الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن «المؤسسة العسكرية»... وتوظيف ثورة بلا قائد

هانى جرجس عياد

2013 / 11 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


هتفنا، ولم نزل وسنبقى نهتف، ضد «المؤسسة العسكرية»، لكن أحدا (فى حدود ما أعلم) لم يتوقف قليلا أمام هذا المصطلح «المؤسسة العسكرية»!! ودورها فى إجهاض الثورة.
فى البناء الهيكلى التنظيمى للقوات المسلحة المصرية نعرف «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» و«قيادة الأركان» و«الإدارة الهندسية» و«الشئون المعنوية» و«قيادات الأفرع الرئيسية»..الخ... لكننا لا نعرف كيانا مؤسسيا اسمه «المؤسسة العسكرية»، فما هى هذه «المؤسسة» التى هتفنا، ولم نزل وسنبقى نهتف، ضدها؟
واقع الأمر أن «المؤسسة العسكرية» هى تشكيل أقرب إلى «اللوبى» منه إلى الكيان المؤسسى، وهو لوبى عرفته كل البلدان التى عانت من حكم أنظمة غابت عنها الديمقراطية والشفافية وساد بدلا منها الفساد والاستبداد، وقد كان هذا اللوبى دائما جزءا عضويا وفاعلا من هذه الأنظمة، استفاد من فسادها واستبدادها، وأبدى دائما استعدادا كاملا وعمليا لحماية النظام والحفاظ عليه وضمان استمراره، ولم يتردد أبدا فى التضحية برأس النظام إذا ما لزم الأمر، إما لحماية النظام ذاته فى مواجهة حركة ثورية متصاعدة، أو فى إطار صراع على إعادة تقسيم كعكة فساد السلطة واستبدادها (الانقلابات العسكرية - أمريكا اللاتينية نموذجا).
يتجاوز هذا اللوبى حدود المؤسسات الهيكلية فى القوات المسلحة، ليضم الضباط المستفيدين من فساد واستبداد النظام، وعمولات صفقات السلاح، والتمويل العسكرى، ورحلات التدريب، فضلا عن الأنشطة الاقتصادية غير العسكرية للقوات المسلحة.
هذا «اللوبى» فى مصر كان جزءا لا يتجزأ من نظام مبارك، وعندما تبين له –خلال ثورة يناير- أن «شوية العيال بتوع التحرير» لن ينفضوا إلا برحيل رأس النظام (حسنى مبارك) وأن البديل الأخر هو انهيار النظام ذاته وربما سقوط الدولة أيضا، تدخل لدى «الرئيس» وطلب منه التنحى، فيما بدا أنه استجابة لمطالب الثورة، بينما كانت الحقيقة أنه حاول إنقاذ نظام فاسد أوشك على السقوط.
وظنى أن هذه النقطة هى مفتاح فهم حركة واتجاهات ما نسميه «المؤسسة العسكرية» فالتدخل فى اللحظة المناسبة يبدو من حيث الشكل تجاوبا مع مطالب الثورة، بينما فى الجوهر والحقيقة هو تدخل لإنقاذ الفساد والاستبداد من السقوط. وقد كان مسار «المجلس الأعلى للقوات للمسلحة» فيما بعد 11 فبراير 2011 تأكيدا لهذه الحقيقة، وقد نجح بالفعل فى سرقة الثورة، وتسليم الوطن (تسليم مفتاح) للإخوان المسلمين.
فى 30 يونيو 2013 كانت الموجة الثورية الثانية لثورة 25 يناير، أوسع وأشمل وأعمق، لكنها أكثر تعقيدا وتشابكا، حيث كانت لحظة مواجهة سلطة الإخوان هى لحظة «اللقاء القسرى» بين ثوار يناير بكل أمالهم وطموحاتهم وتطلعاتهم الثورية، وبقايا نظام مبارك، وفيهم اللوبى العسكرى أو ما نسميه «المؤسسة العسكرية». لم يكن بوسع أى من الطرفين أن ينأى بنفسه عن المواجهة، كما لم يكن بوسع أيا منهما أن يُقصى الأخر عنها.
فى الطريق إلى 30 يونيو، كشفت «المؤسسة العسكرية» عن توجهها وانتمائها بتصريح تكرر كثيرا، على لسان الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع وبعض كبار الضباط مفاده أن «ولاء القوات المسلحة سيكون للشعب»، كان التصريح جديدا وغريبا، وإن لم ينتبه إليه الكثيرون فى حينه، حيث المعروف نظريا أن ولاء القوات المسلحة دائما «للوطن»، وفى الممارسة العملية على الأرض فإن الولاء يكون للرئيس (أطاح عبد الناصر بعبد الحكيم عامر وشمس بدران، وأطاح السادات بمحمد فوزى، وأطاح مبارك بعبد الحليم أبو غزالة، وكانوا جمعيا مراكز قوى ونفوذ داخل القوات المسلحة التى بقيت دائما على ولائها للرئيس فيما اتخذ من قرارات).
الجديد فى حكاية «الولاء للشعب» أن القوات المسلحة، تعلن بوضوح أنها ليس جزءا من نظام الإخوان، دون أن يعنى ذلك –بالضرورة- أنها أصبحت جزءا من الحركة الثورية، حيث لوبى الفساد فيها كان ولم يزل جزءا عضويا من نظام مبارك. وعند لحظة «اللقاء القسرى» بين كل القوى والأطياف فى مواجهة سلطة الإخوان وذيولهم وأتباعهم، عادت الأوراق لتختلط من جديد، حيث تدخلت «القوات المسلحة» لتلبية مطلب الثورة بإسقاط حكم المرشد، لكن التدخل لا يجب أن يكون بالقطع لصالح الثورة، حتى وإن بدا كذلك من حيث الشكل، بصرف النظر عن نوايا ورغبات الفريق أول عبد الفتاح السيسى، حيث لوبى الفساد العسكرى أقوى وأكثر فاعلية، والواقع لا يحتمل الشخصنة، مع أو ضد.
كانت 30 يونيو ثورة بكل ما تحمله كلمة «ثورة» من معانٍ، وكانت 3 يوليو استجابة لمطالب الثورة، لكن ليس بكل ما تحمله كلمة «استجابة» من معانٍ، فقد عاد سيناريو 11 فبراير ليتكرر من جديد، حيث لوبى الفساد العسكرى أكثر وعيا بمصالحه، وأكثر حرصا عليها، فى مواجهة ثورة شعبية عارمة، لكنها مازالت تفتقد القيادة والقائد، غير قادرة على تلمس الطريق إلى السلطة. ومثلما حاول «لوبى الفساد العسكرى» فرملة الموجة الثورية الأولى (25 يناير 2011) وإحالتها إلى مجرد «هوجة» أسقطت مشروع التوريث، عاد لتسخير «لحظة اللقاء القسرى» فى مواجهة الإخوان، من أجل إجهاض الموجة الثورية الثانية (30 يونيو) وإحالتها إلى مجرد انتفاضة للخلاص من «سلطة» الإخوان، وكانت الثورة –فى نفس الوقت- تعيد إنتاج ذات الخطأ بتقديم شيك على بياض للقوى التى تحكم القوات المسلحة وتتحكم فى حركتها واتجاهاتها، المؤسسة العسكرية، أو للدقة لوبى الفساد داخل القوات المسلحة، كان الشيك الأول «الجيش والشعب أيد واحدة» ثم أصبح بعد سقوط الإخوان «تفويض لمواجهة الإرهاب».
كان غريبا أن تطلب القوات المسلحة «تفويضا» لأداء دورها ووظيفتها، مواجهة الإرهاب، مثلما كان مريبا أن يأتى الطلب من وزير الدفاع وليس من رئيس الجمهورية، ومع ذلك فالتفويض فى ذاته لم يكن هو المشكلة، بل أن تمنح تفويضا دون محاسبة حكومة أدى تقاعسها (أو قل تواطؤها) منذ 3 يوليو، إلى تمدد الإخوان واتساع نطاق ما يمارسونه من عنف وإرهاب، وبما استدعى طلب التفويض، ثم فى تفويض مفتوح لا يتضمن ضرورة تقديم كشف حساب عن كيفية استخدامه، وما أسفر عنه من نتائج، ولا يراعى فوراق جوهرية بين إرهاب حقيقى يسود منطقة شرق القناة (سيناء) ويتطلب مواجهة طويلة المدى من جانب، وبين أعمال شغب وعنف يثيرها الإخوان وذيولهم وأتباعهم فى باقى إرجاء البلاد، لا تندرج تحت بند الإرهاب، ولا تستدعى تفويضا، إنما تتطلب تطبيقا حازما لقانون تجاهلته سلطة اتسمت بقدر كبير من التردد والتقاعس، وربما التواطؤ فى أحيان ليست قليلة.
وفى السياق، فقد فات على الكثيرين أن مشهد 3 يوليو وتداعياته اللاحقة، لم يكن سوى إعادة إنتاج العلاقة المعقدة التى نسجها نظام مبارك مع التيارات الإسلامية، والتى استندت على ما أسميه «نظرية الانفراد والتقليم»، حيث نجح مبارك فى التخلص –بأشكال مختلفة- من كل التيارات والجماعات التى نشأت على هامش الجماعة الأم ومن عباءتها، ثم انفرد بها (الجماعة الأم) وبدأت بينهما لعبة مداهنة ومراوغة لم تخلو من نفاق، واستفاد كل منهما من الآخر بدرجات وطرق مختلفة، ثم جاءت سلطة 3 يوليو لتطارد كل القوى المتأسلمة، وتبقى لنا على حزب النور وحده، تستخدمه فى مراوغة الثورة، لكنها فعلت ذلك بذكاء محدود وحزم مفتقد، على عكس ما كان عليه نظام مبارك.
مصر الآن فى مفترق طرق حاد وصعب، وفى كل طريق ما يغرى باللجوء إليه، لكن فيه أيضا من المخاطر والمحاذير ما يبرر الابتعاد عنه، هناك –أولا- طريق مواجهة التحالف غير المعلن، وربما غير المباشر أيضا، بين لوبى الفساد العسكرى والتيارات الإسلامية، ممثلة فى حزب النور، ولئن كان المؤكد أن الثورة قادرة على إسقاط هذا التحالف، إلا أن المؤكد أيضا أن الثورة لم تزل عاجزة عن استلام السلطة، لنعود من جديد إلى ذات الدوامة التى لم نزل ندور فيها منذ 11 فبراير 2011. وهناك –ثانيا- طريق دعم القوات المسلحة فى مواجهة كل من لوبى الفساد فيها، وخطر التيارات الإسلامية فى آن معا، وهو طريق فيه من المخاوف أكثر مما يثيره من إغراءات، وفى المخاوف أن الخلاص من خطر الفاشية الدينية سوف يعزز مكانة ودور لوبى الفساد العسكرى، وبما يدفعنا بسرعة إلى السقوط فى براثن ديكتاتورية عسكرية فاشية، ثم هناك –ثالثا- مواجهة سلطة لوبى الفساد العسكرى، بما يشكله من خطر حقيقى على مسار الثورة واختياراتها، لكن هذا سوف يؤدى بالضرورة إلى إعادة تجديد دماء الفاشية الدينية وإنعاشها، وربما عودتها إلى السلطة.
المأزق حقيقى، والطرق شائكة، والاختيار مسئولية، والثورة لم تزل تبحث عن قائد!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سكة ألسلامة
هانى شاكر ( 2013 / 11 / 27 - 15:22 )

سكة ألسلامة
_______

ألسلطة وألثروة ، وألتى كانت حكراً لمبارك وعصابته من 1997 ( حادث ألأقصر ) وحتى يناير 2011 .. هى ألأن مركز لعبة ألشد و ألرخى بين ألعسكر و ألشيوخ

حسناً أذاَ أن ما كتبناه و شرحناه منذ مارس 2011 أنكشف و بان

ألمخرج يكمن فى فصل ألليبراليين ألجادين .. ألمتطلعين لدولة محكومة بحقوق ألأنسان ( و نسبتهم فى مصر 30 % ) ، عن معسكر ألأمام ألمشير ... ألحالمين بدولة ألخلافة و تزاوج ألعسكر و ألشيوخ ( نسبتهم فى مصر 70 % )



ألمنطقة ( أ ) للدولة ألأسلامية .. محكومة بألشريعة و أمير و جيش قوى
ألمنطقة ( ب ) للبراليين .. محكومة بألقانون ألسويسرى و تحت حماية ألناتو

ألأتفاق على مؤتمر توحيد للبلاد ... يُعقد مرة كل خمس سنوات تحت أشراف ألأمم ألمتحدة

...


2 - الثورة و الشعب تائهان
عماد عبد الملك بولس ( 2013 / 11 / 28 - 10:54 )
لا أري في الأمر ثورة، لا في خمسة و عشرين يناير و لا في ثلاثين يونيو ، الثورة فعل شعبي و ليس بحشد إعلامي و ذوي نفوذ كما هو الوضع في الحالتين

و الفعل الشعبي بالضرورة وراءه فكر، و طالما وراءه فكر فوراؤه قائد

لماذا لا نري الحقيقة الواضحة؟ الثورة لابد لها من قائد أو قادة، أما كل من ظهر علي الساحة بسمة القيادة أو بدعواها فهو بائع

المقصود مخطط و مدروس و الشعب بلا قائد = بلا عقل و يتم سوقه بلا وعي إلي أي مكان كما هو حادث الآن

المخطط واضح و هو تقسيم مصر و جيشها لتفتيت الكتلة السكانية المتحللة فعليا و المتحدة ظاهريا خشية أن تتحد بأي طريقة

نحن شعب غير متحد، حل مشاكله في العمل في الأرض الخيرة الواسعة التي أعطاها لنا الله و نجهلها و نتمسك بالموت سويا و سكونا و جهلا

نحن شعب فسد رأسه و صار بلا نخبة و لا صفوة و لا قائد و لا زلنا نتبع الغاووين و نتوه في كل المتاهات، و لا حل إلا أن نفيق و نجد الرأس و القائد و نتبع المفكر الذي لم يفسد بعد و القائد الذي لم يبع بعد

و أن نعمل بدلا من الحيرة و الكلام

احتراماتي


3 - كلام جميل لكن إيه العمل؟
محمد بن عبدالله ( 2013 / 11 / 28 - 13:39 )
كل كلمة في المقال صحيحة

المشكلة بكل بساطة ان اغلبية الشعب عبارة عن جاهل سهل قيادته بتغذية العنصرية والتعصب الديني والاطماع المالية

كلمة عن ان الاسلام في خطر
كلمة عن رفع الدعم وزيادة الاسعار
كلمة عن مؤامرة صهيونية ماسونية صليبية امريكية مسيحية غربية ضد جيش بلدنا المظفر

وتلاقي يا سيدي جحافل الهمج الهائج مولـّعين الدنيا يصرخون بهستريا


العيب في النسبة الضئيلة النادرة من المثقفين اللي كان مفترض فيهم انهم فاهمين لانهم أججوا الثورة والهياج وهم يعلمون تماما بحال الجماهير وبعدم وجود حل حقيقي إلا بعد اعادة تعليم وتأديب واصلاح الشعب (100سنة)

عملوا ثورة خائبة وخربوا نظام قديم فاسد وهم يعلمون (وحمير كانوا لو يكونوا يعلمون) ان اعادة البناء افضل مما كان مستحيلة

المثقفين الثورجية مثل الدب اللي قتل صاحبه

اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح