الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من عبد الله القصيمي إلى أنسي الحاج

هادي بن رمضان

2013 / 12 / 1
حقوق الانسان


من عبد الله القصيمي -بعد طرده من لبنان- إلى أنسي الحاج :


صديقي أنسي الحاج : كلما أردت ان أنسى, أن أصمت, أن أغفر, لم أستطع . لبنان يتسع لكل هذا, لكل هؤلاء, ثم يختنق ضيقا بهذا الإنسان . أخلاق لبنان, تسامح لبنان, حرية لبنان, تهضم كل هذا الطعام, كل هذا الطعام الرديء, كل هذا الطعام الفاسد, كل هذا الطعام المغشوش, ثم تخرج عن كل وقارها, عن كل تسامحها, عن كل حرياتها, رافضة أن يكون بين أطباق هذا الطعام الرديء الفاسد المغشوش هذا الطبق الواحد, هذا الطبق الواحد, هذا الطبق الواحد. صحة لبنان تستقبل كل هؤلاء الحاملين لكل سلالات الأوبئة, لكل الجراثيم المعدية, تستقبل كل هؤلاء الحاملين لكل منابت الأمراض, تستقبلهم بمناعة, بشجاعة, ثم ترتجف خوفا من هذا الإنسان, خوفا من الجراثيم التي لا يحمل هذا الإنسان واحدا منها, خوفا ممن لا يحمل احتمالا من احتمالات الخوف. فكر لبنان يواجه كل الأفكار المتحدية, كل الأفكار المناقضة, كل الأفكار الشاذة والرديئة والسخيفة والبليدة, يواجه كل الرياح, كل الأعاصير, دون أن يغلق على نفسه الأبواب, دون ان يدخل السراديب والكهوف بحثا عن الحماية, عن الأمان. ثم ينهض بكل موكبه الرسمي, بكل أجهزته الرسمية, لكي يعاقب إنسانا بالطرد المهين, خوفا من أن يكون هذا الإنسان خطرا على فكر لبنان, على نظامه, على أربابه, على معابده, على أمنه, على سلامته, على رخائه, ثم ينهض لبنان بكل موكبه الرسمي, بكل أجهزته, بكل قوة الدولة فيه, لكي يغلق كل أبوابه, لكي يضع كل الحراسة على كل حدوده ومطاراته, خوفا من هذا الإنسان الذي يحتمل أن يكون احتمالا من احتمالات التحدي, الذي لا يحتمل أن يكون كذلك. لبنان يعيش كل هذا الذي يعيشه, يعيش كل هؤلاء الناس, كل هذه المذاهب, كل هذه الخصومات, كل هذه التناقضات, كل هؤلاء العملاء المتجندين في كل الجبهات, لبنان يعيش كل هذه الـأخلاق, كل هذا الخروج على الأخلاق, يعيش كل هذه الأفكار, كل هذا الخروج على الأفكار, ثم يعجز أن يعيش إنسانا واحدا, أن يعيش فيه إنسان واحد, ثم تنهض كل سلطة الدولة في لبنان لكي تعاقب بالطرد المذل إنسانا واحدا, إنسانا لا يحتمل ان يكون تحديا لأحد ولا هزيمة لأحد ولا منافسة لأحد ولا إزعاجا لأحد ولا إهانة لأحد ولا إحراجا لأحد. لبنان يعيش كل هذا الذي يعيشه, كل هؤلاء الناس, كل هؤلاء العملاء الذين يعيشهم, ثم يعجز أن يعيش هذا الإنسان, ثم يرفض أن يعيش فيه هذا الإنسان, ثم يخاف أن يعيش فيه هذا الإنسان. يخاف على أفكاره, على مذاهبه, على أربابه, على تاريخه, على الهته, على أمجاده, على صداقاته لجيرانه, على تعامله معهم, يخاف على كل ذلك من هذا الإنسان العربي الواحد الذي لا يستطيع أن يكون إغراءا ولا تخويفا... الذي لا يستطيع أن يكون تهديدا لمصالح أحد ولا خطرا على فساد أحد. إذن كيف أستطيع أن أنسى أو أصمت أو أغفر ! إذن كيف تستطيع أنت أن تنسى أو تصمت أو تغفر ! إذن كيف يستطيع أي لبناني أن ينسى أو يصمت أو يغفر ! إذن كيف يستطيع أي إنسان أن ينسى أو يصمت أو يغفر ! إذا كيف يستطيع أي شاعر, أي مفكر, اي فنان, أن ينسى أو يصمت أو يغفر ! ان صورة رهيبة دميمة مهينة تعيش الان في عقلي, في أعصابي, في أحلامي, تعذبني, تهزمني, تشتمني, تتحدى كل نماذجي الأخلاقية والفكرية والإنسانية, تتحدى كل ما تعلمت, كل ما سمعت, كل ما قرأت, تتحدى كل أربابي, كل زعمائي, كل تاريخي, كل ابائي, كل أنبيائي, كل المعلمين الذين جاءوا ليعلموني معنى الشجاعة في الإنسان, معنى الصدق, معنى الكرامة, معنى العدل, معنى الرفض, معنى الكبرياء . إنه يملك شيئا يجب أن يظل يملكه, يجب أن يزداد له إمتلاكا. انه يملك الانفتاح الانساني, يملك القدرة على استقبال كل احتمالات الإنسان, كل صيحاته , كل مستوياته, كل تحليقاته, كل ما فيه من شعر, من نبوة, من إيمان, من رفض للإيمان, من ذكاء, من غباء, من حقيقة, من خرافة, من تحد, من استسلام . انه يملك الانفتاح لكل انسان, انه يملك الانفتاح على كل إنسان, انه يجب ان يملك كل هذا الانفتاح, ان يظل يملكه, ان يقاتل ليملكه, ليظل يملكه, وإلا فماذا يمكن ان يظل له, أن يتمسك به, ان يناضل دونه, أن يزعمه لنفسه . أتمنى ان يتجمع في لبنان كل فرسان التاريخ, كل جياد التاريخ, ليهزموا عنه هذه الهزيمة, ليغسلوا عنه هذه الحطيئة, ليردوا إليه تسامحه, حريته, كرامته, استقلاله, انفتاحه على كل الافاق, لكل الافاق, ليجعلوه ملكا لكل الناس, دون أن يملكه أحد من الناس, ملكا لكل الأفكار, دون أن يتحول إلى عبد لبعض الأفكار, إلى عدو لبعض الأفكار . أتمنى, أتمنى لك يا لبنان, أتمنى أن تكفر عن هذه الخطيئة, عن هذه الإهانة, أن تكفر عنها بعنف, بقوة , بإصرار , بصراخ , بفروسية . أتمنى, أتمنى ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المجاعة تخيّم على غزة رغم عودة مخابز للعمل.. وانتظار ل


.. مع مادورو أكثر | المحكمة الدولية لحقوق الإنسان تطالب برفع ال




.. أزمات عديدة يعيشها -الداخل الإسرائيلي- قد تُجبر نتنياهو على


.. وسط الحرب.. حفل زفاف جماعي بخيام النازحين في غزة




.. مظاهرة وسط تونس تدعو لإجلاء المهاجرين من دول جنوب الصحراء