الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر تدحرج المغرب العربي نحو الهاوية

عبد الله لعماري

2005 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


في الوقت الذي يعيش العالم العربي بؤسا سياسيا غير مسبوق في تاريخه، من حيث تفرق الكلمة، ووهن الإرادة، في مجابهة التحديات، وانحلال عرى التنسيق والتعاون.
اختارت جزائر - بوتفليقة استراتيجية السقوط في الدرك الأسفل لهذا البؤس السياسي، وضربت صفحا عن كل القيم والمثل والمبادئ والمواثيق التي ترعى مصلحة الشعبين الجزائري والمغربي وتروم إعدادهما لمواجهة المخاطر التي تحدق بالمستقبل المشترك، وأضافت إلى الجراح المثخنة للجسد العربي، بل ونكأت واحدا من أغور الجراح وأنزفها، ظل بايلامه، يثبط همة بلدان المغرب العربي عن النهوض بالمشروع المغاربي، سواء في بعده الوحدوي أو استراتيجيته الاتحادية.
وبدل ان تشرئب جزائر الولاية الثانية لبوتفليقة الى الآفاق الحضارية التي ترخي بظلالها على الضفة الشمالية للمتوسط، وكيف تغلبت على عوائقها التاريخية والنفسية، وتشنجاتها الإيديولوجية، ودخلت بخطى ثابتة عبر نهج التكتل والتوحد والاندماج الى عالم شيوع قيم وواقع التقدم والرقي والازدهار والتعاون الإنساني، ركنت الجزائر الى الوراء لتعيد إنتاج سياسة العالم المتخلف الذي كبلته الكولونيالية البائدة بأغلال التوترات المتناسلة، والمؤامرات الصغيرة، والنزعات الاقليمية والإثنية والقبلية الهامشية،
تلك السياسة التي كانت الى زمن قريب إبان الحرب الباردة بين القوى الدولية العظمى، تحول العالم المتخلف، ومنه العالم العربي الى أرقام مهينة في معادلة الصراع، قد تعود ببعض المكاسب الوضيعة، مما ينثره بعجرفة، ذلك العالم الحر، المتصارعة امبريالياته، على وكلاءه في الصراع، والذين هم قادة العالم المتخلف.
ولكنها سياسة أعقمت الشعوب عن ولادة نفسها في رحاب الارتقاء نحو التنمية، ورهنتها في أسار التبعية والتشتت والعجز المدمر.
وجزائر بوتفليقة، وبالرغم من ان زمن العلاقات الدولية، تبدل غير الزمن الذي ولى وانتكس، نكصت الى تلك التقاليد البالية، التي كان القادة المرتزقون، والمهووسون من بطش الشعوب، يتاجرون بآلام شعوبهم، فيفتعلون المعارك الوهمية خارج واقع شعوبهم ويصطنعون أعداء خارجيين، ويزرعون التوتر على الحدود لدق طبول حروب وطنية وهمية، بهدف شل الاحتجاجات الوطنية الحقيقية، وإلهاء الشعوب عن سؤال التنمية المؤرق للحكام، لأنه سؤال يضع واقع اقتسام الثروة والسلطة في ميزان العدالة والحقيقة، وعلى محك المحاسبة والمساءلة.
ولأن جزائر العسكر لم تستطع الخلاص والخروج من تحت أنقاض الدمار المهول الذي خلفه الزلزال السياسي والاجتماعي المتواصل، وفشلت في الاستنجاد بالرمزية التاريخية، عبر تنصيب بوتفليقة رئيسا، وتوظيفه في استغلال شعار المصالحة الوطنية، لكسح الخرائب المتراكمة فوق هياكل المجتمع المتآكلة، وإطفاء الحرائق التي أتت على الأخضر واليابس.
لأن هذا الخيار استنفد أغراضه، ووسائل التلويح به والدعاية له، واستفرغ مضمونه الديماغوجي، وسقط في هاوية الفشل، إذ تفاقمت الأزمة، فانضاف إلى معركة تمرد الإسلاميين في الجبال، معركة انتفاض الامازيغيين في الحواضر، وتوسع مجال التمرد ليشمل الى جانب الجبال والأدغال، ما هو اشد خطورة وتغولا واستعصاء على التحكم، هو التوغل في الأعماق الصحراوية التي لا حدود لها ولا نهايات في إمبراطورية الرمال الإفريقية والصحراء الكبرى.
والذين شملهم الإنفراج السياسي، بعفو المصالحة الوطنية، عادوا بإعداد مهمة، إلى الجبال والصحاري، لحاقا بالجماعات المسلحة.
وبدل الانخراط في وضع استراتيجية وطنية تتوخى إنهاء الأزمة الجزائرية وإيقاف النزيف القاتل، بتبني حلول جذرية وجادة، تقوم على حوار وطني موسع وشامل لكل أطراف الصراع، يستهدف إنقاذ البلاد، وينهي ديكتاتورية العسكر، وتقوم أيضا على تعزيز هذه الاستراتيجية بتنقية الأجواء المشحونة في المنطقة، لإنجاح وحدة المغرب العربي، عبر الإقلاع عن مشاكسة المغرب، ودعمه في استكمال وحدته الترابية، فان جزائر العسكر أملت على رئيسها في ولايته الثانية، انتهاج سياسة المغامرة، والهروب الى الأمام، بإذكاء نيران التوتر مع الجار الشقيق، وتصعيد الموقف العدائي ضد المغرب، واللعب من جديد بالورقة الميتة، (( الجمهورية الصحراوية الوهمية ))، حتى يتسنى لعساكر الحكم الجزائري الاستئساد على الداخل، وخنق الأنفاس بالحديد والنار، وإخفاء الهزيمة الداخلية، والعجز الكارثي عن إنقاذ البلاد، ومن ثم التصدي للاحتجاجات الشعبية المرتقبة، ومحاصرة حركية القوى السياسية الصاعدة المتولدة من رحم الكارثة الجزائرية وتطويق موجات السخط الاجتماعي.
وعبثا تحاول جزائر بوتفليقة الخروج من العزلة السياسية الخانقة لحكم العسكر، وعبثا تحاول تطويق موجة التذمر العارمة التي تغشى الشعب الجزائري عبر كل فئاته ومكوناته السياسية، بتوهيم المعارضة السياسية، والشعب الجزائري، أنها في طريقها الى استعادة الأمجاد السالفة للدور الجزائري الدولي إبان دعمها لحركات التحرير الإفريقية، وأنها بتوظيفها لورقة الدعاية للجمهورية الصحراوية الوهمية، وتأجيج النيران الحاقدة للدبلوماسية المعادية للمغرب، ستستعيد - حسب زعمها - المكانة الدولية المرموقة، وأنها تراهن على هذه المكانة لتغدق عليها من المكاسب والعوائد ما إن ريعها كفيل بحل الأزمة الداخلية، وعبثا يحاول بوتفليقة والعسكر من أمامه ومن خلفه، ان يغالطوا الشعب الجزائري الرافض لهذه المناورة، ويضللوا الرأي العام الدولي بكون قضية الصحراء المغربية هي قضية احتلال بالنسبة للمغرب، وقضية دعم حرية شعب في تقرير مصيره وإسناد حركة تحريرية بالنسبة للجزائر.
وفي سبيل هذه المناورة والمقامرة الخاسرة أهدرت الطغمة العسكرية الحاكمة آخر ما تبقى من ثروة البلاد في الإنفاق الباهظ على السباق نحو التسلح، وتحريك الآلة الدبلوماسية في الاتجاهات الأربع للعالم. وتراهن الطغمة العسكرية وهي تستهتر بمصير الشعب الجزائري وتضع مستقبله ومصالحه في كف عفريت، تراهن على أن يسند لها من خلال السياسة الأمريكية الدولية، دور إفريقي، يمكنها من ان تنصب شرطيا للصحراء الافريقية الكبرى، بالرغم من أن التحولات الدولية ودخول العالم مرحلة سياسية جديدة، قد جعلت هذه الأدوار في حكم المتجاوز، بل أن مسار وظيفة شرطي المنطقة، لم يفضي بالدول التي سخرت لها الا الى مصير قاتم، مجلل بالهزائم والفشل الذريع.
وفي سباقها نحو التسلح وما ينتج عنه من دوس على المصالح الاستراتيجية العليا للمنطقة المغاربية، وإحباط لتطلع شعوبها نحو التوحد، تخطط جزائر - بوتفليقة - من خلال - رؤية سياسية متهالكة - لاستباق التطورات المرتقبة بالقارة الإفريقية في سياق ما تهييء له السياسة الدولية الأمريكية، اعتمادا على تقييمها لخطورة الفراغ الأمني - حسب منظورها - في الشريط الممتد عبر الصحراء الأفريقية الكبرى، والفجوات التي تخترق حدود الدول المتاخمة لهذه الصحراء، واحتمال تنامي موجات إرهابية عابرة لهذه الفجوات.
غير ان سياسة جزائر بوتفليقة وهي ترنو لهذه الأطماع تحاول أن تغطي بورقة التوت، واقعا لا يرتفع، كون أن الفجوة الأمنية الكبرى تتواجد على الأرض الجزائرية وفي مربع صحرائها، التي يعاني الجيش الجزائر، عجزا مريعا في التحكم فيها، وضبط الجماعات المسلحة القابعة بها، والنافذة بين كثبان رمالها.
وأنها أيضا بإيوائها لمعسكرات تدريب وتسليح عصابات مرتزقة في صحراء تيندوف، تتحمل المسؤولية الكبرى، في رعي أعشاش الإرهاب وشبكاته، وتهيئ المناخ الملائم لتناسل كل ما من شأنه خلخلة الأمن وإشاعة التسيب في ربوع الصحراء الكبرى.
وكان الأجدر بجزائر – العسكر- وهي تتظاهر بعرض صولتها العسكرية أن تحمي نفسها وحدود سيادتها أولا، ماعدا إذا كانت هناك مصالح وحسابات مركانتيلية، ترغب عسكريتاريا الجزائر في تحقيقها، بالتنسيق مع المافيات الأفريقية العابرة للصحراء الكبرى، وموازاة معها الجماعات المسلحة، بتقديم الغطاء الأمني لها، والعون اللوجيستيكي والجيوستراتيجي.
إن التصعيد الأخير في الموقف العدائي ضد المغرب، لا يشكل سلوكا استثنائيا، بل هو نهج ثابت للوبي عسكري راسخ الأركان في المؤسسة العسكرية الجزائرية، التي تغتصب القرار السياسي والعسكري للجزائر، منذ أن حسم الصراع بين العسكري والسياسي ، إبان الثورة التحريرية العظيمة للشعب الجزائري ، وانتهى بعلو العسكري فوق السياسي علوا دمويا، باغتيال العقل السياسي للثورة ومنظرها الإيديولوجي : عبان رمضان، وعلى الأرض المغربية التي كانت تحتضن آنذاك قواعد الثورة الجزائرية.
والجناح ذاته الذي واجه الرأي السياسي بلغة الاغتيال والتصفيات، هو الجناح الذي آلت إليه مقاليد الجزائر، غصبا ، حينما استولى على السلطة، فجر الاستقلال، فارضا على الشعب الجزائري وعلى مكونات جبهة التحرير، حكومة قادمة إلى العاصمة الجزائر على متن الدبابات ومن فوق فوهات المدافع.
وتناسل هذا الاغتصاب، بقهر الرأي المخالف ، وشل ديمقراطية الإختيار السياسي، لينجب المؤامرات المتوالية، والانقلابات، والانقلابات المضادة، والتصفيات الإقصائية، والاغتيالات، إلى أن رسا على الاغتيال السافر والشنيع للاختيار الحر للشعب الجزائري خلال انتخابات 1991 ، فأغرق بعد ذلك البلاد في بحر من الدماء لا شاطىء له.
ومن صلب هذه المدرسة التآمرية رشحت نظرية الدعاية المسمومة التي تصم المغرب بأنه بلد محتل، وترفع المرتزقة الانفصاليين إلى مرتبة المقاومة المسلحة.
غير أن الشعب الجزائري واع تمام الوعي، بانبتات صلته وانعدامها قطعا، بقضية وهمية، هي من مخلفات الكيد الاستعماري، التي تشربها ثقافة في المدارس العسكرية الفرنسية طابور خامس من ضباط الجزائر، وكان من قدر الشعب الجزائري أن يرسف في أغلال هذا الطابور المتسلل تحت عباءة الثورة الجزائرية في الساعة الأخيرة، والمصفي من بعد، لأغلب قادتها ورموزها وكوادرها وقواعدها.
والشعب الجزائري، واع أيضا، من جهة أخرى ، بأن القضية، هي قضية مصيرية للمغرب شعبا ودولة وملكا، ومن ثم فالمعادلة بين الطرفين مختلة الميزان، إذ أنها بالنسبة للمغرب معركة تحرر وتحرير، ومحطة تاريخية لاستنهاض الهمم وتعبئة الإرادات ورص الصفوف ، وهي بالنسبة لنظام الطغمة العسكرية في الجزائر : انتحار سياسي، وسقوط في هاوية المجهول، ودفع لمشروع وحدة المغرب العربي نحو وهدة الإفلاس والضياع والتبخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزايد اهتمام المغرب وإسبانيا بتنفيذ مشروع الربط القاري بينهم


.. انقسام داخل إسرائيل بشأن العملية العسكرية البرية في رفح




.. الجيش الإسرائيلي يصدر مزيدا من أوامر التهجير لسكان رفح


.. تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على وسط قطاع غزة




.. مشاهد لعاصفة شمسية -شديدة- ضربت الأرض لأول مرة منذ 21 عاماً