الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحزب يساري جديد في مصر..

مصطفى مجدي الجمال

2013 / 11 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ليس من عادتي بالمرة أن أتحفظ على حق الآخرين في الاجتهاد- بما فيه الاجتهاد التنظيمي- وإن لا يمنعني هذا من الانتقاد، وربما الانتقاد القاسي حينما يستدعي الأمر هذا.

لا أملك إلا الترحيب بمحاولة بعض الرفاق الأعزاء (ومعظمهم من المستقيلين حديثًا من حزب التحالف الشعبي) تشكيل حزب جديد أسموه حزب "العيش والحرية"، وهي تسمية مبتكرة مستوحاة من الشعار الأساسي لانتفاضة 25 يناير 2011، وإن كانت دون مغزى أيديولوجي مميز.

ذلك الترحيب رغم أنني كنت قد دعوتهم إلى عدم الانصراف عن حزب التحالف قبل استنفاد كل المساعي التوفيقية التي تتطلب "تنازلات" غير أساسية من كل الأطراف، بل نصحتهم- نصيحة رفيق متواضع- بأن يبحثوا عن حكماء من خارج الحزب لمساعدتهم في تخليص الخلافات المتفجرة من الجوانب السياسية المضخمة أو حتى ذات الطابع الشخصي والمرتبط أيضًا بتباين الخبرات. غير أن النصيحة الرئيسية كانت ألا يقفزوا إلى "الفراغ".. أي ضرورة أن يكون عندهم مشروع سياسي/ حزبي جاهز.

ويبدو أنهم كانوا مستعدين مسبقًا لإنشاء الحزب الجديد، وبالفعل عقدوا اجتماعهم التمهيدي وأصدروا بيانًا عن اللقاء.. ولا نملك والحال هكذا إلا أن نتمنى لهم التوفيق، وننتظر منهم أن يكونوا إضافة نوعية وكمية كبيرة لليسار المصري باجتذاب عناصر جديدة (خاصة من الشباب) لم يسبق لهم الانضمام لأحزاب.. كما أتوقع منهم أن يخرجوا سريعًا من الحالة التي سبقت انقسامهم الفعلي على حزب التحالف وما صحبها من مساجلات لم يعد هناك مبرر تنظيمي لاجترارها.

كما قد تبدو دعوتي التالية لهم "غريبة" بعض الشيء.. ولكنه منطق "الجدل التطوري".. أدعوهم إلى ألا تكون جهودهم لبناء الحزب الجديد منعزلة، أو مناقضة، للدعوة التي أطلقها الحزب الاشتراكي المصري وآخرين لتوحيد اليسار على أسس مبدئية وديمقراطية، حتى تستقر الأوضاع المتشتتة على وجود حزبين أو ثلاثة على أقصى تقدير تكون الخلافات بينها استراتيجية لا يمكن التوفيق بينها، ويترك للممارسة العملية والتاريخ المقبل الحكم عليها.

في الوقت نفسه أدعو مخلصًا حزب التحالف إلى التعامل الهادئ والموضوعي مع الحزب الجديد، والبحث عن الأطر المشتركة معه مثلما يتعامل مع غيره من المنظمات اليسارية، وأن يركز على تطوير عمله المشهود له في الدفاع عن مبادئ اليسار والثورة المصرية.

وفي كل الأحوال تظل الدعوة قائمة ومبررة لتطوير "التحالف الديمقراطي الثوري" بين أطياف اليسار المصري إلى بناء قيادة مشتركة تضطلع بالتوحيد الفعلي/ الواقعي "كعملية" وليس "كإجراءات"، من خلال توحيد الأنشطة الجماهيرية والتثقيفية والجماهيرية كبداية، عملاً على تفعيل وتعظيم هذه الأنشطة، ومنعًا للتكرار وتبديد الجهود والمنافسات غير المستحبة (انظر مقالي في الحوار المتمدن بعنوان "وحدة اليسار المصري بين السراب والممكن" على الرابط http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=387180 ).

ثم نأتي إلى البيان التأسيسي الذي جاء مقتضبًا، وأول ملاحظة عليه أنه لم يشف غليلنا بعد من حيث أركان الرؤية الاستراتيجية لبناء الحزب الجديد، والمنطق الحاكم لوجوده، والمنهج التنظيمي الذي سيقوم عليه..الخ.

ومع ذلك فحتى مع السطور القليلة التي جاء عليها البيان يمكن أن نلاحظ بعض الملاحظات المتناثرة.. التي نرجو أن يحيطونا علمًا بتفسير أوسع لها..

(1) لم يرد بالبيان عبارة واحدة توضح نوع فهم كاتبيه لعلاقة الثورة المصرية بالسياقين الدولي والإقليمي.. رغم أن التطورات في مصر- وربما في مصر بالذات- شديدة الارتباط بهذين السياقين.. وأخص بالذكر عدم إشارة البيان بحرف واحد إلى العولمة والإمبريالية الأمريكية (المتحالفة أساسًا مع الاتحاد الأوربي) وصعود قوى عالمية جديدة.. أما أدوار إسرائيل وتركيا وبعض دول الخليج فهي غائبة أيضًا رغم وضوح تجلياتها على مجريات الثورة والثورة المضادة في مصر.

(2) تحدث البيان عن جماعة الإخوان وحلفائها كما لو كانوا مجرد تيارات سياسية عادية، لا علاقة لها بالإرهاب (المادي والمعنوي بشتى أنواعه) ولا بقوى شديدة الرجعية في أصقاع الأرض، ولم ترد كلمة عن مخاطر هذه الاتجاهات على كيان الدولة والمجتمع في مصر، والمهددين بانهيارات حقيقية بضغوط من الخارج وبسبب طبيعة السلطة غير الثورية.

(3) بخل كاتبو البيان بنعت 30 يونيو 2013 بأي عبارة تصفها بالثورية أو التصحيحية رغم مشاركة الملايين الغفيرة فيها، وباتساع أفقي لم تحظ به انتفاضة 25 يناير 2011 ذاتها. قد يفسر البعض هذا بالتحفظ على طبيعة وممارسات السلطة التي جاءت نتيجة إقصاء الإخوان، رغم أن البيان نفسه يقدح في طبيعة السلطة التي جاءت في أعقاب انتفاضة 25 يناير.

(4) يبدي البيان انزعاجه من محاولات صناعة "زعيم شعبوي" (عبد الفتاح السيسي).. ويعترف البيان بأن "قطاعات واسعة من الجمهور تطلب الاستقرار ولو بأي ثمن وغض الطرف عن الممارسات الإجرامية للأجهزة...". ولكن مواجهة مثل هذه الظواهر (أي "الشعبوية") لا تكون بالرفض وحسب، وإنما يجب أن نحلل أولاً سر هذه الشعبية التي يتمتع بها الجنرال، خاصة وأن البيان يتوقع فوزه "عمليًا" إذا ترشح للرئاسة. كما يجب في هذه الحالة غير النادرة في التاريخ المصري أن نبحث كيفية التعامل معها لا الاكتفاء برفضها، وأن يكون لدينا البديل الواضح لما نرفض.

(5) منح البيان جماعة الإخوان "شرفًا" لا يستحقونه بما أسماه "احتلال التيار الإسلامي لموقع المعارض الوحيد". بينما هناك الكثير من المعارضات المتنوعة لممارسات بعينها، وربما للمسار الحالي كله. ومن المهم أيضًا التفرقة بين معارضة تهدد وجود المجتمع بالانهيار.. ومعارضات تعمل على تطوير العملية الثورية أو استعادة مجراها الثوري، مع مرونة التعامل مع التناقضات التي تثيرها كل مرحلة.

(6) لا اعتراض لي بالمرة على مقولة "تنظيم منفتح ومرن يتيح لأعضائه حرية الحركة وإطلاق المبادرات، ويقبل تعددية التيارات اليسارية داخله ويدير خلافاته السياسية عبر وسائل وقنوات ديمقراطية منفتحة وشفافة ".. رغم أن هذه ذات المعاني تقريبًا التي أنشئ على أساسها حزب التحالف، وربما حزب التجمع قبله بدرجة ما.. فما هي الآليات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف "الحميد"- سوى آليات النوايا الحسنة- حتى لا يتكرر في الواقع ما رفض سابقًا؟

(7) بصراحة الرفاق أقول إن المرجعية التنظيمية تبدو "هلامية" بعض الشيء، أما عن المرجعية الفكرية فقد شد انتباهي أن كلمة الاشتراكية لم ترد في البيان ولا في مسمى الحزب.. وهذا حقهم في الاجتهاد.. لكن من حقنا أن نعرف السبب.

أخيرًا.. سأخرج سريعًا من هذه المناقشة.. وأتمنى ألا أعود إليها قريبًا.. وأرجو من الجميع أن يأخذ ملاحظاتي على محمل الرفاقية.. وأتمنى من كل قلبي التوفيق للحزب الوليد.. وأؤكد أن نجاحه لن يكون سوى بالتعاون مع الآخرين من قوى اليسار، وبطرح رؤية فكرية وتنظيمية أكثر استفاضة، وقبل هذا وذاك الاستفادة من عظات تاريخ الانقسامات والوحدات وسط اليسار المصري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح