الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشكر في التقاليد الأميركية

بكر ناطق

2013 / 11 / 27
كتابات ساخرة


لم تعد ظاهرة التمايز الثقافي بعيدة عن تصورات مجتمعاتنا الذهنية اليوم، ونحن نشهد تحولات كبيرة في عالم التكنولوجيا والانفتاح، الذي اختزل المسافات الجغرافية بأرقام وحسابات رياضية ليست معقدة، مما سهل عملية الانتقال الى بيئات متقدمة في أنظمتها اللوجستية والانسانية. والبعد الجغرافي لم يثني تقارب شعوب الأرض عن مسارها الطبيعي في العادات والطقوس. وأصبح استيعاب الحراك السريع وقيمة العامل الزمني متاحاً لكل من وطأت قدمه بلاداً تبنت مفهوم التنافس وتطوير المهارات والتقدم العلمي والتربوي في مختلف الحقول المنتجة، مقابل الركود وضياع الفرص في عالمنا النائم.
كان الرحالة في التاريخ يزدادون معرفة واستمتاعاً بما يشاهدونه خلال رحلاتهم ويدونون الأحداث المهمة التي تمر بهم. فهم استطاعوا الى حد ما أن ينقلوا لنا صوراً مفيدة للدراسة من الماضي، بسبب تفهمهم العميق للثقافات المختلفة، باعتبار أن التباين بين كائن بشري وآخر يعد تبايناً في المظهر لا في الجوهر.
اعتاد شعب الولايات المتحدة في الخميس الأخير من شهر نوفمبر من كل عام الاحتفال بعيد الشكر، الذي تحول تدريجياً عبر التاريخ الى عيد وطني، تغلق فيه الدوائر الرسمية ومعظم المحلات والأسواق. فهو يمثل عيد العائلة والأصدقاء، ويبرز فيه نجم الديك الرومي الذي يشكل الوجبة الأساسية لهذه المناسبة. وكتقليد متعارف عليه، قد يناله حظ الاعفاء بشكل رمزي عشية العيد من قبل رئيس البلاد. وتضع الولايات المتحدة أهمية كبيرة لهذا العيد في تقويمها السنوي على المستوى الرسمي والشعبي، من الاحتفال في المنازل الى عروضات الأسعار المدهشة في المحلات التجارية في اليوم الثاني من العيد أي الجمعة. ولا يستسلم عامة الناس الى العاصفة الثلجية التي تجتاح الولايات الأميركية هذه الأيام رغم الخسائر التي تسببها، بل يواصلون السفر والزيارات فيما بينهم ولا يضيعون متعة الاحتفال مع أحبائهم بهذا العيد التقليدي الذي ينتظرونه كل عام.
رغم أن هذا العيد يقام في بلد صناعي كبير، إلا أنه ليس ببعيد عن التراث الشرقي. فالشكر منذ القدم مرتبط بخصوبة الأرض ووفرة المياه ومصادر الثروات، وكثير من شعوب الأرض تعتمد عليه، لتسهيل حياتها الاقتصادية والاجتماعية بحسب معتقداتها.
تعود جذور الاحتفال بهذه المناسبة الى مجموعة من المهاجرين الانكليز في مطلع القرن السابع عشر، الذين وصلوا الى الساحل الشرقي لولاية ماساتشوستس، وبعد مكوثهم فترة من الوقت وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام قسوة شتاء دفعت بمعظمهم الى الهلاك. وبعد فترة من الوقت تدخلت إحدى قبائل الهنود الحمر بزعامة ماساسوت لانقاذهم من المعاناة التي لحقت بهم، وسمحت لهم بالزراعة والصيد في المنطقة.
قام المهاجرون الجدد سكان منطقة بليموث مع حاكمهم وليام برادفورد، بالاحتفال بأول موسم حصاد دعوا إليه الهنود في منطقة تاون بروك، التي شهدت وجبات طعام من لحوم الطيور والغزلان، ورقصات واستعراضات للأوربيين والهنود، استمرت ثلاثة أيام. وبمرور الوقت تحولت هذه المناسبة الى عيد شكر وصلاة خصوصاً خلال هطول الأمطار بعد موجة الجفاف وقلة المحاصيل.
رغم التأثيرات الدينية في تاريخ هذا العيد، إلا أنه يمثل عيداً اجتماعياً له أهمية خاصة في حياة الأفراد والعائلات باختلاف التوجهات الفكرية والاثنيات العرقية لأبناء القومية الأميركية. فالجميع يشارك ويعمل ويلتزم بالقوانين، والمواطنون يندمجون بثقافتهم المتنوعة التي تضفي رونقاً وقوة لهذه البلاد، لا تراجعاً وضعفاً كما في سائر البلاد العربية التي باتت اليوم في أمس الحاجة الى اصلاح كبير في جوهرها الثقافي واندماج أكبر بين اثنياتها المتنوعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة