الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بداية انعطاف تاريخي في الشرق الأوسط

نعيم الأشهب

2013 / 11 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


من الحقائق التي أكدها اتفاق جنيف أن حكام اسرائيل والسعودية ومن على شاكلتهم في المنطقة، الذين بذلوا كل جهودهم لمنع الاتفاق، ليسوا في آخر الامر، الاّ أدوات، حين يتعلق الأمر بالمصالح الاستراتيجية الأميركية، وأن الهامش الذي كان يتحرك فيه حكام اسرائيل، على وجه الخصوص، والموسوم بأعمال الزعرنة والعدوان كان يتوافق مع هذه المصالح وفي خدمتها، أو على الأقل، لا يتعارض معها، وليس تعبيرا عن استقلاليتهم


يمكن القول بأن اتفاق جنيف بين ايران والدول الست هو حصيلة مواجهة ملتهبة وغير عادية، على مدى سنين، تفاقمت نوعيا منذ اندلاع الأزمة السورية، كادت خلالها أن تتحوّل، أكثر من مرة، الى حرب اقليمية مدمرة لا يمكن التكهن بأبعادها الدولية. وخلال هذه المواجهة العريضة جرى فرز للقوى، بدا طابعه الطبقي سافرا. فقد اصطفت السعودية مع اسرائيل دون مواربة هذه المرة؛ كما جرى تشابك للأزمات الأساسية في المنطقة على نحو غير مسبوق، من الأزمة السورية الدامية الى الأزمة الايرانية - التي شكل تخصيب اليورانيوم في ايران واجهة لأهدافها الحقيقية - الى الارتباط غير المباشر بقضايا مزمنة في المنطقة وفي مقدمتها النزاع الاسرائيلي – العربي وبخاصة الفلسطيني، وامتلاك اسرائيل للسلاح النووي دون غيرها في المنطقة، الى جانب الصراع المتصاعد على موقع القوة الاقليمية الأولى في المنطقة.
ولعل المغزى الأساس لهذا الاتفاق كونه يمثل إقرارا من الولايات المتحدة بالفشل في التغلب على محور ايران – سورية – المقاومة اللبنانية، المدعوم بتأييد الشعوب العربية، والذي عرقل بنجاح تنفيذ مشاريعها في المنطقة كـ"الشرق الأوسط الجديد" وسواه، رغم ضخامة القوى الدولية والاقليمية المعادية التي جرى تحشيدها في هذه المواجهة. وبالتالي، ينبغي الافتراض بأن الاتفاق التاريخي الذي تحقق في جنيف سيمثل علامة طريق على تحوّل استراتيجي في سير الأحداث في المنطقة، سيفرض اعادة ترتيب للقوى فيها، بما يعزز فرص معالجة وتسوية قضاياها، على نحو يستجيب لمصالح وطموحات شعوبها.
واذا كانت تسوية قضية الكيماوي السوري قد أسهمت في انجاح اتفاق جنيف الأخير، فان هذا الاتفاق سيساهم بدوره في تسوية الأزمة السورية. لكن الانجاز المباشر والأهم، حتى الآن، من هذا الاتفاق هو استبعاد خطر الحرب عن المنطقة وشعوبها، والذي كان هدفا يدفع نحوه حكام اسرائيل والصقور في الولايات المتحدة على وجه الخصوص، بتعطش وهوس.
وهذا بالضبط ما جعل الاتفاق المذكور يصيب حكام اسرائيل بحالة من الهستيريا، اذ عليهم أن يتوقعوا، في ضوء هذه التطورات، أن يتحوّلوا الى الدفاع الصعب في أكثر من قضية مفصلية بالنسبة لهم، في المقدمة منها: امتلاكهم للسلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، اذ ان المعركة المتوقعة ستكون لإخلاء المنطقة من هذه الأسلحة؛ وكذلك التوقعات الواقعية بفقدان اسرائيل لموقع القوة الاقليمية الأولى في المنطقة؛ وبالتالي، تقلص فرصها في فرض تسويات وفق طموحاتها للنزاع العربي – الاسرائيلي وبخاصة للقضية الفلسطينية.
ومن الحقائق التي أكدها اتفاق جنيف أن حكام اسرائيل والسعودية ومن على شاكلتهم في المنطقة، الذين بذلوا كل جهودهم لمنع اتفاق جنيف المذكور، ليسوا، في آخر الامر، الاّ أدوات، حين يتعلق الأمر بالمصالح الاستراتيجية الأميركية، وأن الهامش الذي كان يتحرك فيه حكام اسرائيل، على وجه الخصوص، الموسوم بأعمال الزعرنة والعدوان كان يتوافق مع هذه المصالح وفي خدمتها، أو على الأقل، لا يتعارض معها، وليس تعبيرا عن استقلاليتهم. وفيما يتعلق بلعب نتنياهو في الساحة الأميركية بين الادارة ومعارضيها في الكونغرس، فلا مكان له حين يتعلق الأمر بهذه المصالح الاستراتيجية.
أما على الصعيد الدولي، فقد أثبت اتفاق جنيف المذكور أمرين أساسيين، الأول: الدور الطليعي الذي لعبته الدبلوماسية الروسية، التي كان زمام المبادرة بيدها معظم الوقت، وتداعيات ذلك اقليميا ودوليا، بما في ذلك التأكيد على انتقال النظام الدولي من القطب الواحد الى المتعدد الأقطاب. بينما الأمر الثاني هو تراجع دور ونفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. ويعود ذلك الى حالة الانهاك التي سببتها لها حربا أفغانستان والعراق، ثم الأزمة المالية – الاقتصادية الأخيرة والتي ما تزال مفاعيلها تتواصل في الاقتصاد الأميركي كما في العالمي؛ هذا، الى جانب التوجهات الأميركية الاستراتيجية الجديدة بنقل مركز ثقل تركيزها الى الشرق الأقصى، في محاولة لتطويق ومحاصرة الصين الخصم الرئيسي اليوم للولايات المتحدة.
وفي ضوء هذه التطورات النوعية الواعدة يبرز التساؤل عما اذا كانت القيادة الفلسطينية ستستخلص الاستنتاجات الضرورية منها، وبالتالي تعيد تقييم نهجها، وتتخلى عن الرهان على المفاوضات العبثية بالرعاية الأميركية المنفردة، بعد أن لم تحقق على مدى عشرين عاما الاّ منح الفرص للمحتل الاسرائيلي في اقامة المزيد من الاستيطان وتغيير معالم الأرض التي من المفروض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية، أم أن هذه القيادة ستواصل تجاهل كل هذه التطورات ومعها ارادة الغالبية الكبرى من الشعب الفلسطيني في هذا الشأن المصيري؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً