الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منزلنا الريفي ( 21 )

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2013 / 12 / 1
الادب والفن


كان آباؤهم يشتغلون في هذه المزرعة ذات يوم، لكنهم هرموا الآن، كانوا يعملون في ظروف شاقة من مشرق الشمس إلى مغربها، لقد حفروا الأرض، وشقوا الطرقات، وكسروا الصخور، فغرسوا الزيتون والأشجار في أسافل وأعالي تلك المرتفعات، فتحولت إلى خضرة تعم الربوع، أما صاحب المزرعة فإنه يأتي إليها كل نهاية أسبوع للتنزه مع عائلته الفخمة . لقد شيد منزلا جميلا، وامتلك سيارة باهرة، ويقول القائلون : " لقد قام بذلك لغسل الأموال "، لكن لا أحد يدري ما إن كان ذلك يجانب الصحة أو الخطأ، فالمهم أنه اشترى أرضا من هؤلاء العمال، فأصبحوا يعملون لمصلحته مقابل بضعة قروش ؛ كانوا يشتغلون طيلة سنة أو ما يزيد، و لا يمنحهم أجرهم إلا بعد مضي أعوام وأعوام، فالبعض كان يحصل على أجره، والبعض الآخر يتم تجاهله، لقد كان يستغلهم أشد الاستغلال، فليس هناك أي عقد بينهم وبينه، و كان يفرض ذلك كشرط أولي قبل بداية أي عمل، ونظرا لظروف الفقر والفاقة والعوز والجهل والحاجة، فإن القرويين كانوا يلهثون من أجل الحصول على تلك القروش، فلم يفكروا يوما في الوحدة من أجل مصالحهم، فالعكس هو الذي كان يحصل، فكانوا يتنابزون ويتصارعون داخل العمل من أجل التقرب من رؤسائهم .
انتهى العمل، وتشظى كل شيء، ورمى صاحب المزرعة هؤلاء القرويين – الأقنان، فالبعض غامر من أجل الهجرة إلى الديار الإيطالية، والبعض الآخر فشل، لكن الملفت للانتباه أن العديد منهم ممن شاخ مبكرا، وتقوس ظهره، وفقد عافيته إلى الأبد...وخيم الحزن على سماء كرزاز .
تمر عقود وأعوام، ويتبدد الحلم الإيطالي، ويعود هؤلاء المهاجرون خائبين، فيرجعون إلى سيدهم ليشتغلوا موسميا في مزرعته، أما هؤلاء الذين شاخوا، فإنهم يرسلون أولادهم الذين غادروا المدرسة لإعادة إنتاج الاستغلال .
فشلت المدرسة نهائيا، كيف يمكن أن تنجح والتلميذ القروي يقتات على الفشل ؟ إن التلميذ يذهب إلى المدرسة، وفي دواخله الفشل، إنه فشل الأسرة وفشل المجتمع، وفشل الحلم، وعندما تفشل كل هذه الأشياء ؛ تتحول المدرسة إلى جدران تتآكل تدريجيا، لم يعد هناك فرق بينها وبين القبور التي تجاورها، إنها تنتج الأموات، فمن أربعين تلميذا دخلوا إلى المدرسة في شتنبر 1997، لم يحصل على البكالوريا سوى تلميذ واحد في يونيو 2009، أما التسعة والثلاثون الآخرون، فتساقطوا مثل من شربوا السم بجرعات متفاوتة . إن هناك علاقة وطيدة بين ذلك السيد الذي يتنزه قرب مزرعته، وبين هؤلاء الذين يتحكمون في المدرسة، ويصنعون ممارساتها، فهذا السيد الذي يستغل أبناء الفقراء – الأقنان، والذين فرض عليهم التجهيل بسبب مغادرتهم للمدرسة، أرسل أبناءه إلى مدارس البعثة الفرنسية لينجحوا ويهيمنوا على مقدرات البلد، نفس الشيء بالنسبة لهؤلاء الذين يتحكمون في المدرسة، فلو كان فشلها يعنيهم، ويعني مستقبل أبنائهم، لوجدوا لها الحلول الممكنة لتخرج من موتها وتعانق الحياة .
إن الفشل سياسة تمارس السياسة على هؤلاء الذين فرض عليهم وفق آليات التجهيل بالاعتكاف عن السياسة، ومن ثمة إن الفشل فشل وجودي وتاريخي يعاد إنتاجه على الدوام من طرف النظم التنشئوية، فهؤلاء الآباء الذين اشتغلوا لمصلحة أسيادهم ورثوا العبودية من آبائهم وأجدادهم الذين باعوا الأرض لأسيادهم، فلو أرادوا الحرية لما باعوها، فالذي يبيع أرضه يبيع حريته، والذي يفقد حريته يفقد كافة حقوقه ويستباح جسده، ويتعرض لأبشع الاستغلال .
ذات صباح شيع جثمان طفل، لأن زميلا له في العمل هوى عليه بفأس ؛ يا ترى من المسؤول إذن ؟ تبكي النساء، تنشج العجائز، وفي الجموع رأيت عجوزا يحدق في مكان قرب القبر . المقبرة أصبحت حياة المعذبين في الأرض، أما الحياة فجحيم لا يطاق ...
عبد الله عنتار – الإنسان - / 30 نونبر 2013 / بني كرزاز – بنسليمان – المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك


.. محمود حميدة يحمل الوهر الذهبي من مهرجان وهران للفيلم العربي




.. تفاصيل أول زيارة لمصر من الفنان العالمي كامل الباشا?? #معكم_


.. خطبة باللغة العربية.. ما الرسائل التي أراد المرشد الإيراني إ




.. تاريخ كبير للفنان الفلسطيني???? كامل الباشا ?? #معكم_منى_الش