الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5 +1 ) إنجاز استراتيجي لإيران

عليان عليان

2013 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5 +1 ) إنجاز استراتيجي لإيران
بقلم : عليان عليان
بعد أكثر من عقد على ملف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني ، وبعد مسلسل العقوبات والحصار من جانب الدول الغربية، وتصاعد هذا المسلسل بشكل أحادي خارج إطار مجلس الأمن ابتداءً من العام 2009 ، توصل المفاوضون الإيرانيون إلى اتفاق مع مجموعة 5+1 على مرحلتين .
المرحلة الأولى لمدة ستة شهور وتشمل تنازلات إيرانية تتعلق بدرجة التخصيب ، وبعدم بناء أجهز طرد مركزية جديدة ، والسماح بالمراقبة الدقيقة والمستمرة لجميع المفاعلات النووية الإيرانية من قبل مراقبي وكالة الطاقة النووية ، وأن تنحصر درجة التخصيب لليورانيوم بحدود (5) في المائة فقط ، ووقف تطوير مفاعل أراك النووي.
وحصلت إيران بالمقابل ، على تنازلات بشأن رفع قسم كبير من العقوبات الاقتصادية التي تتعلق بالأغذية والدواء وبتجارة البتروكيماويات وصناعة السيارات ، وبالتحويلات المصرفية وباسترداد المليارات المجمدة من عوائد النفط في البنوك الغربية ... ألخ
والمرحلة الثانية ، تتصل بصياغة اتفاق شامل حول البرنامج النووي الايراني ، بعد اطمئنان الطرفين بأن الضمانات المقدمة من كل طرف تم تنفيذها بدقة.
وفي مجال التقييم الموضوعي لمعادلة الربح والخسارة ، يمكن القول أن الغرب حقق ما يلي:
1-قبول إيران بخفض نسبة تخصيب اليورانيوم من (20) في في المائة إلى (5) في المائة حتى لا تتمكن ايران - حسب زعمهم – من الوصول إلى نسبة تخصيب (80 ) في المائة وهي النسبة الملائمة لإنتاج قنبلة نووية
2-حصول الغرب خلال المرحلة الأولى (6 شهور ) على ضمانات بعدم إمكانية تطوير البرنامج النووي من الاستخدام المدني للاستخدام النووي العسكري
3- قبول إيران بالمراقبة الدائمة لكل أنشطتها النووية ، خلال المرحلة الأولى للتأكد من سلمية وشفافية البرنامج النووي الإيراني ، دون رفع العقوبات بشكل كامل عن إيران.
4- أن إيران وافقت على التخلص من كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة وعلى عدم إنتاج أجهزة طرد مركزية جديدة .
5- أن إيران وافقت على عدم تطوير العمل في مفاعل ( أراك ) ، الذي يعمل بالماء الثقيل الذي يمكن إيران من إنتاج البلوتونيوم اللازم لإنتاج القنبلة النووية – إذا ما أرادت - دون اللجوء لتخصيب اليورانيوم بنسبة معينة .
6- أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، حقق في ولايته الرئاسية الثانية ما يعتبره إنجازاً يقاس بإنجازه في اتخاذ القرار بسحب القوات الأمريكية من العراق ، خاصةً بعد فشله الذريع في حلحلة أزمات الشرق الأوسط .
لكنه بالمقابل حققت ايران ما يلي:
اولاً : أن الغرب أقر ولأول مرة بحق إيران ، في تخصيب اليورانيوم بنسبة (5) في المائة على أراضيها وداخل مفاعلاتها المتعددة ، حيث لحس الغرب شرطه القديم بعدم السماح لإيران بهذا الحق ، وفي الذاكرة شروط دول الغرب ، بنقل اليورانيوم إلى الخارج لتخصيبه في مفاعلات نووية فرنسية وغيرها.
ولا يغير من واقع هذه الحقيقة ، تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري " بأن الاتفاق لا ينص على هذا الحق " إذ أن النص الوارد في الاتفاق يقول : " تتعهد إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز أل (5) في المائة لمدة ستة شهور " ما يعني موافقة مجموعة ال (5+6) على حق إيران في نسبة تخصيب أل (5) في المائة في مفاعلاتها .
صحيح أن إيران قبلت بخفض نسبة التخصيب من (20) في المائة إلى (5) في المائة ما يعتبره الغرب إنجازاً ، لكن هذا الإنجاز لا قيمة له ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن إيران وفق تصريحات قادتها المتتالية منذ أكثر من عشر سنوات ، بأن برناًمجها خاص بالأغراض السلمية المدنية.
وحسب العديد من المراقبين المقربين من دائرة صنع القرار في إيران ، فإن لجوء إيران إلى التخصيب بنسبة (20) في المائة ، كان في سياق تكتيكي ، حتى تبدو وكأنها قدمت الكثير الكثير عندما تتنازل عن هذه النسبة إلى (5) في المائة ، وهي النسبة التي تريدها للأغراض السلمية. .
ثانياً : أن المفاوض الإيراني ، أفشل الشرط الغربي القائل بنقل كمية اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة (20) في المائة (186 ) كيلو غرام ، إلى الخارج وتحييده ، وفرض على المفاوضين الغربيين القبول بما طرحه " بأن يتم أكسدة جزء منه بنسبة (20) في المائة ليصبح مخصباً بنسبة (5) في المائة ، وأن يتم تحويل جزء آخر إلى وقود نووي يستخدم في بقية المفاعلات النووية القائمة .
ثالثاً : صحيح أن الاتفاق ، نص على عدم إنتاج أجهزة طرد مركزية جديدة ، لكنه لم ينص على عدم تدمير أي من الموجود لديها ، علماً أن إيران كانت تمتلك فقط 300 جهاز طرد مركزي ، وبحوزتها الآن (16) ألف جهاز طرد مركزي ، وهي بالتالي في سياق الأغراض السلمية لبرنامجها ، يكون لديها فائض من أجهزة الطرد المركزية .
رابعاً : صحيح أن الاتفاق نص على تجميد أنشطة مفاعل ( أراك ) ، لكنه ضمن عمل بقية المفاعلات " نطز ، وفوردو في حدود نسبة التخصيب المتفق عليها ( 5 ) في المائة .
خامساً: ضمنت إيران بقاء جميع مفاعلاتها النووية ، وأفشلت مطالب الغرب بتفكيك أي من هذه المنشآت بما فيها مفاعل " أراك "، حيث لم ينص الاتفاق على هدم أي من هذه المنشآت .
وبعيداً عن القراءة التقنية للاتفاق النووي ، نتوقف أمام الأبعاد السياسية والإستراتيجية لهذا الاتفاق ، وهي التي يجب الوقوف أمامها ، وبهذا الصدد نشير إلى ما يلي :
أولاً : أن الاتفاق - كونه سلم بحق إيران بتخصيب اليورانيوم على أرضها - شكل ضربة في الصميم لاستراتيجية الغرب وخاصةً الولايات المتحدة ، لأنها لا تسمح لأي دولة بإنشاء برنامج نووي دون موافقتها ، أو بدون أخضر منها ، وفي الذاكرة عندما تجرأ الرئيس الباكستاني الأسبق ذو الفقار علي بوتو ، على الشروع في برنامج نووي خاص بالباكستان ، توعده وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسينجر بالويل والثبور ، فكان أن رتبت وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي ، آي ، إيه ) انقلاباَ ضده على يد الجنرال ضياء الحق الذي نفذ فيه حكم الإعدام .
ثانياً: أن الاتفاق سلم بأن إيران دولة نووية ، أو ما بات يطلق عليها " دولة العتبة النووية " بما يمكن إيران في ظروف توازنات دولية جديدة ، أن تطور برنامجها النووي على النحو الذي تريد .
ثالثاً : أن الاتفاق شكل سابقة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة في مطلع تسعينات القرن الماضي ، في التأكيد على سيادة الدولة واستقلاليتها ، ما يشجع دولاً أخرى في العالم الثالث للتمرد على الفيتو الأمريكي والأطلسي ، في ضوء الظروف الجديدة الناشئة ممثلةً بانتهاء القطبية الأمريكية الواحدة ، وظهور " منظومة البريكس " المكونة من (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ) كقطب مضاد.
رابعاً: لقد كرس هذا الاتفاق - على تعبير بعض المراقبين – انقلاباً في الواقع " الجيواستراتيجي " من آسيا الوسطى حتى ضفاف المتوسط ، مروراً بدول الخليج ، إذ أصبح من الصعب على أي قوة في المنطقة تجاهل إيران النووية ، أو الاستناد إلى عدائها مع الولايات المتحدة ، لمواجهتها على مختلف الجبهات الاقليمية من أفغانستان ، إلى العراق و سوريا .
خامساً : كما أن رفع العقوبات بشكل جزئي عن إيران ، يحسن إلى حد كبير من الوضع الاقتصادي في إيران وتصليب موقفها ، حيث اشتمل الاتفاق على تعهد مجموعة أل(5+1) بتجميد خططها الهادفة إلى خفض مبيعات إيران الحالية من النفط الخام ، وإعادة مبالغ محددة من صادرات النفط الإيراني للخارج / وتجميد العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على كل من:
( خدمات النقل والتأمين المرتبطة بمبيعات النفط الخام + صادرات إيران البتروكيماوية + قطاع مبيعات الذهب والمعادن والخدمات المتعلقة به + قطاع تصنيع السيارات والخدمات المتعلقة به ) .
يضاف إلى ذلك تعهد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالترخيص لتزويد وتركيب القطع اللازمة في إيران لضمان سلامة الطيران المدني الإيراني ، والترخيص لعمليات التصليح والتفتيش المتعلقة بضمان سلامة الطيران في إيران ، وكذلك عدم فرض أي عقوبات جديدة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان ، فيما يتعلق ببرنامجها النوي لمدة ستة أشهر.
يضاف إلى ذلك : السماح بإقامة قناة مالية ، تسمح لإيران باستخدام جزء من عوائدها النفطية لمجمدة في الخارج ، بهدف تفعيل ما سمته مجموعة أل (5 +1) ب " التجارة الإنسانية" لتلبية حاجات الشعب الإيراني وهي تشمل "التحويلات المالية المرتبطة بمشتريات إيران من الغذاء والسلع الوراعية والأدوية والأجهزة الطبية"/ تسهيل التحويلات للمصاريف الطبية للشعب الإيراني وللطلبة الإيرانيين في الخارج عبر مصارف إيرانية وأجنبية / رفع الاتحاد الأوروبي لسقف التحويلات المالية للأعمال التجارية التي لا يشملها قانون العقوبات ، إلى نسبة متفق عليها
وتقتضي الموضوعية هنا تسجيل حقيقة مؤكدة وهي " أن إيران ما كان بإمكانها أن تحقق ما حققته ، بدون الدورين الروسي والصيني ، إذ أنه رغم وجود روسيا والصين في معادلة (5+1) ، إلا أنهما لعبتا دور الميسر والمسهل لإنجاز الاتفاق ، عبر تبريد الرؤوس الحامية لكل من واشنطن ولندن وباريس ، بحكم ( أولاً ) أن لروسيا والصين مصلحة في إنجاز هذا الاتفاق على النحو الذي تم ، على الصعيد الجيو استرتيجي وعلى الصعيد الاقتصادي وبخاصةً في مجال الاستثمارات ، ومصلحة خاصة جداً لروسيا في المطالبة الجدية للولايات المتحدة بإلغاء مشروع الدفاع الصاروخي على حدودها في كل من بولندا وتشيكيا ، طالما أن فزاعة خطر الصواريخ النووية الإيرانية على دول حلف الأطلسي قد انتفت.
ومما شجع إيران على إدارة المفاوضات بكفاءة وبمرونة ذكية ، هو ما يلي :
أولاً : اطمئنانها بأنه لم يعد بوسع الولايات المتحدة وحلفائها ، استصدار أي قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات جديدة ضدها ، في ضوء الدور الجديد والهائل لكل من روسيا والصين في مجلس الأمن ، اللتين حالتا حتى اللحظة ، دون استصدار أي قرار عقابي بحق النظام في سوريا منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من عامين .
ثانياً : اطمئنانها بأنه لم يعد بمقدور الولايات المتحدة ، شن عدوان عسكري على إيران في ضوء أزمتها المالية والاقتصادية ، وفي ضوء تجربتها القاسية في كل من العراق وأفغانستان / وفي ضوء فشلها في تنفيذ مشروعها التآمري على سوريا وتراجعها عن توجيه ضربة عسكرية ضدها.
ثالثاً : اطمئنانها بأن زمام المبادرة في حل الأزمات الدولية ، وبخاصةً في الشرق الأوسط أصبح في يد موسكو بشكل رئيسي ، وبأن دبلوماسية الخارجية الأمريكية بات في حالة متردية وتنشد الحلول الوسط التي تقدمها الدبلوماسية الروسية .
ومما سهل مهمة المفاوض الإيراني أيضاً ، في تحقيق ما تقدم من نتائج لصالح إيران عاملا رئيسيان هما :
أولاً: أن المفاوض الإيراني ذهب للمفاوضات ، مسلحاً بخطة واضح فيها الهدف الاستراتيجي والخطوط الحمر التي لا يجوز خرقها وهي " حق إيران النووي في التخصيب على ارضها " وواضح فيها أيضاً الاستعداد للمناورة والتنازل في تفاصيل وجزئيات مثل درجة التخصيب وغيرها .
وهذا ما أشار إليه مرشد الثورة الإسلامية خامنئي بقوله : " " أن البعض يتصور أن المرونة البطولية ، تعني التخلي عن المواقف والرجوع عن المبادئ ، لكن هؤلاء أساءوا الفهم لأن المرونة البطولية تعني مناورات مناسبة ، والاستفادة من أساليب مختلفة من أجل تحقيق الأهداف المرسومة ".
ثانياً: أن وفد الطرف الآخر (5+1) لم يكن موحداً في مواقفه ، فمن جهة فإن روسيا والصين ليستا في موقع الخصومة عملياً مع إيران ، ومن جهة أخرى فإن بقية الدول لم تكن موحدة حيال الموقف مما يطرحه الجانب الإيراني ، لدرجة أن مفوضة الخارجية الأوروبية كاترين آشتون التي كانت مخولة بالتفاوض مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ، كانت مضطرة للذهاب لغرفة كل وفد من وفود أمريكا وبريطانيا وفرنسا ، للتوفيق فيما بينها حيال بنود التفاوض.
ناهيك أن فرنسا لعبت دور المشاكس بدون مبرر حقيقي ، سوى للظهور بمظهر المفاوض الصلب وغير التابع لواشنطن ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية تريد الانتقام من الإدارة الأمريكية ، التي أهملتها في موضوع الملف السوري ، عندما ألغت الضربة العسكرية لسوريا في إطار مبادرة مشتركة مع روسيا ، رغم أنها كانت جاهزة للمشاركة في الضربة دون موافقة البرلمان الفرنسي ، ومن جهة ثالثة حتى تكسب ود ( إسرائيل ) وأنها حريصة على أمنها ، ومن جهة رابعة حتى تكسب ود السعودية لغايات متصلة بصفقات تسليح لها بأكثر من ملياري دولار ، وبالفوز في تنفيذ مشاريع بنية تحتية فيها قيمتها (30 ) مليار دولار.
خلاصةً : فإن ما تقدم من قراءة للاتفاق المبرم ، بين مجموعة أل (5+1) وبين إيران يقودنا إلى استخلاص محدد هو : " أنه رغم معادلة " رابح رابح " لكل من الطرفين ، إلا أن كفة الرجحان تميل في الميزان لصالح إيران ، وفق المزايا التي أشرت إليها سابقاً وعلى رأسها تحقيق إيران الهدف الإستراتيجي والمركزي ، ممثلاً بالقبول الدولي بإيران دولة " عتبة نووية " من حقها أن يكون لها برنامجها النووي الخاص ، بتخصيب اليورانيوم على أرضها للأغراض السلمية والمدنية بدون استئذان من أحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كريات شمونة في شمال إسرائيل.. مدينة أشباح وآثار صواريخ حزب ا


.. مصر.. رقص داخل مسجد يتسبب بغضب واسع • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الألغام.. -خطر قاتل- يهدد حياة آلاف الأفغان في الحقول والمدا


.. ماذا رشح عن الجلسة الأخيرة لحكومة غابرييل أتال في قصر الإليز




.. النظام الانتخابي في بريطانيا.. خصائص تجعله فريدا من نوعه | #