الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الجمهورية؟

هيثم خوري

2013 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


إن أقدم ذكر نعرفه، أو ربما عرفته البشرية، لكلمة "جمهورية" جاء في اسم "الجمهورية الرومانية"، وهذه تشكلت على انقاض المملكة الرومانية عام 509 قبل الميلاد، وانتهت عام 27 قبل الميلاد مع منح مجلس الشيوخ الروماني سلطات استثنائية لأُكتافيوس و إعطائه لقب "IMPERATOR CAESAR DIVI F AVGVSTVS" أي (الإمبراطور قيصر ابن الألوهة العظيم). و الحال أن لفظ الجمهورية في اللغة اللاتينية مؤلف من كلمتين “Res Pvblica" ويعني "خاصة الشعب"، أي ما يخص أمور الشعب وماهو صلب اهتمامه، إذاً فعلى أي أساس قامت هذه الجمهورية ؟ وما مقدار قُرب أسسها من المفاهيم الجمهورية التي نعرفها الآن؟

قبل نشوء الجمهورية، كانت روما القديمة ملكية، في البدء كان يتم اختيار الملوك من قبل الشعب ليحكم الملك مدى الحياة، ثم أصبح الحكم الملكي وراثياً، ومن ثم ازداد الفساد في العائلة الملكية، وهكذا قاد “لوسيوس جونيوس برتوس” ثورة على الملكية عام 509 قبل الميلاد، وأنشأ الجمهورية الرومانية (Res Pvblica Romana).

أهم ما ميز الجمهورية الرومانية أنه كان لها دستوراً معقداً، وقام على الأسس التالية: تداول السلطة، وفصل السلطات، والرقابة والتوازن بين السلطات. إذ كان في الجمهورية الرومانية أجهزة تنفيذية وتشريعية متعددة تضمنت: مستشاران (وهما بمثابة رئيسان تنفيذيان) قراراتهما تتخذ بالتوافق وينتخب كل منهما لمدة سنة واحدة فقط ولا يعاد انتخابه إلا بعد مضي عشر سنوات على انتخابه لأول مرة، ومجلس شيوخ منتخب من الأعيان وهو مختص بإصدار مشورات في أمور السياسة الخارجية (ولكنها بحكم القوانين، إذ أنها كانت ملزمة) للمستشارين، وثلاث مجالس تشريعية منتخبة من عامة الشعب وكل منها يمثل شريحة من المجتمع الروماني وتقوم بإصدار قوانين متعلقة بالحياة الداخلية في الجمهورية. وكان لأي مواطن روماني حق رفع دعوى أمام المحاكم على أي قانون تنفيذي يتخذ.

ولكن مع إعلان يوليوس قيصر نفسه حاكماً مدى الحياة في عام 44 قبل الميلاد، وانتصار أتباعه على أتباع الجمهورية عسكرياً، بعد مماته طبعاً، ومن ثم إعطاء مجلس الشيوخ لأكتافيوس، الوريث الشرعي ليوليوس قيصر، سلطات استثنائية، دخلت الدولة الرومانية مرحلة الحاكم المطلق الذي يستمد سلطته من القوة الإلهية، وتحولت مؤسسات الدولة إلى مؤسسات وهمية رغم أنها ما زلت موجودة مادياً، وأصبحت الدولة جهورية خلبيه، رغم أنه رسمياً كانت ماتزال تسمى جمهورية، ولهذا منذ ذلك الحين أطلق عليها المؤرخون اسم امبراطورية. هكذا ماتت المفاهيم الجمهورية إلى مجيء عصر التنوير.

كان الإنكليزي جون لوك في منتصف القرن السابع عشر هو من دافع عن “حقوق طبيعية” للفرد تجاه سلطة تميل بشكل دائم إلى سلبه تلك الحقوق، ولهذا يجب أن يكون هناك "عقداً اجتماعياً" بين السلطة والفرد يضمن عدم تعدي السلطة على الفرد، ويطلب من الفرد تأدية واجباته تجاه المجتمع. غير أن منتسكيو طرح في بداية القرن اللاحق أنه لا يمكن لحكومة، مهما حسنت نواياها، أن تتأمن فيها صفة العدل، إلا عن طريق وجود أجهزة متعددة فيها، مستقلة عن بعضها البعض، تؤمن توازناً في السلطة، وتقوم بإجراءات مراقبة على آليات اتخاذ القرار، وهكذا طرح نظام السلطة الثلاثي الأعضاء: التنفيذية والتشريعية والقضائية، في كتاب بعنوان "اعتبارات في عظمة الرومان وفسادهم".

غير أننا لم نشهد إحياءً للفظ الجمهورية، وتحقيقاً لها على أرض الواقع إلا مع نجاح الثورة الأمريكية عام 1783، وانتصار الثورة الفرنسية عام 1789، ومن ذلك الحين بدأ التراث الجمهوري بالانتشار في العالم، فقامت أحياناً جمهوريات حقيقية في أصقاع مختلفة من العالم، وفي أحياناً أخرى نجمت جمهوريات مجهضة أو أشباه جمهوريات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -