الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجرة العقول .. الخطر الذي يداهم العراق

محمود هادي الجواري

2013 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


من المؤلم جدا"عندما ترى ان أسرة بجوارك قد اغلقت أبوابها بين ليلة وضحاها ..وعدما يطول الغياب سوف تعلم ان الاسرة غادرت العراق والى احدى الدول البعيدة ..ويتكرر حدث هذا المشهد المأساوي في الزقاق الذي تعيش..المحلة ومن ثم المدينة ..هذا اذا علمت من سيغادر ولكن ما تضعه المفاجأة امام عينيك هو أكثر بكثير عما اعرفه ..ولست مغالي اذا قلت ان البحث عن الهجرة أخذ يولد الرغبة الشديدة في نفوس الكثيرين من ابناء العراق ولكن ما يستوقفهم في الانتظار هي الفرص السانحة ..فبرغم العناء الشديد والمجهد للنفس والمرهق للميزانية الاسرية ولكن بدأت الكثير من الاسر في توفير جزء من المال من اجل تحقيق هذا المسعى والنفاذ بجلودهم ليصلوا صوب ما خططوا اليه ..يشدني مشاهدة هذه المواقف لكي اضع بحث المتواضع لدراسة اسباب هذا الطلاق الذي لربما يكون خلعيا في بعض الاحيان او رجعيا في احيان اخرى وهنا افترض تجميد موضوعة (الوطن والموطنة )لكونهما المعيار الثقيل في هذه الدراسة . واذهب الى الجانب الاخر الا وهو النفسي والمعنوى ..ولكن سواء كانت العوامل النفسية او المواطنة فكلاهما لهما الاثر البالغ في بيان وتحديد نوع الطلاق المشار اليه .. تعيدني هذه الدراسة الى ايام منتصف السبعينات لكي اعكس شيئا من تجربتي الخاصة والتي انتهى بي المطاف الى مغادرة العراق وفتذاك لكنني لم اكن قد خططت من قبل الى تلك الهجرة كما يخطط مهاجروا اليوم ونحن نعيش زمن الالفية الثالثة وزمن العولمة والانفتاح.. آنذاك لم تكن الهجرة في حسابات الكثيرين من العراقيين وانما كانت تقتصر على ذوي الاسباب القاهرة واغلبها السياسية منها فهي لم تكن هجرة في التعريف الوافي وانما كانت تعني الهروب من الموت بحثا عن الحياة .. جزء من هذا كان ينطبق على موضوع هجرتي ولكن ما اضفى على تمسكي بموضوعة الهرب هو البحث عن حياة آمنة لان التهديد الموجه لي لم يصل الى درجة مطاردتي ولكنني كنت استدعى بين الفينة والاخرى الى الحهات الامنية وبسبب كتاباتي الانشائية السياسية التي كنت القيها على مسامع طلاب صفي مما ادى الى الوشاية بي ومن احد زملائي في الصف ألدراسي هذا السلوك للطلاب كان وليد الاندفاع للانخراط في حزب البعث وكان الشعار المعلن للحزب آانذاك اذا لم تكن بعثيا فانك تقف ضد البعث .. البعث كان كريها لي ولم يمكن لي قبوله ولو مجاملة رغم اني لم اكن متحزبا او ادين بالولاء لحزب آخر .. من هنا كانت ولادة التفكير بالعيش في وسط لاأستسيغه .وكما كانت الفرص للبعثين هي الاوفر لغير البعثيين ..فكيف اذن مواصلة المسير والسباحة في اتجاه معاكس ولا وجود للحياد.. كان اول اغتراب لي وانا على ارض الوطن ..كان الجو الدراسي يشكل لي عبئا مقيدا لمشاعري .ولذا كان البحث عن سبيل آخر يخفف عني هذا العبء الثقيل ..كان العمل والدراسة معا هما الوسيلة الوحيدة التي تكبح مشاعري وتجعلني ان أرسم صورة مغايرة للمستقبل الذي كنت قد حددت ملامحه فيما سبق ولكن العمل اضفى على حياتي قوة معنوية لشعوري وانا لم ابلغ بعد سن السابعة عشر من عمري ..فشعور بالاستقلال المادي والإرهاق في العمل وسهر الليل في مراجعة الدرس جعلتني ان اعيش عالم آخر وكأنني غريب في وطني ..ومما جعلني معتدا بشخصيتي هو عملي في شركة اجنبية وكانت شركة موستوغرادنيا اليوغسلافية والتي اضفت شيئا جديدا على قدراتي العقلية هو انني تمكنت من اتقان اللغة اليوغسلافية وخلا ل عامين من العمل في تلك الشركة بالرغم من انني كنت اعمل في المساء ومن الساعة الرابعة عصرا وحتى منتصف الليل ..وعلى ان اكون في صفي في الساعة الثامنة من صباح كل يوم الى الثانية عشر ظهرا .. كان اليوم الذي انهيت فيه دراستي هي المحددة لاتجاه نقطة انطلاقي نحو تحقيق الهدف ..الاهل كانت تضغط لكي اكون ضابطا في الجيش لكوني كنت رياضيا واحب الرياضة ولي بطولات مدرسية فهي تشفع لي مع استعداد اهلي لدفعي عن طريق وساطة ودون النظر الى موضوع انتمائي من عدمه ..وعلى سبيل مجاملة امي ليس الا ..كنت اعد الملف الخاص بالتقديم الى الكلية العسكرية لكنني في ذات الوقت كنت اعد ملفا آخر للسفر الى يوغسلافيا وخاصة انني حصلت على قبولي في جامعة بلغراد والتي اهدتها لي الشركة التي اعمل فيها .. ذات يوم ذهبت برفقة صديقين لي وهم زملاء في الصف الى الكلية العسكرية لتقديم ملفاتنا .. كان هناك طابور طويل من المتقدمين واخذنا لنا مكانا في ذلك الطابور .. دقائق معدودة من وقوفنا حضر الى الواجهة عسكري برتبة نائب عريف واخذ يضرب بعصاه كلمن يقف في المقدمة موجها انواع الاساءة للطلاب المتقدمين .. كنت اقف في هذه اللحظة تماما في منتصف الطابور .. عدت الى الخلف منسحبا شيئا فشيئا حتى وصلت الساحة ..مزقت الملف اربا اربا ورميته على الارض وركبت اقرب سيارة اجرة عائدا ادراجي الى البيت حيث بكيت وبشدة .. وكنت بين امرين مغادرة امي والوطن الى حيث الشعور بإنسانيتي ورفضي لتلقي الهمجية التي ستجتاح العراق بعد حين ..علمت ان هناك سلوكا نفسيا ممنهجا يراد منه تحطيم وطنية الفرد العراقي على صخرة العبودية المطلقة ..شعرت وبقوة متجاوزا كل عواطفي انني لم اخلق لهذا اليوم لاكون مطية لطاغية ..شددت الرحال الى حيث الخيار الاخر الا وهو اكمال دراستي في يوغسلافيا وعلى نفقتي الخاصة ..كل شيئ جاهز ولكن تحديد موعد الرحيل ..كل ذلك حدث وفي زمن كان الافتصاد العراقي في تنامي مظطرد ولكن كيف ستكون حالة الانسان مع ما سيمتلكه من المال .. بلا شك لم تكن الشكوى ومن اي انسان ولم يكن للتذمر مكانا في سايكلوجية الانسان العراقي الباحث عن المال وحب التملك والترفع .. يقابله تنامي حزب البعث وتنامي الاقتصاد كل تلك سجلت اثرا على ظهور سلوكيات هجينة مع غياب ملحوظ للمروءة والاباء مع تصاعد سريع في منسوب الانوية في روح الانسان العراقي .. وكما كان لاختلال المفاهيم المدنية كناتج لنزوح الفلاحين الى المدن والبحث وسائل الاندماج الغير خاضعة الى برامج كلها ادت الى توليد الشعور بالاغتراب ولكن كان الوضع الاقتصادي ومسك السلطة على مجريات الامور بقبضة من حديد شكلت حاجزا نفسيا تتستر وراءه معاناة المثقفين المتمدنين والذين فقدوا الطقوس التي الفوها واعتادوا عليها ..ولكن الى اين والى متى ستطول كذبة الاعتداد بالنفس والهروب من الواقع .. كان الاقتصاد هو نقطة الانعطافة في تغيير سلوك العراقيين ومتى ما تدنت الاحوال الاقتصادية او تداعت شاط الانسان منفجرا .. ولكن اندلاع االحرب كانت الحلقة الخانقة لمشاعر الانسان وضغط ثورة غضبه : فلم يبق من الخيارات الكثيرة امام الانسان اما الحياة او الموت حيث كانت الحرب تأكل الاخضر واليابس .. الشعب يشهد تحولا سايكلوجيا جديدا فقد الف التعايش مع الموت ..فكل يوم يرى مئات من القتلى واصبح في كل بيت عويل ..ساد الحزن والفضب فلم تعد اكوام الدراهم التي جمعوها نافعى واغلبها ذهبت من اجل تغييب ابناءهم عن مشهد الموت المعهود..كان الافتصاد لا زال ينسخ عقول الكثير من العراقيين ولكن سبيل الهرب من الجحيم مقفلة تماما ولا يبدو في الافق انفراج للازمات التي اخذت تلف العراقيين ومن كل صوب .. وضعت الحرب اوزارهاالتي دامت ثمان من السنين.. الناتج الاجمالي مليون من الشباب بين جريح وقتيل وبضعة مئات الالوف من الاسرى ...خرج العراق منهكا من تلك الحرب ليزج الجيش في حرب جديدة.. كانت الحرب مع الجارة ايران حرب متكافئة ولكن الحرب مع قوات التحالف لم تكن حرب تقليدية .. الحرب مع قوات التحالف اجهزت على العراق كله والقت بتداعياتها على مرافق الحياة واكثرها اثرا على نفسية الانسان العراقي الذي لم يعد بمستطاعه التحمل ...فلقد اججت في روح وعقل الانسان العراقي عقدة تضاف الى ما حملت نفسه من البراثن الا وهي عقدة الخوف من المحهول مما كان مدعاتا الى الهياج والخروج على حكم الطاغية . تحول الخوف من المجهول الى مواجهة مع المصير فتفجرت نقمة الجماهير واعلنوا الحرب على الطاغية ولكن كان وهم الخلاص هو الذي سيفرض واقعا مرا ..وان الطاغية استطاع من امتصاص الغضب الشعبي واعد محرقة ليشعل في نفوس الشعب نار" لم تنطفئ ..الانتفاضة التي اشتعل فتيلها فهي فتحت ابواب البلاد على مصارعيها مما ادى الى نزوح جماعي ويعد هذا النزوح القسري صفحة تأريخ سجلت اول هجرة في تأريخ العراق والتي لم يشهد العراق لها مثيلا ..اكثر من نصف مليون انسان وخلال اشهر قلائل غادروا الى المنافي الطوعيىة البعيدة والقريبة ..كان الحصار الاقتصادي بعد هزيمة الجيش العراقي من الكويت قد فتح ابواب اخرى جديدة فمستوى الفقر وصعوبة في تيل العيش دفع بالشعب الى النزوح وبانسيابية حتى بلغ عدد المهاجرين وقبيل سقوط الطاغية قد بلغ مايقرب من المليون .. من بين العدد التقريبي وليس الاحصائي الدقيق ان من بين اولئك المهاجرين ولاسباب مختلفة وتقف على راسها الاسباب الاقتصادية كانت من بين تلك الاعداد عشرات الالوف من ذوي الاختصاصات المختلفة ومن بينهم ايضا حملة الشهادات العليا في الطب والهندسة والعلوم المختلفة الاخرى .. كان الغرب متدافعا على استقطاب تلك الطاقات العفلية وكان يبعث برسائل الاغراء لتقديم ارقى سبل العيش للعلماء الوافدين من العراق ..وفي لحظات الانتهاء من خساباته شرعت قوات التحالق في اقاط الطاغية مع علمه المسبق ان الموالين لصدام من الخبراء البعثيين ستضيق المساحات عليهم ولم يجدوا سبيلا للبقاء على قيد الحياة الا من خلال الهروب من العراق واللجوء الى الدول العربية التي تحالفت مع المحتل .. اذن امن الغرب من خلو العراق تماما من طاقاته العلمية وبعد تهشيم كل قواعد البنى التحتية الصناعية والعلمية ليكون مفرغا تماما ليملئ بالعناصر الموالية ولو كانت لا تنتمي الى حضيرة العلم او المعرفية الواسعة .. العراق الجديد والقائمين على الشأن السياسي وجدوا ضالتهم في ملئ الفراغ الذي احدثه المحتل لكي يقف العراق عند نقطة الاستعانة بالمحتل في صغائر الامور او كبيراتها .. اليوم يشهد العراق وبعد عشرة سنوات من سقوط الطاغية اننا لم نتمكن من احياء اية نهضة وعلى كافة الاصعدة .. في غياب علمائنا وقفز جهالنا على مشهد الاحداث اربك كل مناحي الحياة ..وتطلنا الاحصائيات ان عدد العلماء الذين يعملون في الحقول الغربية والعربية العلمية يبلع المائة الف عالم بين طبيب ومهندس ورائد فضاء والخ من الحقول العلمية الاخرى فهل من امل في عودة تلك الطاقات .. اقول ان الديمقراطية التي تمزها الاحزاب وظهور مستجد غير مالوف والذي نعاني منه هوالمحاصصة الحزبية والعرقية والاثتية لن تدع ممرا لعودة تلك الطاقات ولو حملت معها اعلى درجات الوطنية .. كان لبعضهم تجربة العودة الى حياض الوطن ولكن اعادته يد الغدر التي لا تريد للعراق النهوض ومواكبة التقدم والتطور .. عاد المهاجرون الى اوكارهم وعيونهم غرقى بالدموع لانهم وجدوا ان ليس لهم مكان في وطن اللا مكان او زمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عاهات تطرد العقول
Raad Mosses ( 2013 / 11 / 27 - 18:54 )
شكراً عزيزي الكاتب
الخطر الذي داهمو يداهم العراق منذ سنين ولسنين قادمة هو عندما العاهات تستلم الحكم.

اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس