الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنسا وبريطانيا ... نقاط الاتفاق والاختلاف

ماجدة تامر

2005 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


ما من مسألة سياسية تشغل العالم اليوم بأسره مثلما هي قضية الحرب على العراق ونتائجها الكارثية. فقد شقت هذه الحرب صفوف الدول والأمم والشعوب ، بل صدعت صفوف الأسر نفسها. واستطاعت أن تجعل الأصدقاء أيضا يقفون في مواجهة بعضهم بعضاً ، وأطاحت بالتحالفات الراسخة القائمة على مدى السنين والعقود .

كما أطاحت هذه الحرب ببعض المسؤولين من مناصبهم ، كما هو حال رئيس الوزراء الأسباني السابق "خوسيه ماريا أزنار" ، الذي عصف به الناخبون الأسبان ، إثر تفجيرات مدريد الشهيرة ، التي عزوها مباشرة لمشاركته في الحرب على العراق .

ويكمن أكبر انقسام لهذه الحرب ، في قلب الاتحاد الأوروبي . ذلك أن بريطانيا تعد حليفاً رئيساً للولايات المتحدة في حربها على العراق ، بينما تمثل فرنسا أشد منتقدي الحرب . وبينما يزعم " بلير " ، مرددا أصداء حليفه الرئيس بوش ، أن الحرب ستأتي بالحرية والديمقراطية إلى العراق نجد أن الرئيس الفرنسي " جاك شيراك " ، يشجب الحرب ، واصفاً إياها بأنها كارثة ، لن تثمر شيئاً سوى المزيد من الكراهية للغرب والفوضى والدمار.

فكيف سيؤثر هذا النزاع على العلاقات بين هذه البلاد ؟ وهل كفت بريطانيا وفرنسا عن أن تكونا حليفتين؟ أليست فرنسا القبلة المفضلة للسياح البريطانيين ؟ ألم يشترِ مئات الآلاف من البريطانيين، بيوتاً لقضاء عطلاتهم في فرنسا ؟ أولم يكن الطريق الحديدي المار تحت القناة الإنكليزية ، حبلا سرياً يصل بين البلدين والشعبين ؟ .

في وقت مبكر من العام الجاري، حلّت الملكة البريطانية " إليزابيت" ضيفة على فرنسا ، في زيارة رسمية للاحتفال بالذكرى المئوية لاتفاقية " التفاهم الودي " بين البلدين ، وهي الاتفاقية المبرمة في عام 1904 بين كل من بريطانيا وفرنسا ، اللتين كانتا القوتين العظميين في ذلك الوقت. بقصد وضع حد مؤقت للتنافس الاستعماري ، ووقف الصراع فيما بينهما على المستعمرات والنفوذ الإمبريالي .

وبموجب تلك الاتفاقية، أعيد ترتيب وتقسيم المصالح ومواقع النفوذ الاستعماري بين الدولتين، بحيث مُنحت فرنسا يدا مطلقة في المغرب، بينما أطلقت فرنسا في المقابل يد بريطانيا في مصر.
ثم مضت الدولتان العظميان، شوطاً أبعد في توزيع مناطق النفوذ الاستعماري فيما بينهما في مناطق أخرى عديدة من العالم، شملت كلا من بورما ونيجيريا وإندونيسيا . حدث ذلك قبل وقت بعيد من اندلاع الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، وهي الثورة التي أدت إلى نشوء الاتحاد السوفييتي. كما حدثت تلك الاتفاقية قبل وقت بعيد من بروز الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها الدولة العظمى الأولى في العالم.

في عام 1904، كان القلق المتنامي والمتبادل حيال تصاعد القوة الألمانية قد دفع المسؤولين في كل من باريس ولندن للجلوس معاً ، وتنسيق الخطط فيما بينهم . يذكر أن ألمانيا كانت قد عولت على نحو خاص ، وبنت خططها التوسعية على أساس التنافس القائم بين كل من البريطانيين والفرنسيين، باعتبار أن ذلك يعتبر البيئة الملائمة لتحفيز التطلعات الألمانية التوسعية في القارة الأوروبية وما وراءها .

غير أن اتفاقية " التفاهم الودي" التي أبرمها الطرفان البريطاني والفرنسي في عام 904، قطعت الطريق على تلك الأحلام الألمانية، ووضعت تطلعاتها تحت الرقابة المشتركة لكلتا الدولتين .
وقد كانت تلك الرقابة، أحد النصوص التي نصت عليها الاتفاقية المبرمة وأدت تلك الاتفاقية المبرمة بين الجانبين لاحقاً إلى نشوء تحالف كان له الفضل في دحر وهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 .

بيد أن ذلك التحالف لم يدم طويلا، ففيما يتصل بالنزاع الإمبريالي حول منطقة الشرق الأوسط بين الحربين العالميتين، كانت فرنسا وبريطانيا أقرب إلى الخصومة منهما إلى التحالف .

فمما لا شك فيه أن بريطانيا لعبت دوراً حاسماً في وضع حد للوصاية الفرنسية على كل من سوريا ولبنان، الأمر الذي أثار حفيظة فرنسا وتخوفاتها من أن تكون بريطانيا تنوي الانفراد بالسيطرة على العالم العربي كله .

والحقيقة التي لابد من الاعتراف بها، هي أنه وخلال العقود العديدة الماضية التي أعقبت إبرام اتفاقية " التفاهم الودي" بين البلدين ، أن الإسمنت الذي صنعت منه خلطة تلك الاتفاقية، لم يكن من القوة والتماسك بما يكفي، للتوحيد بين فرنسا وبريطانيا على نهج التحالف والتعاون المستمر مع بعضهما بعضاً .
وعليه ، فقد آثرت بريطانيا توثيق علاقاتها ومصالحها بالولايات المتحدة الأميركية، بينما آثرت فرنسا أن تنهج نهجاً مستقلا في تحديد مسارها وسياساتها .

ولدى الرجوع إلى منتصف القرن الماضي أو ما يزيد عليه قليلا ، فإن في وسع المرء أن يلحظ ثلاثة أو أربعة منعطفات رئيسية، مرت بها العلاقات البريطانية – الفرنسية .

أولها أن الهزيمة الساحقة التي ألحقتها ألمانيا بفرنسا في عام 940 ، قد تركت أثارا وتداعيات ذات أهمية بالغة . وحين كانت بريطانيا تحارب ذودا عن حدودها في تلك اللحظة الحاسمة من الحرب العالمية الثانية ، كانت تدرك جيدا أنه لا سبيل لها للاعتماد على فرنسا مطلقا. فاستدارت حينها مستنجدة بالولايات المتحدة الأمريكية . ومنذ ذلك اليوم، بدأ اعتماد بريطانيا على الولايات المتحدة، وولد ما يسمى بعلاقة" الشريك لأصغر" معها وهي العلاقة التي تظهر تجلياتها الحالية في الحرب على العراق .

أما المنعطف الثاني المهم، فقد كانت حرب قناة السويس عام 1956.
ويذكر أن كلا من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، قد شاركت في العدوان الثلاثي الشهير على مصر. بيد أن الضغط الأمريكي، أرغم دول العدوان الثلاث على التراجع المذل عن ذلك العدوان .

ومن جانبهما فقد تعلمت كل من لندن وباريس ، ذلك الدرس الكارثي على نحو جد مختلف ، حسب تفسير كل منهما لما حدث . فقد توصل رئيس الوزراء البريطاني آنذاك " هارولد ماكميلان " إلى أنه لم يعد ممكناً لبريطانيا الوقوف في وجه الولايات المتحدة الأميركية .
على نقيض ذلك استنتج رئيس الوزراء الفرنسي" شارل ديغول" آنذاك أن على فرنسا أن تنهج نهجا مستقلا ، وتشرع في تطوير قوى الردع النووية الخاصة بها .

وهناك منعطف ثالث مهم أيضا في تقرير مصير هذه العلاقة وآفاقها ، يتمثل في بروز السوق الأوروبية المشتركة خلال عقد الخمسينيات. وتضم هذه السوق كلا من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ .
وقد نظرت فرنسا بصفة خاصة إلى تلك السوق باعتبارها دواء ناجعا لمداواة جراح عدائها القديم مع ألمانيا، وفرصة للتصالح معها . بل أنها رأت في تلك السوق والعلاقة الناشئة من خلالها ، فرصة أكبر من مجرد لأم الجراح الثنائية القديمة ، لكونها يمكن أن تكون لبنة أساسية لبناء اتحاد أوروبي متكامل، يكون له من النفوذ والقوة، ما يمكنه من الوقوف في وجه كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي.

أما بريطانيا فقد كان لها موقف آخر، إذ رفضت الدخول في السوق الأوروبية المشتركة لحظة تأسيسها ، وسعت إلى إضعافها وتمييعها على شكل منطقة واسعة للتجارة الأوروبية فقط ، بقصد أن ينتهي دورها في حدود النشاط التجاري لا أكثر، وألا يكون لها أي نفوذ سياسي .
واليوم فإن الكثيرين يعتقدون أن التوسع الكبير للاتحاد الأوروبي في هذا العام، من خمسة عشر إلى خمس وعشرين عضو، والتوسع المتتابع والمحتمل لعضويته بانضمام كل من بلغاريا ورومانيا في عام 2007، وربما تركيا كذلك في عام 2015، إنما تعد انتصارا للتصور البريطاني القزم للاتحاد ، على حساب التصور الفرنسي .

ومما لا شك فيه أنه في وسع اتحاد أوروبي مؤلف تقريبا من 28 دولة ، أن يشكل قوة اقتصادية هائلة، بل إنه يمثلها في الواقع سلفا ً. بيد أن ذلك لن يشكل نفوذاً سياسياً بالضرورة . ذلك أن خلافات سياسية كبيرة وعميقة قد دبت فيه منذ زمن ليس بالقريب ، مثلما كشفت لنا مؤخرا الحرب على العراق . لكن وبعيدا عن خلافاتهما ، فإن لكل من فرنسا وبريطانيا تطلعات مشتركة .

فكلاهما يطمحان إلى أن يكون لكل منهما صوت قوي وصدى في فضاء واشنطن ، باعتبارها العاصمة السياسية للدولة العظمى الوحيدة الآن في العالم . وتسعى بريطانيا للتأثير على واشنطن عبر التحالف الوثيق معها. أما فرنسا فتسعى لتحقيق الهدف ذاته، ولكن بطريقتها الخاصة التي تعتمد على انتهاج مبدأ التعارض والاستقلالية في نظرتها حيال العالم وما يدور فيه من أحداث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام لطلاب جامعة غنت غربي بلجيكا لمطالبة إدارة الجامعة بقط


.. كسيوس عن مصدرين: الجيش الإسرائيلي يعتزم السيطرة على معبر رفح




.. أهالي غزة ومسلسل النزوح المستمر


.. كاملا هاريس تتجاهل أسئلة الصحفيين حول قبول حماس لاتفاق وقف إ




.. قاض في نيويورك يحذر ترمب بحبسه إذا كرر انتقاداته العلنية للش