الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من رؤية واضحة في عراق اليوم؟ القسم الرابع: رؤية نقتنع بها ونقدمها للآخر

خالد يونس خالد

2005 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


الدكتور خالد يونس خالد*

هناك أسئلة كثيرة تتضمن بضعة رؤى مختلفة ومتباينة تطرح نفسها في عراق اليوم، أهمها، الرؤية التي تمثلها الأغلبية الشيعية بجعل العراق دولة ثيوقراطية تكون القوانين (الإسلامية) بالمفهوم السياسي، المصدر القانوني الوحيد في الحكم. في حين تشك الرؤية السياسية لهذا التوجه ومعه القوى العربية المتطرفة بالممارسة الديمقراطية والفدرالية بإبقاء العراق دولة بسيطة على أساس الفدرالية الإدارية التي لا تختلف في الجوهر عن الحكم الذاتي النظري الذي أقره صدام حسين للشعب الكردي والذي لم ير النور أصلا في المحك العملي. وبذلك تبقى القوميات والأديان الأخرى في الظل.
(أتأسف أن أقول بمرارة، بعدم وجود دولة إسلامية بالمفهوم الإسلامي القرآني النبوي في عالمنا المسلم اليوم، تعترف بحقوق الجميع على قدم المساواة طبقا للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة).
أما الرؤية الثانية التي تمثلها الأحزاب الكردستانية والقوى اليسارية والديمقراطية بكل توجهاتها الدينية والقومية والأممية تقول بجعل القوانين الإسلامية مصدرا من مصادر التشريع، دون ان يكون أبدا وبأي شكل من الأشكال المصدر الوحيد باعتبار أن العراق يتكون من فسيفساء خاص به، وأعراق وأديان عديدة. هذه الرؤية تريد أن تجعل من العراق دولة ديمقراطية تنظمه القوانين الوضعية والإسلامية وتحترم الأديان المختلفة، على أساس فصل السياسة عن الدين، والدين لله والوطن للجميع. وتدعو الرؤية السياسية عموما إلى جعل العراق دولة ديمقراطية تعددية برلمانية فدرالية موحدة على أساس تمتع الجميع بالمواطنة من الدرجة الأولى على قدم المساواة، واحترام حقوق الإنسان والحقوق العادلة لجميع القوميات والأقليات القومية والدينية بدون تمييز، من الناحية النظرية على الأقل.
(أتأسف أن أقول أيضا بعدم وجود دولة ديمقراطية تعددية برلمانية فدرالية موحدة في الشرق الأوسط اليوم تعترف بحقوق مواطنيها وقومياتها وأديانها على قدم المساواة).

يبدو أن هذه الاطروحات في الأساس ظاهرية، ولكن يكمن وراءها خطط وبرامج قد لا تخدم مستقبل العراق، وهي في الأساس تؤدي إلى سيطرة فكر أحادي الجانب لجهة دون أخرى، وتضعف الممارسة الديمقراطية، وقد تقضي عليها بأسلحة الديمقراطية نفسها بجعل الدين وسيلة للسيطرة السياسية كما هو الحال في بعض البلدان التي تجعل من الدين مطية لتحقيق أغراض شخصية. أما إضعاف الدين وسيطرة القوى المعادية للتوجه الديني فقد يؤدي إلى صراع إسلامي علماني إستبدادي باعتبار أن العلمانية في الدول الشرق أوسطية لازالت علمانية تنقصها التجربة الديمقراطية، بل هي علمانية لاتعترف أصلا بالحقوق القومية للشعوب والأقليات المتواجدة الى جانب القومية الكبيرة القابضة على السلطة، مثال ذلك تركيا العلمانية التي تحاول غالبا تحت غطاء العلمانية ضرب القوى القومية الغير تركية والقوى اليسارية والديمقراطية.

إذن ما هو الحل؟
لا شك أن الدين يجب أن يُحَترم، ومن حق كل إنسان أن يمارس عقيدته بشكل لا يؤدي إلى الإساءة بالآخرين. ولكن إذا فرضنا الدين على الناس يصبح خطرا على وحدة المجتمع. وبنفس الدرجة إذا ألغينا الدين ووقفنا ضد أسلمة المجتمع، فإنه يصبح الخطر أكبر باعتبار أننا نسيء للأغلبية المسلمة. ولكن ينبغي عدم الإساءة للأقلية الغير مسلمة أيضا كالكلدو آشوريين والأيزيديين والمندائيين واليهود وغيرهم. وعلينا أن نؤكد أن لهذه الأقليات حقوق يجب عدم التفريط بها إذا أردنا أن نبني دولة ديمقراطية موحدة.
أعتقد أن الرؤية الواضحة التي يمكن أن نقتنع بها هي التفاعل بين الحالة الراهنة التي تحكم العراق كمجتمع له خاصيته الخاصة، والعوامل الأقليمية والدولية في النظام الدولي، والابتعاد عن إستيراد نماذج إسلامية شرقية أو علمانية غربية. فالعراق له خصوصيته، وظاهرة الإرهاب عامل من العوامل الداخلية التي تتفاعل مع النظام الدولي. لذلك يجب تعبئة الشعب لتصفية بؤر الإرهاب باللجوء إلى الشرعية الدولية للكشف عن مراكز الإرهاب في العراق ودول الجوار العراقي خاصة، والعالم الخارجي عامة. والتوعية الاجتماعية بضرورة التمسك بالثوابت الوطنية والدينية، بجعل الوطن والعقيدة فوق الاعتبارات الأخرى، واحترام إرادة الجميع في ممارسة العقيدة والعبادة والحرية بشكل لا تتعارض مع الثوابت والأساسيات.

لانزال متخلفين نسبيا في مجال التكنولوجيا والميكانيك والألكترونيك والصناعة المتقدمة عموما. كما أننا متأخرون في المجالات الاقتصادية وإنتاج السلع التي تشبع الحاجيات المادية. لكننا لسنا متأخرين في المجالات المدنية والحضارية والعقائدية التي تقدم لنا الكثير من التقدم إذا أحسنّا أداءها بالتفاعل مع النواحي الاجتماعية والنفسية وقبول الآخر. الإشكالية هنا هي التردد والهروب من الواقع، والتذبذب بين قوة جذب الماضي بكل إيجابياته وسلبياته، وقوة جذب الحاضر بكل مخاوفه ومحاسنه. ولذلك نحتاج الى مناعة في رفض ما تمس ثوابتنا وأساسياتنا التي نؤمن بها، وهي في الأصل قليلة ولكنها مهمة لكونها تدخل في شخصيتنا ووجودنا. ولكن هذه المناعة لا تعني عدم التعاون مع الغرب فيما نتفاهم عليها من نقاط ذات مصالح مشتركة، ونحاور فيما لا نتفاهم عليها. وعلينا أن نفهم أيضا أن شروط الحوار مع الخارج تتطلب وحدة الخطاب السياسي في الداخل. الحوار داخليا ونجاحه نسبيا يقودنا إلى الحوار خارجيا لنعرف ماهي النقاط التي نتفاهم عليها. فبالحوار نقترب ونتفاهم ونعترف بحقوق بعضنا البعض بعيدا عن ممارسة العنف والإرهاب.
هذا الحوار يحتاج إلى وقت، وهذا الحوار يجعلنا أن نرتب بيتنا ونرمم ما هدمناه في وطننا. وينبغي أن نفهم ما نحن فيه، وأن نرمم ما هدمناه.
لابد من فهم نظام العلاقات الدولية، وهذا يتطلب الاعتماد على التكنوقراط إلى جانب السياسة. يجب أن لا نتخذ القرارات بشكل عفوي وعاطفي ومذهبي، كأن نقول، مثلا نحن ضد الغرب لأن دولا غربية تمنع الحجاب أو تمنع منظمات سياسية إسلامية، وننسى أن بيننا مَن يرفض الحجاب ويمنع المنظمات السياسية الإسلامية. هناك بيننا مَن يريد أن يكون ضد الغرب وفي نفس الوقت يفتح أبوابه للقوات الغربية لأنه لايثق بجيرانه. طبيعي ينبغي منهجيا، أن نذكر بالأسم مثل هذه النماذج، ولكن يجب أن نبتعد عن التشخيص لأسباب سياسية.

رؤية نقتنع بها لأنفسنا قبل أن نقدمها للآخر
هل نحاور من زاوية رفض بعضنا البعض أو نحاور من زاوية رفضنا للغرب أو خوفنا منه؟ أعتقد أنه لابد أن نحاور من زاوية التقارب والتفاهم مع قدرتنا وقناعتنا في وجود مناعة لدينا في ثوابتنا مثلما توجد هذه المناعة عند الدول الغربية في أساسياتها. لابد أن ندع ألف زهرة تتفتح حيث تكون لنا ثقة بأنفسنا وبشعبنا ووطننا وعقائدنا في وطن متعدد القوميات والديانات. ومن هنا نفهم المصالح المشتركة بيننا، والمصالح المشتركة مع غيرنا.
إذن نريد رؤية واضحة نقتنع بها أولا لأنفسنا قبل أن نقدمها للآخر. لكن هناك إشكالية بيننا، وهي أن فينا مَن يجعل من الإرهاب مقاومة، وهناك مؤسسات إعلامية مرئية وسمعية ومقروءة تجعل من الإرهاب جهادا. فهل بيننا إرهابيون يحكموننا؟ أليس بيننا مَن يرفض الحكم الإسلامي كليا ويدعوا إلى الاغتراب؟ أليس بيننا مَن يريد الحكم السياسي الإسلامي وحده مع رفض الغرب كليا؟ بل أليس بيننا مَن يجعل مذهبا غسلاميا معينا يمثل الصواب دون المذاهب الأخرى؟
فكيف نجد حلا في الحوار؟
هل نجد حلا للحوار بالدعوة إلى الابتعاد عن الطائفية والشوفينية القومية والتطرف الديني في عبارات براقة يكتبها بعض المواقع العربية، ولكنها في الحقيقة والواقع ترسخ عكس ما تكتبه في الممارسة العملية بإلغاء الآخر؟
إذن، يجب أن تكون لدينا رؤية في الصلح مع الذات، ورؤية في علاقاتنا ببعضنا البعض لتكوين رؤية مشتركة نقتنع بها ثم نقدمها للغرب للتعامل معه على أساس الحرية والسلام والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة. ويجب أن تكون هذه الرؤية واضحة سياسيا حيث الديمقراطية بالشكل الملائم لمجتمعنا، كما الأوربيون يحبون الديمقراطية بالشكل الملائم لمجتمعاتهم. كما يجب أن تكون لنا رؤية اجتماعية واقتصادية. والأهم من كل ذلك رؤية حضارية بدون إلغاء الآخر، إنما بضرورة تكوين وتبلور الوعي الاجتماعي الذي يشمل الجوانب الحياتية والقانونية بالاعتراف بحق الجميع في الحرية بنفس الشروط، حتى نتمكن من تطوير هذا الوعي الاجتماعي الى وعي تاريخي وحضاري بعيدا عن ممارسة العنف والإرهاب، وبعيدا عن الخوف من الذات ومن بعضنا البعض. فالديمقراطية لاتنجح أبدا في مجتمع العنف لأنها ملازمة للسلم. ولا يمكن أن يكون هناك سلم بدون احترام حقوق الإنسان والقوميات والأديان بيننا. فليست هناك دولة شرق أوسطية واحدة نجحت في ترسيخ دعائم الديمقراطية ومنح الشعوب حقوقها المشروعة، ونظل ننادي نحن بخير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ