقديم جواب جلـّي على الأسئلة المتقدم ذكرها اعتمادا على تحليل التطور في سياقات الانترنت ودلالات استعمالاتها خلال القرن الحادي والعشرين من جانب قيمتها الحضارية ومن جانب السيكولوجية الفردية لدى المستهلك الفرد، قارئاً كان أو كاتباً.
منذ تسعينات القرن الماضي واجه الكتاب والصحفيون والموظفون وجميع مستخدمي (الأقلام) سؤالاً كبيراً: هل انتهى زمان (الكلمة المطبوعة) أم بإمكانها أن تتكيف مع التكنولوجيا المتقدمة جدا وبسرعة مذهلة، سواء في النقل الكومبيوتري والتلفزيوني، أو كما في السفن والمركبات الفضائية.. كذلك في النقل التلفوني السريع للمواد والأخبار الصحفية ، المكتوبة والمصورة، لنشرها على الشاشات التلفزيونية الفضائية (الستلايت) ، مما مهد السبيل إلى ضرورات التدريب التكنولوجي للعاملين في الصحافة على أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الاتصالات حتى يستطيع القراء والمشاهدون متابعة الأحداث أولاً بأول مثلما شاهد العالم كله يوم 11 سبتمبر عام 2001 عملية مهاجمة وانهيار برجي نيويورك، لحظة بعد لحظة، أو مصاحبة ورؤية السفن الفضائية، يوماً بعد يوم، وهي تتوغل في أعماق الكون مع مشاهدة روادها كيف يعملون ويتحركون ويأكلون ويشربون ويتحادثون ويقرؤون ويكتبون.
صار بزوغ (عصر الانترنت) يطرح أمام العاملين في الصحافة والنشر وعموم الكتابة الإبداعية ووسائلها المتنوعة عددا من الأسئلة الكبرى في مواجهة (الثورة العالمية) المستمرة التي تطـّور المجتمعات وآليات اتصالها تطوراً سريعاً في ميادين البحث العلمي، وتسهيل الدراسات الأكاديمية العليا لنيل الماجستير والدكتوراه، وتسهيل العلاقات التجارية وتسويق البضائع على نطاق العالم كله. لقد حقق
الانترنت قفزة هائلة توازي في أهميتها اختراع الطباعة أو أهمية الهاتف - الموبايل في قدرته على وصل الأفراد والمجموعات بعضهم مع البعض على مستوى العالم أجمع بسرعة مذهلة.
لا بد هنا من القول الحق أن العالم أصبح من الناحية الفعلية (قرية صغيرة) بنظر ووسائل الصحافة والصحفيين. هذا العالم بمقدوره أن يوفر اندماجاً اكبر وأوسع وأسرع بين مختلف السياسات الثقافية وصناعاتها الإبداعية على نطاق العالم كله. رغم أننا نجد الكثير من السياسة الثقافية العراقية لا زالت في عصر الانترنت مقتصرة على الآثار والتراث والفولكلور والفنون الجميلة المسموح بها رسميا وإعطاء الأفضلية لرؤية دينية أو مذهبية محافظة .
أول سؤال يواجهه الكتاب والصحفيون والمبدعون عموما هو: ما هي تقنيات العمل الصحفي والكتابي اليومي الضرورية في الزمن الحاضر والقادم ..؟
ثاني سؤال: هل سيختفي الورق من عالم الكتابة وهل يحقق (الكيبورد) هزيمته التاريخية على (القلم )..؟
ثالث سؤال: هل ستختفي الكلمة المطبوعة وتحل محلها الكلمة الالكترونية..؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة لا بد من العودة قليلا إلى التاريخ الماضي القريب الذي مر ببلادنا :
أولا في ثلاثينات القرن الماضي توقع الكثير من العراقيين أن توسع استخدام الراديو سيؤدي إلى انحسار الصحافة المطبوعة والى تراجع أرقام تداول الكتب وطباعتها وتوزيعها لكن الكلمة المطبوعة تضاعفت بآلاف المرات كما أن انتشار الكلمة المطبوعة ازداد أيضا حتى بعد دخول البث التلفزيوني عام 1956 إلى بيوت العراقيين .
أما اليوم فأن الإحصائيات العالمية عن استخدامات ومستخدمي الانترنت تشير إلى أرقام الملايين والمليارات حيث نشرت (مؤسسة اليوم المصرية) أن عدد مستخدمي الفيسبوك قد وصل إلى المليار عام 2012 بعد أن كان العدد لا يزيد على 60 مليون شخص عام 1997 وتضاعف العدد عام 2000 حيث بلغ 120 مليون بينما أصبح العدد 600 مليون عام 2010 .
هذه الأرقام المذهلة تدفعنا إلى الاستفسار عن واقع سوق الصحافة الورقية والكتب المطبوعة هل تأثرت بظهور الانترنت والستلايت الذي صار يوصل الأخبار والكتب والمصادر إلى بيوت القراء دون عناء يذكر . لقد صار أهم مكون من مكونات جمالية العمل الإبداعي والعلمي باعتماده على الكومبيوتر وأن يعتمد على هوية الانترنت، يتعامل مع هذه الهوية كأنها من معطيات التاريخ الحديث. فقد صار الانترنت والكيبورد لكل كاتب وباحث ولكل مبدع آلية من آليات اختزال الزمان والمكان لا يمكن الإستغناء عنها. بالإمكان القول أن المبدع في القرن الحادي والعشرين لم يعد مستخدما (القلم) المحدود الداينميكية في تدوين ما يدور في عقله وتفكيره على الورق، بل صار يستخدم (الكيبورد) كرافعة محورية هائلة بدلا من القلم كي يحقق فتوحات هائلة لاختراق المعلوماتية بجميع فضاءاتها.
نعم لقد خسرت الصحافة الورقية أكثر من مليار ونصف قارئ لكن حدة المواجهة بين الكلمة المطبوعة والكلمة الالكترونية لم تؤثر عالميا إلا بنسب محدودة فانخفاض عدد قراء الكتب لا يزيد عن 20% عام 2010 عما كان في عام 2000
هذه الأرقام الفلكية للفيس بوك والانترنت تدل على النجاح الكبير والساحق لهذه الشبكة و هذه الأرقام ستعجز بالتأكيد المنافسين للفيس بوك وبالتحديد دور النشر الورقي ( كتب وصحافة) لكن مع ذلك لا بد من التذكير ببعض الوقائع الجديدة:
1- يوم أمس تم افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب الورقي. وكان هذا المعرض في إمارة صغيرة من دولة الإمارات العربية المتحدة قد شارك فيه أكثر من 1000 دار نشر وهو رقم أعلى بكثير من الأعوام السابقة . كما طرحت فيه أكثر من 400 ألف عنوان وهو أيضا رقم جديد متقدم على الأرقام السابقة.
2- أخبرني أحد أصدقائي من أصحاب الدار العربية للعلوم – بيروت أنه تفاجأ في دورة العام الماضي 2012 في معرض الرياض الدولي للكتاب من حيث زيادة عدد دور النشر المشاركة والعناوين المطروحة ومن حيث إقبال المواطنين على شراء الكتب بتسجيل رقم أعلى من السنوات السابقة في مبيعات هذا المعرض.
3- أشار معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في دورته السنوية في الشهر الماضي( أكتوبر) إلى حقيقتين : الأولى أن الكم الإنتاجي من الكتب قد تفوق هذا العام على الأعوام السابقة. الحقيقة الثانية التي جاءت في البيان الختامي لهذا المعرض أن تداول الكتاب الإلكتروني يزداد تقدماً يوماً بعد يوم .
خلاصة القول يمكن إيجازها أن إنسان القرن الحادي والعشرين ، سواء كان قارئاً أو كاتباً، أن يقيم علاقة سريعة تقاس بالدقائق والثواني مع كل الأبعاد في ثقافة التراث وفي ثقافة الحداثة وفي كل الأبعاد العلمية باستخدام النسق الثقافي الالكتروني (الانترنت) بانتاج يؤسس تاريخاً جديداً لجوهر وشكل القراءة والكتابة وصولا إلى زمان قادم يكون فيه النص المعرفي المدون على ورق شيئا من أشياء الماضي ممداً على رفوف المتاحف حين يصبح (الآي باد) محضوناً ثقافيا لا يستغني عنه القراء بل يستغنون عن الكتاب الورقي والصحافة الورقية وهو أمر مؤكد غاية التأكيد .
إن المثقفين العراقيين عموما والديمقراطيين منهم بشكل خاص، هم جميعا بحاجة إلى التفكير الجدي في كيفية وإمكانية ربط الثقافة العراقية الجديدة والحديثة في إطار تنميتها السريعة عبر (المطبوع الورقي) وعبر (المعروض الانترنيتي) بوقت واحد كي يمكن السعي لخلق معارف عراقية متألقة بالمبادرة والقوة لكي نخلق ثقافة عراقية جماهيرية قائمة على (حرية الكتابة) وعلى (حرية القراءة) بمستويين يتجاوزان دور صناعة الكلمة كما ويتجاوزان أساليب سيطرة السلطة الحكومية عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم
.. الفنان السوري فارس الحلو: أرفض حكم العسكر
.. مواقف أبرز الفنانين السوريين بعد سقوط حكم الأسد
.. لحظة وصول الفنانة بدرية طلبة إلى عزاء زوجها بدار مناسبات الم
.. كيف عبر الفنانون السوريون عن مواقفهم بعد رحيل الأسد؟