الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دليلك إلى القيادي الشرير

مصطفى مجدي الجمال

2013 / 11 / 28
سيرة ذاتية


طول عمري لا أحب كلمة "قيادي" هذه.. أذكر مثلا وأنا طالب أن اختارني زملائي في يوم كنت غائبًا عن المدرسة لرئاسة اتحاد الطلبة لكنني تركتها بإصرار لمنافسي "الإجباري" محمد الشبه (الكاتب الصحفي).. وفي كلية ضباط الاحتياط اختارني قائد لواء الطلبة لأكون من قيادات الدفعة ولكنني اعتذرت وهو ما أدهش زملائي لأن هذه الوضعية كان لها امتيازاتها دون أن تكلفك شيئًا.. حتى في الأحزاب السرية لم أسع أبدًا لمسئولية قيادية بل كانت المسئوليات هي التي تنهال على رأسي.. وكنت ومازلت على اعتقادي بأن القائد الحقيقي هو الذي يساعد في بناء قيادات شابة جديدة ليخلي لهم مكانه ويكتفي في وقت معلوم بدور الناصح الحكيم والعامل المساعد..

لا أحكي هذا لأروج لشخصي الفاني.. فلست بحاجة لهذا.. خصوصًا أنني أتوق بشدة "للتقاعد" عن العمل السياسي المباشر، وأن أتفرغ للقراءة والكتابة، فعندي مشروعات تنوء بها جبال.. كما أتمنى أن أخصص جزءًا من وقتي لأبنائي الثلاثة الذين يستحقون أن أفعل لهم ما لم أفعله حتى الآن..

لكنني شاهدت في حياتي أنواعًا من القيادات المتلونة والمتحولة، والقيادات المشتاقة للظهور بأي ثمن (مشتاقة حتى "للوجاهة الجنائية" أثناء النشاط السري!!).. ومن الطرائف التي أرويها هنا ثلاثة أمثلة بسيطة من الكثير جدًا مما عاينته.

طلبت ذات مرة في السبعينيات من أحد "القياديين" أن يسمح لي بالكتابة في الصحيفة التي يهيمن عليها، فقال لي بالحرف: "إني أربأ بك أن تكتب في صحيفة بورجوازية".. وجدير بالذكر أن هذا البروليتاري مازال يهيمن على ذات الصحيفة رغم مرور عقود.

المثال الثاني أنني خضت معركة قاسية وغير متكافئة بالمرة من أجل واحد من أكثر من احترمتهم- ولم أزل أحترمهم- في حياتي الصاخبة.. ودون أن يكون لي مصلحة في الموضوع، وهو ما أكسبني عداوات مريرة وسامة.. وبعد سنة تعرضت أنا لأزمة عنيفة وقف هو منها موقفًا شديد السلبية متحليًا "بالموضوعية".

المثال الثالث: شخص كنت معه مساء اليوم السابق على إعلان نتيجة انتخاب مرسي وكان موقفه شديد العداء لأن يأتي رئيس إخواني، وتعاهدنا على خوض معارك ضروس ضد الناجح سواء كان مرسي أم شفيق، لكنه حينما عاد إلى المنزل وشاهد اللقاء المخزي لقوى يسارية وليبرالية تعاهدت مع مرسي في فندق فيرمونت، انقلب موقفه تماما في غضون ساعات لأن إشاعة سرت بأن صديقًا له سيتولى حقيبة رئيس الوزراء.

الخلاصة أن أسوأ أنواع "القياديين" بالطبع هم من يحققون المنافع المادية ويسعون إليها بكل الطرق.. وعلى سبيل المساعدة في التوعية- قل: "البريئة"- سأورد هنا شذرات عن أهم الآليات المستخدمة من قِبل القيادي "الشرير":

آلية "المعيّة":
أي أن "ينشن صح" على "قيادي" ما ويكون في "معيته" أو شلته دومًا.. وتزداد فرص الصعود إذا كان الشاب مبدعًا في جلب الأنصار والترويج للكبير وتبرير مواقفه حتى وإن تناقضت. ومن ذكاء القيادي المتسلق أن يعرف متى يترك شيخه ليدخل في معية أرقى وأكثر فعالية وفائدة.

آلية "العربون":
أي أن يكون الباحث عن القيادية جاهزًا لأن يدفع تضحيات ما (غالبًا ما تكون ثانوية لكنها تبهر الأنظار وتمكث في الأذهان) وقد تكون التضحية في موقف واحد لكنه مشهود.. وبعد هذا عليه أن يروج لتضحيته بشكل ضاغط، وأن يفلح في تكوين معيته الخاصة (مع ضرورة أن يكون أريبًا ومتيقظًا لطامحين في معيته قد يجيدون ذات الآليات التي يجيدها). قد تكون التضحية المذكورة دخول المحبس مرة أو حرمان الحكومة له من أحد حقوقه..الخ. وفي أغلب من رأيت كانت التضحيات العربونية غير كبيرة، وإن كان البعض يورطه "ضيق أفقه" في مآزق أضخم مما كان يخطط. وإلى جانب هذا وذاك هناك من بدءوا الطريق مخلصين وقدموا التضحيات بكل نبل، ولكنهم قوبلوا بعد حين بالنكران أو الإهمال فانقلبوا في لحظة درامية يذرعون الأرض طولاً وعرضًا ليعوضوا ما فاتهم، ولديهم ما يكفي من مسوغات "عربون" سبق أن قدموه في السجون أو التردي في الفقر..الخ.

آلية "اللمة":
وهي تعني أن ينجح القيادي/ المشروع في أن تكون حوله دوائر من العلاقات الاجتماعية التي تجلب له السند الإضافي وسط الدائرة الأساسية التي ينشط فيها.. كأن يكون للقيادي السياسي تواجد في أوساط إعلامية أو أدبية أو فنية ..الخ. وعليه أيضًا أن يكون مستعدًا لتكلفة الولائم وجلسات المقاهي والتفنن في اختلاق مناسبات للاحتفال. ومن خلال الصداقات والعلاقات العامة (وربما المصاهرات) يكون الصعود. ومن العبقرية المذهلة أن تستفيد وأنت معارض من علاقات اجتماعية مع شخصيات في الحكم، أو حتى أن تقبل الاشتراك في مؤسسات للنظام، ومن الممكن تبرير هذا بأنه اختراق أو محاولة تثوير أو اعتراف من الخصوم بقيمتك المجتمعية "العامة".

آلية "التاكسي":
وتعني أن القيادي ينظر إلى من حوله كمراحل في مشوار صعوده، وألا ينظر إلى علاقة ما على أنها أبدية أو مستدامة، فكل صديق أو مؤيد أو حتى راعٍ هو مجرد تاكسي يمكن النزول منه عند اللزوم، مع ضرورة منح "السائق" حقه، والاحتفاظ بمستوى ما من العلاقة معه.

آلية "المظهر":
وبمقتضاها يحاول "القيادي" الالتزام بمظهر ما مناسب وملهم للدائرة التي ينشط بداخلها.. وهناك بالطبع "استايلات" كثيرة.. فمثلاً هناك المتأنق دومًا بالبدلة ورباط العنق، وهناك الثوري بالجينز والكاسكيت، وهناك البوهيمي بضفيرة الشعر والتيشرت الغريب.. ومن المفيد أيضًا اصطحاب كتب ومجلات، أو حقيبة لا يعرف أحد أبدًا ما بداخلها بالضبط.. وفي أحيان كثيرة تكون السيارة والموبايل قوية الإيحاء.. بل حتى على مستوى الكلام يمكن أن يحفظ القيادي كل يوم عددًا من العبارات والأمثال، أو يشير إلى معلومات خاصة استقاها من علاقات غامضة سيما لو كانت مع شخصيات أجنبية، أو يرصع كلامه ببعض العبارات الأعجمية (التي يجيد اجترارها ببراعة كما لو كانت قد جاءت على لسانه عفو الخاطر ورغمًا عنه)..

آلية "الظهير":
وتعني أن يكون للقيادي الطموح ظهير (خفي ربما) يحميه ويدعمه.. سواء كان هذا الظهير في الحكومة أو الأمن أو خارج البلاد. فضغوط الظهير كفيلة بالتزكية وبالإنقاذ من المآزق.

آلية "الإلحاح":
ومعناها أن يكون الشخص موجودًا على الدوام أمام الأعين وفي الأذهان. ومن الأفضل أن يرتبط اسمه بمجال أو قضية ما. فهو مثلاً خبير النضال الطلابي حتى لو كان على مشارف السبعين، أو خبير الحركة العمالية أوالتكنولوجيا أو الفلسفة أو الاستراتيجية أو العلاقات الدولية..إلى آخر ما شئت، ولكن دون أن يؤدي التخصص إلى انحصاره في الدائرة الضيقة، فالقيادي "الناجح" هو القيادي في كل شيء.. وأقوى صور الإلحاح هي الإلحاح في الإعلام الجماهيري، ويفيد هنا كل الآليات السابقة. وفي أوقات الثورة مثلاً يكون التواجد الجسماني في الشارع موحيًا ومثيرًا للإعجاب.

..............

طبعًا لا أقصد مما سبق أن أحاكي كتاب مكيافيللي، أو أن أسدي النصائح السيئة/ الناجعة لمن يترقبون الصعود بأي ثمن.. وإنما أردت أن أنبه إلى التهديدات التي تواجهها أي ثورة أو حركة من قيادات منحرفة يمكن جدًا أن تقودها إلى غير بر الأمان، أو أن تسخر المجموع لتحقيق أغراض ذاتية. فالانتهازية واردة بقوة، وبحر المغريات واسع و"غريق".

كنت منذ صغري مذهولاً وشغوفًا بشخصيات استثنائية مثل هوتشي منه الذي هزم أكبر امبراطوريتين في عهدين.. وهو يرتدي شورتًا وينتعل صندلاً صنع من كاوتش عجلات طائرة معادية..

كان شعاره المطبق بالفعل في حياته العامة والخاصة.. أن المناضل الحقيقي هو الذي يضع المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة.. بل إن المصلحة العامة تصبح هي نفسها مصلحته الخاصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكلام في واقع البؤس التحرري العربي
رائد الحواري ( 2013 / 11 / 29 - 12:16 )
هذا الكلام يمثل جزء من كل لما هو الحال عليه في حركة التحرر العربية ـ إن بقى منها تحرر ـ نتمنى ان يعود الماء لمجاريه لكي نستطيع التقدم الى الامام، واذا لم نستطع، الثبات وعدم التراجع

اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح