الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثة أعوام على اعتقال المناضل عبد الرحيم ملوح

تيسير خالد

2005 / 6 / 8
أوراق كتبت في وعن السجن


في الحادي عشر من حزيران عام 2002 أقدمت قوات الاحتلال على اعتقال المناضل عبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
جاء الاعتقال ليعطي مؤشراً واضحاً على سياسة ونوايا حكومة إسرائيل برئاسة أريئيل شارون. لا حصانة لأحد في القيادة السياسية الفلسطينية، كان هذا هو عنوان الرسالة التي بعث بها شارون للجميع، بعد أن أعاد احتلال مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية بأسرها وعلق بإجراء أحادي الجانب العمل بالاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وفعلاً بعد أسبوع واحد من اعتقال المناضل عبد الرحيم ملوح، داهمت قوة كبيرة من جيش الاحتلال ترافقها كلاب بوليسية بعد منتصف الليل منزلي في مدينة نابلس بهدف الاعتقال. المحاولة في حينه فشلت، ولكنها جاءت تؤكد الرسالة من جديد، وهي رسالة بدأت باعتقال المناضل مروان البرغوثي عضو المجلس التشريعي، وتواصلت صعوداً وتصعيداً بحصار مقر الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات – أبو عمار – وفرض الإقامة القسرية عليه في مقره الرئيسي في مدينة رام الله.
استهداف رموز سياسية قيادية بالاعتقال، بما في ذلك حصار الرئيس الراحل أبو عمار في مقره كان وجهاً لسياسة إسرائيلية جديدة، أما الوجه الآخر فقد كان الاغتيال والتصفيات لرموز سياسية قيادية أخرى طالت العديد بمن فيهم المجاهد الشيخ أحمد ياسين زعيم حركة حماس ومؤسسها. أما الهدف فقد كان واضحاً، وهو النيل من الانتفاضة الشعبية الباسلة ومعنويات جماهيرها وصولاً إلى ما عبر عنه رئيس الأركان الإسرائيلي السابق "موشيه يعلون" بسياسة "كي الوعي"، وهي سياسة أثارت ردود فعل واسعة لقوى سياسية بما فيها داخل إسرائيل باعتبارها تنبع من مخزون أيدولوجي فاشي.
سياسة "كي الوعي" لم تقتصر على الاعتقالات والاغتيال والتصفيات الجسدية بالطبع، فقد امتدت لتشمل تدمير المؤسسات والإدارات والبنى التحتية والاقتصاد، وغير ذلك كثير من الممارسات، التي تذكرنا بسياسة نظام الفصل العنصري، الذي كان قائماً في جنوب إفريقيا على امتداد عقود مديدة.
وعودة إلى اعتقال المناضل عبد الرحيم ملوح، فقد كان الاعتقال اعتقالاً سياسياً. هذا واضح من التهم، التي وجهتها سلطات الاحتلال لعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي الإنتماء لمنظمة معادية واحتلال موقع قيادي فيها والتحريض ضد الاحتلال والمشاركة في القيادة السياسية للانتفاضة الشعبية. وعلى أساس هذه التهم أصدرت محاكم الاحتلال حكمها على المناضل عبد الرحيم ملوح في الحادي والعشرين من تشرين الثاني من العام الماضي: سبعة أعوام من الاعتقال الفعلي وعامان ونصف العام مع وقف التنفيذ.
استئناف الحكم أمام محكمة استئناف عسكرية لا يجدي نفعاً وهو أصلاً غير ذي صلة، فالذي يصدر الحكم هنا ليست المحاكم، بل جهاز الأمن العام الإسرائيلي، صاحب اليد العليا في كل ما يتصل بالحركة الفلسطينية الأسيرة. ولهذا لم يكن مستغرباً أبداً أن تثبت محكمة الاستئناف العسكرية في الثالث والعشرين من أيار الماضي نفس الحكم على القائد السياسي عبد الرحيم ملوح.
نحن هنا في مواجهة مشكلة ذات طبيعة مركبة. الاحتلال وسياساته وطريقة تعامله مع الأسرى في معسكرات الاعتقال التي كانت قائمة في جنوب إفريقيا في عهد التمييز العنصري البائد، وردود الفعل الفلسطينية والإقليمية والدولية على هذه السياسة.
عندما أتذكر عبد الرحيم ملوح، أتذكر كذلك مروان البرغوثي وحسام خضر وراكاد سالم وجمال الطويل وغيرهم كثير لا يضرهم أن لا أذكرهم، فأسماؤهم محفوظة في سجل النضال ضد الاحتلال. وفي الذاكرة يمر شريط من صور المعاناة في معسكرات الاعتقال الجماعية الإسرائيلية. أقسام وخيام تحيطها الأسلاك الشائكة وبعضها، كما في "عوفر"، الحواجز الإسمنتية التي تستخدمها سلطات الاحتلال في بناء جدار الفصل العنصري بارتفاع يصل إلى ثمانية أمتار، بهدف عزل الأسرى عن الطبيعة المحيطة بمعسكر الاعتقال، ودوريات تفتيش العدد في الصباح الباكر وعند منتصف النهار وفي المساء، وجنود مدججون بالأسلحة وقنابل الغاز إذا لزم الأمر. في معسكرات الاعتقال الجماعية الإسرائيلية التي يتنقل بينها المناضل عبد الرحيم ملوح وغيره من أبناء الحركة الأسيرة، يجد الإنسان نفسه أسير نمط حياة جديدة لا وجود فيها للبيت أو الأسرة أو العلاقات الاجتماعية، أو لعلاقات إنتاج وغير ذلك كثير، ورغم ذلك فإنها تبقى أعجز من أن تفصل بين الأسير وما يحدث في المجتمع من تفاعلات، وفي الحركة السياسية من تطورات، فقد انتزعت الحركة الأسيرة بتضحيات عظيمة انجازات ومكاسب جعلتها قريبة مما يحدث خارج أسوار هذه المعتقلات. وهذا يعطي بعض التفسير للحضور السياسي والإعلامي للأسير عبد الرحيم ملوح وغيره من أبناء الحركة الفلسطينية الأسيرة وقادتها.
مسؤولية سلطات الاحتلال عن الكثير من صور المعاناة التي يعيشها الأسرى مسؤولية واضحة، وهي على كل حال من طبيعة الاحتلال. لا يوجد في التاريخ احتلال رحيم، فالاحتلال بشع ومتوحش في جميع صوره وأساليبه وممارساته، بما في ذلك بالطبع داخل معسكرات الاحتلال. على هذا الصعيد نقف في مواجهة مشكلة كبيرة وعظيمة في العلاقة مع الاحتلال، ولكنها ليست على كل حال المشكلة الوحيدة. هنالك مشكلات أخرى يجب أن نعترف أننا لم نقتحم الأبواب من أجل مواجهتها، كالمعايير الإسرائيلية في التعامل مع الحركة الفلسطينية الأسيرة، وموقف الرأي العام والمجتمع الدولي من هذه المعايير، بما فيها الاعتقال على خلفية الانتماء السياسي والتنظيمي. المعايير الإسرائيلية وبصرف النظر عن تعبيراتها تبقى معايير سلطة احتلال لا يجوز التسليم بها أو بشرعيتها. وعلى هذا الأساس يجب مخاطبة الرأي العام والمجتمع الدولي ودعوته للتدخل ورفع كل غطاء سياسي أو قانوني أو أخلاقي عن هذه المعايير، من أجل رفع المعاناة عن الحركة الأسيرة وإطلاق سراح جميع الأسرى وإغلاق جميع معسكرات الاعتقال الجماعية الإسرائيلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دوجاريك: القيود المفروضة على الوصول لا تزال تعرقل عمليات الإ


.. الأونروا تقول إن خان يونس أصبحت مدينة أشباح وإن سكانها لا يج




.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا