الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سجن الماضي .

علي لّطيف

2013 / 11 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


سجن الماضي *



وراء زنزانة قضبانها الماضي و جلادها العاطفة, يقبع سجين, لا تهمة له إلا إرادته أن يقول كلمة صواب, في زمنٍ سُجن فيه الصواب أيضاً بتهمة الصواب.

السجين يُدعي العقل.

نحن في وضع غريب جداً هذه الأيام, غرابته فرصة, ليست سيئة بالتحديد و ليست جيدة كذلك, الكثير من الأصوات أصبحت أصواتا, في الماضي كانت مجرد صدي مرابيع تجلس داخلها جماعات سرية تحلم بالحرية و العدالة و المساواة, الأمر مفاجئ, أعني في عام واحد تغير كل شئ على المواطن الشرقي البسيط, أصبح رجل الدين سياسي, و أصبح عامل المصنع سياسي, و أصبحت ربة المنزل ناشطة تطالب بحقوق المرأة, و أصبح هناك صندوق توضع فيه ورقة, و أصبحت هذه الصناديق كُفراً، و لطائفةً أخري غزوة, و لفصيل أخر واجب وطني, في الحقيقة أنا صُدمت من الكم الهائل من التغيرات التي حدثت, المجتمع الغير متجانس البدائي صُدم أيضا, ربما تقبلتُ الصدمة كفرد و حاولت أن أستوعب ما يحدث, حكّمتُ العقل علي العاطفة, و إلى الأن أحاول تحكيم العقل بصورة كاملة, لكن القلب عندما يهوى تلك الصهباء؛ فهو يهوى, ذاك الحقير الماكر. المُجتمع، لا أظن أنه تقبل الصدمة, لهذا نجده مازال عالقاً في الماضي, يبحث عن الغد في الأمس, يخاطب المستقبل بخطاب الماضي و أمجاده الزائفة.

محمد الليبي : الملك إدريس كان وطنياً و صنع الوطن.
محمد المصري : جمال عبد الناصر كان وطنياً و صنع الوطن.
محمد التونسي : الحبيب بورقيبة كان وطنياً و صنع الوطن.

و هكذا إلى ما لا نهاية يستمر حديث الموتي. لا أريدكم أن تظنوا أنني ربما أمقت الماضي فأنا في الحقيقة أمقت الماضي مقتا شديدا, و لا توجد أي "ربما" في اعتقادي. إن العودة إلى الماضي لبناء المستقبل خطأ كبير, فالماضي هو ما صنع اليوم, و يمكنكم المشاهدة من نوافذ حجراتكم و سترون مدى القذارة التي نعيشها كُل يوم, الأمل في اليوم, علينا أن نبدأ بناء كل شي ليس من جديد, بل من البداية جدا, من الفرد إلى المجتمع مارّين بالأسرة, علينا أن نمسح كل شئ, ليُمكن لنا أن نري كل شئ بتجرد و بإنصاف و بعقل.

التفكير يُنتج الوعي, و التفكير يأتي من المؤثرات الخارجية المتغيرة, و كل هذا يترتب من وجود عقل نعود إليه بأسئلتنا. و هذا العقل يمكن له أن يجيب عن أي سؤال, و يا للأسف كم هي أسئلتنا تافهة مثلنا !

المثال الأكمل لحكم أي شعب و الذي خاض عدة تجارب و أثبت فعاليته هو الديمقراطية و ليست الخلافة و الممالك و أحذية الجنرالات, الديمقراطية بإمكانها احتواء الكل بحكم الكل, لا وجود لديمقراطية الفئة الواحدة و عزل فئة عن المشاركة العامة في بناء الدولة باسم المصلحة العامة للوطن, و لو كانت الجماعات الإسلامية المتطرفة جزءا من الوطن، فقمعها سيزيد الأمر سوءا, أما احتواؤها فكرياً و وضعها في حالة ضُعف من دون القضاء عليها إلى أن تقضي على نفسها بنفسها, فهذا يُعد صوابا, أتاتورك أخطأ في استئصالهم بالكامل, و حُكم أردوغان الإسلامي لتركيا اليوم دليل علي ذلك.

لا يمكن بناء ديمقراطية إلا على أسس نظام اقتصادي مشترك بين الرأسمالية و الإشتراكية, فالرأسمالية التامة ستجعل طبقة الأغنياء تحكم الدولة، كما يحدث في الولايات المتحدة الامريكية مثلا, و الإشتراكية التامة تبني نظاماً شمولياً مقيتاً و تُمهد للإستبداد و القمع بدَاعي "الأخ الأكبر يعرف مصلحتك أكثر منك".

فصل رجال الدين عن الدولة و منعهم من التدخل في شؤون الحكومة و البرلمان, يُعد أساس لأي ديمقراطية ناجحة؛ دولة إيران الإسلامية كمثال علي ذلك, بالرغم من وجود برلمان و انتخابات نزيهة و خصومات سياسية إلا أن أية الله الخامنئي رجل الدين الأعلى في إيران هو من يفصل في الامور في نهاية اليوم, و لا ننسي كذلك أن إيران لا تسمح إلا بالتيارات الإسلامية بتصدر الساحة السياسية, اليساريون الفقراء مازالوا يجتمعون في المرابيع و يحلمون بالحرية و يشربون النبيذ كعادتهم التاريخية الأزلية.

في هذه الأيام, أي بعد انقلاب المؤسسة العسكرية على جماعة الإخوان المسلمين في مصر, تغير كل شي؛ أصبحت المنطقة كلها في فوضي, الصراع أصبح جلّياً للمواطن على رغم أن العقل مازال في زنزانته, أصبح الصراع بين المؤسسة العسكرية التي تمثل الماضي و الجماعات الإسلامية التي تمثل الماضي أيضاً, و هكذا وجب على المواطن أن يختار صفاً من بين هذين, لكن لِما يجب على المواطن أن يختار الماضي مجددا ؟ بين هؤلاء جميعاً وقف بعض الشباب المصريون الثوريون حقاً و حقيقةً و تماماً و كمالاً ضد العسكر و الإخوان, يرفعون شعارات "لا" لوجوه الطرفين النتنة الكريهة, يقولون نعم للمستقبل, و ليحترق الماضي و " في ستين داهية " . رغم هذا كله, رغم جمال نضالهم الملحمي, و بكل مرارة و أسف و غيظ أعتقد أنهم سيفشلون, أعتقد أننا سنحطم أرقاماً قياسية خلال السنوات القادمة كأكثر شعوب غيرت الطبقة الحاكمة مراراً و تكراراً إلى أن تصل أحد التغيرات إلى جوهر أصل المشكلة, أصل كل شئ؛ العقيدة الراسخة الفاسدة التي يُغلفها الدين و الفقه و الماضي... إلخ, تلك العقيدة التي أورثت الأم للابن, و جعلت أبناء العاهرة يقتلون طفلهم الرضيع إن جاء بدون قضيب, تلك العقيدة التي جعلتهم يتقاتلون مدة 40 عاماً من اجل ناقة مسكينة, عندما تأتي رياح التغيير الحقيقية و تُحطم كل التابوهات التي تقيدنا, سيكون كل شئ حولنا ذو رائحة قذرة, ستحل الفوضى, لكن المشهد سيكون نقيا, سأرقص إلى الفجر, فقد تحرر السجين و أًصبح حُراً.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال