الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنبر الديمقراطي السوري وأزمة الهوية

هيثم خوري

2013 / 11 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أنشأ المنبر الديمقراطي السوري ليكون ساحة حوار بين ناشطين سياسيين من مشارب وتيارات مختلفة، وكمجموعة عمل سياسية تضم نخبة السياسيين في سوريا، على تعدد فصائلهم وتوجهاتهم الفكرية، لتقوم بحوار حول المواضيع السياسية الساخنة في سوريا، وتخرج برؤى ومقترحات ومبادرات تهدف إلى الرقي في الحياة السياسية في سوريا. بهذا المعنى لم ينشأ المنبر فصيلاً سياسياً، فهو لم ينشأ ليكون ائتلافا كما هي هيئة التنسيق أو المجلس الوطني، ولا حركة كما هي حركة معاً أو تيار بناء الدولة، ولا تياراً -شبه ائتلافي- كما هو اتحاد الديمقراطيين.

لم تكن هوية المنبر هذه سهلة الفهم، لا من قبل أعضاء المنبر أنفسهم، ولا من قبل السوريين خارجه. هكذا جاءت البنية التنظيمية التي صاغها شباب المنبر، حتى قبل مجيئهم إلى المؤتمر التأسيسي، مخالفة لهذه الرؤية، فضمت لجاناً وفرقاً إغاثية وثقافية وحراكاً ثورياً وميدانية واقتصادية وحقوقية وإعلامية، بالإضافة للجنة والفريق السياسيين. بينما كان من المفروض أن يكون المنبر كله فريق سياسي واحد وفيه لجان تعمل في السياسة والإعلام فقط لتكون متوافقة مع الغاية التي أنشأ من أجلها المنبر.

بعد ذلك، مع أن اللجنة السياسية اعتكفت على عمل شبه دؤوب، ولكنها لم تخلق حواراً بينها وبين الفريق السياسي، أو بين أعضاء الفريق السياسي أنفسهم، فضاعت فكرة الحوار السياسي بين الأعضاء، وتكرست في عمل المنبر بيروقراطية شبيهة بتلك الموجودة في مختلف الفصائل السورية، مع أن المنبر لم يؤسس ليكون فصيلاً سياسياً بهذا المعنى.

جاء مؤتمر القاهرة في تموز 2012 ليكرس المنبر كفصيل سياسي في ذهن الناس، مع أن أعضاء المنبر المشاركين حاولوا لعب دور موافق لرؤية المنبر الأولى من حيث طرح مبادرات وخلق توافقات بين فصائل المعارضة. يجب أن أقر أننا لم ننتبه للصورة التي خلقت عند الناس عن هوية المنبر، وأنها مخالفة لهوية المنبر التأسيسية، ولم نصرف أي جهداً لتصحيح هذه الصورة في أذهان الناس، مما زاد حالة الالتباس حول هذه القضية.

ثم جاء مؤتمر هيئة التنسيق الذي عقد في دمشق في شهر أيلول من السنة الماضية، في ذلك الوقت قررت اللجنة السياسية، ألا يكون هناك حضور رسمي للمنبر في المؤتمر، ولكن اللجنة السياسية لم تطلب من أي أعضاء المنبر عدم الحضور، إذ أنها تعرف أن هذا ليس من حدود صلاحياتها، فالمنبر ليس فصيلاً سياسياً، بل تجمعاً لأفراد من مختلف الفصائل وبعضهم من هيئة التنسيق. ومع ذلك حصل خلاف بين أعضاء المنبر في دمشق الذين حضروا وبعض الذين لم يحضروا، فبعض الذين لم يحضروا لاموا الذين حضروا لأنهم خالفوا قرارات المنبر الرسمية، مع أنه عملياً هذه القرارات الرسمية لا تلزم أي عضو بأي التزام بحسب هوية المنبر الأولى. كما أن بعض أعضاء هيئة التنسيق الذين حضروا عملوا لنا "جرسة" لأن اللجنة السياسية قررت عدم الحضور، وبهذا أظهروا عدم فهمهم لهوية المنبر ولطبيعة عضويتهم فيه.

برأيي أن الاسفين الأكبر الذي دُق في هوية المنبر هو عندما تم ادخال المنبر فيما سمي "التحالف الوطني الديمقراطي"، فكان هذا هو الاسفين الذي دمر هوية المنبر الأولى كلية، وجعله كأي فصيل سياسي عرضة للتحالفات والتقاسمات والتجاذبات. هذا عدا أن العملية تمت دون أخذ رأي الأعضاء أو الإدارة الرسمية للمنبر، فالشخص الذي زج المنبر في هذه المعمعة لم يكن له أي مسؤولية رسمية في ذلك الوقت. هذا لم يقتل المنبر كساحة للحوار، وحوله إلى فصيل سياسي كبقية الفصائل، بل قتل فيه روح الديمقراطية التي هي جوهر هويته. هنا ابتدأ السقوط المدوي للمنبر، حيث تدمرت ثقة أعضاء المنبر بالمنبر، ابتدأت الانسحابات الجماعية منه، وابتدأت الخلافات تدب بين أعضاء إدارته، ثم تعاقبت الاستقالات بين أعضاء هذه الإدارة. وسامح الله من أوقعنا في هذا!
ابتدأ فيما بعد التخبط الإداري في المنبر، وجاء قرار منع الازدواجية ليكسر آخر حجر في هوية المنبر الأولى. فالمنبر في صغته الأولى أنشأ على أساس قبول الازدواجية لأنه أنشأ ليكون ساحة حوار لعمل لناشطين سياسيين من مختلف المشارب الفكرية والفصائل السياسية، إذاً كيف لا نقبل فيه بالازدواجية؟!

هكذا تضعضعت مؤسسة سياسية، ذات فكرة فريدة، وكان يمكن أن تكون ظاهرة استثنائية في الحياة السياسية السورية. تضعضعت ببساطة لآن أعضائها ومؤسسيها لم يكن لهم إيمان عميق بغاية وجودها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب