الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدافع الخفي خلف ادراج الدارجة بالنظام التعليمي

حمودة إسماعيلي

2013 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


أغلب التعليقات سواء مواضيع أو مقالات أو حوارات أو حتى آراء، اهتمت بما سيؤول إليه الوضع عند ادراج الدارجة بالتعليم. ومن المهم استباق الاحداث لإدراك ما سيؤول إليه وضع التعليم المغربي عند احداث تغيرات ـ خاصة الجذرية منها ـ لكن يبقى الأهم هو الدافع من وراء هذا التغيير.

بالنسبة لاعتماد الدارجة كلغة بالتعليم فهذا من أعراض الخرف ! لأنه عن أي دارجة نتحدث ؟ أدارجة الشمال ؟ أو الجنوب ؟ أو الريف ؟ أو منطقة الدار البيضاء ؟ أو لهجة الصحراويين القريبة من اللهجات الخليجية ؟ . ليست هناك دارجة محددة ودقيقة يمكن اعتمادها مثلما ليس هناك لغة أمازيغية محددة .. "فأنت تتعلم جملتين بالأمازيغية لتتباهى على بائع الحلويات حتى يقوم بتخفيض الثمن، وإذا به يصدمك بأنه لا يفهم لغتك، فيفسر لك الأمر بأن الأمازيغية تختلف حسب اختلاف المناطق !".

تعتبر اللهجة بنت اللغة، فهذه الأخيرة مجموعة من القواعد التي يتم الاتفاق عليها كوسيلة يتم عبرها تقديم وتدوين الثقافة المحلية والتراث كذاكرة وامتلاك و"ضمان استمرار". تظهر اللهجة كتطور بظهور أمور أخرى لايوجد لها تحديد أو ذكر في اللغة، وهذا عائد لتغير الواقع المستمر وانبثاق أشياء جديدة باستمرار. وكما يقول هايدغر فإن اللغة هي تعرية الموجودات، كشف الموجودات بتحديد مسميات لها، فبتسميتها (الموجودات/الأشياء) تحدد وجودها (مكانها/وظيفتها) بالوجود، فنحن نسمي الشيء لتحديده وبهذا فاللغة أداة تعرية. لكن عندما ترفض اللغة اضافة مسميات جديدة، هنا تبدأ اللهجة بالظهور كضرورة "للكشف" يفرضها وجود الموجودات. بالنسبة للغة العربية الفصيحة فإنها لغة بدوية تقننت واكتملت واكتسبت قداسة من القرآن، فالكتب المقدسة تمنح للغات التي تنطق بها هالة خاصة، تجعلها لغة ثقافية توحد وعي الأفراد، عبرها يتم تقديم وتبادل المعطيات الثقافية والسياسية. وبهذا فإن اللغة إذا لم تساير الواقع المتغير بإضافة المسميات الجديدة والمستعارة من لغات/ثقافات أخرى، تظهر اللهجة. وبما أن اللغة العربية البدوية رفضت التطور (كلغة مقدسة) فإن اللهجات انتشرت انتشار النار في الهشيم، كضرورة متطلبة لمسايرة التغير، فالعربية ستنتشر من المناطق الآسيوية حتى المناطق المغاربية (نشر الدين)، محتكة بلغات كل تلك المناطق، وبه ستتطور اللهجات كحل للتمكن من التواصل ولتعرية كل ما يطرء على الوجود من تغيير وتحديده بتعبير هايدغر.

تنفصل اللغة المقدسة عن اللهجة المحلية التي تعتبر وسيلة التواصل بين الأفراد داخل واقع متغير ومتجدد، لدى فإن اللغة المقدسة تنحصر بين نخب معينة أو داخل مؤسسات معينة كأداة لإنتاج المفاهيم الثقافية وتشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي، وتصبح اللهجة أداة العامة في تواصلهم اليومي وتبادل الخطاب(الحكي) الشعبي طالما أن اللغة المقدسة تعجز عن ذلك. ورغم أن بعض اللغات التي تسعى لدمج الكلمات الجديدة حتى تحافظ على وجودها بين العامة، كما تفعل الفرنسية بإضافة كلمات معينة للقاموس اللغوي كل سنة (كتجديد له)، إلا أن هذا لم يمنع من القضاء على اللهجات، نظرا لسرعتها بمسايرة الواقع وتوفير متطلبات الأفراد اللغوية. فضع فقط ثلاث أشخاص لمدة معينة بمكان ما، ستجدهم قد بدأوا بتطوير لهجة بضم بعض المفردات التي لم يكونوا يمتلكونها سابقا أو لم تتضمنها لهجتهم، بل لتجد عندما تغيب مدة عن أصدقائك أنهم بدأو باستعمال مفرد أو تعبير لم يسبق أن سمعته بينهم.

لذلك فإن اللهجة ستعجز عن أخد مكان اللغة المقدسة، نظرا لتطور هذه الأخيرة البطيء وسعة انتشارها ثقافيا. وبذلك تعتبر ملجأ الأدباء والشعراء والعلماء لأنها تُمكّن من إيصال الأفكار لأكبر شريحة ممكنة (من نفس الثقافة). فلنتخيل رواية بالدارجة ! كم عدد الذين سيسيتفيدون منها مقابل كتابتها بالعربية (وربح الوقت والجهد في الترجمة والشروحات وماسواه). كل اللغات تنجب بنات (لهجات) لكن عندما يتعلق الأمر بنشر الثقافة، فإن اللجوء يكون للأم. حتى أن نعوم تشومسكي يذهب حد القول أن هناك أم لكل اللغات، هناك قواعد خاصة (جذور) تجتمع حولها (أو تُبنى عليها) كل لغات العالم. كما لو أن هذه الجذور (القواعد) يتم توارثها عبر الأجيال جينيا، فطرية يعني وليس فقط مكتسب اجتماعي.

إن الدافع من اعتماد اللهجة المغربية بالتعليم، هو محاولة عجيبة لجمع الشمل المغربي كما تجمع الأم بناتها، فربما عجزت العربية الفصحى عن استقطاب الهويات المغربية، فمنذ سنوات والأمازيغ يطالبون بأمازيغية كلغة يتم تدريسها، كلغة لم يمنح لها متسعا للتعبير وفرض ذاتها كالعربية، لدى فإن الدارجة تعتبر حلا لسد الثغرة التي عجزت عن سدها العربية. فالأمازيغية لا ترى العربية كلغة مقدسة تعنى بتشكيل ثقافتها بل كلغة دخيلة، مثلما يرى "الأمازيغ" العرب بأنهم دخلاء على بلدهم الأمازيغي ! . ومنه فإن ادراج الدارجة يعتبر مسلكا لتجاوز هذا الخلاف، طالما أنها مغربية المولد جيناتها أمازيغية وعربية وإسبانية وفرنسية، أي قادرة على لم شمل المغاربة بمختلف هوياتهم ومناطقهم وطبقاتهم الاجتماعية. لكن الثقافة والعلم لا تهمهما الاختلافات، مايهمهما هو الانتشار، لغة تمكنهما من الانتشار وتعميم الاستفادة. والدارجة حاليا عاجزة عن القيام بدور العربية الفصحى.

وعن عدم اعتماد الدروس الدينية، فقد سبق وأشار المفكر اللبناني علي حرب قبل سنوات في كتابه الإنسان الأدنى إلى أن الإرهاب ينبع من الداخل، من كراسات التعليم الديني أي أن المدارس تساهم بإنتاج الإرهاب، ولم يطالب بمنعها بل بتجديد الخطاب الديني وتمحيص التراث، فمن الغباء منع الدورس، بل العكس يجب تكثيفها وذلك بضم دروس أديان أخرى وحتى تدريس الإلحاد (كما انتهجت أيرلاندا تدريس كتاب ريشارد دوكنز للأطفال)، فالعقل الذي يتعاطى مع مختلف الآراء والأفكار عقل حر ومنتج. والعقل الضيق يُضيِّق الخناق عليه، فيتعطّل فكريا.

كلما كانت اللغة قادرة على الإنتاج كلما كانت لها قدرة على الانتشار وفرض الذات، فكما أن الإنجليزية انتشرت في بقاع العالم وفرضت ذاتها حتى بالمقررات الدراسية كلغة تعليمية، كانت العربية كذلك (نوعا ما) عندما كان الأوروبيون يسعون لتعلمها بالأندلس نظرا لتفوقها وانتاجها الثقافي، وكانوا يفتخرون بنطق بعض كلماتها مثلما يفتخر البعض بالتشدق بمفردات إنجليزية أو فرنسية حاليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث وسط الضباب.. إليكم ما نعرفه حتى الآن عن تحطم مروح


.. استنفار في إيران بحثا عن رئيسي.. حياة الرئيس ووزير الخارجية




.. جهود أميركية لاتمام تطبيع السعودية وإسرائيل في إطار اتفاق اس


.. التلفزيون الإيراني: سقوط طائرة الرئيس الإيراني ناجم عن سوء ا




.. الباحث في مركز الإمارات للسياسات محمد زغول: إيران تواجه أزمة