الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في حكاية -كلب بن بكلب- ل توفيق بن بريك

رحمة البلدي

2013 / 12 / 3
الادب والفن



"كلب بن كلب" هو عنوان الرواية الصادرة حديثا للشاعر توفيق بن بريك عن دار أبولونيا للنشر في طبعتها الثانية 2013. جاب خلالها "سعد كوبوي"، بطل الحكاية 200 صفحة من الحجم المتوسط يسرد فيها بحذر بالغ تفاصيل ذاتية، عائلية ومجتمعية دقيقة، تماما مثلما جمع الكلاب ليبني دولة السعادة والمساواة.


*الكاتب:
توفيق بن بريك مرشّح لجائزة نوبل للآداب، سنة 2012. رفض جائزة "المجتمع الحرّ" سنة 2011. مؤلف جريدة ضدّ السلطة. من مواليد سنة 1960 بجبل منجم جريصة. من عائلة نقابية و أصول عمّاليّة قرويّة. مواطن مقاوم، سلاحه الكلمة. يؤمن بالتقدّم والمساواة. يحبّ الشعر والرواية والفلسفة والجدلية والمسرح والسينما والرقص والموسيقى والعطر والنساء والثوب الأنيق والأكل اللذيذ والشراب الفاخر والصداقة والصديق.


*غواية العنوان:
لا يمكنك وأنت تقف عند عتبة عنوان رواية "كلب بن كلب" ولا تستحضرك الأسئلة ويجول في ذهنك كل ما يمت لهذا العنوان بصلة، بالنسبة لمخزوني الشعبي كانت عبارة سمعتها في الأزقّة الخلفيّة للشوارع المضيئة، أتذكر هذه المقولة بصفة خاصة لأنها تذكرني بقدرة الإنسان على اختلاق الدعابة والشتائم في ظل حرمانه من أبسط سبل الحياة. كان "شرّ" يحفر نفقه نحو الخلاص من سجون تحت الأرض، كان يردّد أمام "البشر": "نَحْنَ كْلاَبْ أَمَّا إنْتُمْ أَقَلْ مِـ الكْلاَبْ". .


*المكان:
يحتلّ المكان في هذه الحكاية مساحة واسعة واشتغال واضح على المفارقة المكانية بين البلد الواحد واختلاف مدنه: "خَاطِي اللَّعِبْ، التِكْزَاسْ سْـﭙ-;-ِيسِيَالْ مَاهِيَاشْ كِـ تَاجِرْوينْ و إِلاَّ سِيدِي بُوزِيدْ و الڤ-;-َصْرِينْ. مَا تِبْنِتِشْ كِيفْهُمْ عْلَى رَاسْ كَلِبْ، إِيڤ-;-ُصْهَا كَيَّاصْ طْوِيلْ إِيسَكْسِكْ بِـ الڤ-;-ِينْيَهْ. التِكْزَاسْ مْدَوْرَهْ، مْعَبِيَهْ بِـ الشِّجَرْ، مَا تُرْڤ-;-ِدِشْ الِلّيلْ. النَّاسْ تُخْرِجْ تَسْهَرْ، إِلِّي يَلْعِبْ فِي الشِطْرَنِجْ يَلْعِبْ، إِلِّي يَلْعِبْ فِي الدِيمِينُو يَلْعِبْ، إلّي إِيشَكِّلْ إِيشَكِّلْ. سِينِمَا و مَسْرَحْ و كُتُبْ و شْرَابْ وقْحَابْ، الخَدَّامَهْ، الزّْوَفْرَهْ، المِينُورْ إِلِّي يَهْبِطْ لِـ الدَّامُوسْ إِيعِيشْ كِـ البَحَّارْ، إِيعِيشْ لَخْطَرْ، مَاشِي لِـ المُوتْ.". وقد أجاد إبراز المعالم والوصف بما يتناسب مع المشهد الداعم للأحداث، الشيء الملفت أن ثمّة حبّ مفرط للجريصة والذي يصّر بن بريك على أن يخرج كل أبطاله من قاعها: "فِي التِكْزَاسْ أَكْبِرْ نَقَابَهْ فِي لِبْلاَدْ. بَاطَيُونْ نَقَابِي، كِـ إڤ-;-َرّْفُوا إِزْلْزْلُوا الجْبَلْ لَسْودْ. خَدَّامِةْ الدَّامُوسْ مَا يْصَبْحُوشْ عْلَى لَعْرَافْ و الشَافَوَاتْ. آتْ شَافُوا خَدَّامْ يِتْمَسْكِنْ لِـ شَافْ مِـ الشَافَوَاتْ، يِتْبَسْمَحْلُو، إِيطَوِّلْ فِي لَحْدِيثْ مْعَاهْ، يُرْشْمُوا عْلِيهْ بِـ لَحْمِرْ. التِكْزَاسْ، سِينِمَا و بِيرَانْ و جْنَايِنْ و تِينِيسْ و تْبَزْنِيسْ وﭙ-;-ِيتَانُكْ و مِينَهْ و نَقَابَهْ و ڤ-;-َرَافَاتْ و مُظَاهْرَاتْ و النِّيفْ مِنْ فُوڤ-;-ْ.".


*اللغــة:
تعتمد الحكايـة على اللغة الاجتماعية أو المشتركة، ولكن كيف يتمّ العبور وماذا يحصل للكلمات عندما تغادر نطاق التبادلات الاجتماعية لتصبح كلمات الحكايـة؟ الفلاسفة، والخطباء، والأدباء يختارون كلماتهم. بحسب معانيها، أو طبقا لفاعليتها الأخلاقية والسيكولوجية. أما بن بريك فلا يختار كلماته. عندما نقول إن بن بريك بحث عن لغته ووجدها، فلا يعني ذلك أنه أسرع إلى المكتبات أو الأماكن العامة بحثا عن صيغ قديمة أو جديدة. وإنما هو نجح في مزج كلمات تخصّه حقيقة، متأصلة في داخله، بتلك التي يدين بها للشارع. بن بريك لا يستخدم الكلمات، بل هو الذي يخدمها. وعليه، فإنه يعيدها إلى طبيعتها المطلقة، ويجعلها تستعيد كينونتها: "مَا نْڤ-;-ُولِشْ مَا فَمَّاشْ، مَرَّهْ عْلَى مَرَّهْ، جُمْلَهْ و إلاَّ كِلْمَهْ شَارْدَهْ، مِتْهَوْرَهْ، مِتْشَرْدَهْ، مِنْ غِيرْ رْبَاطْ و لاَ مُوثِڤ-;-ْ، تُدْخُلْ أُرْدِرْ رَاسْهَا، إدِّزْ و تُوخِذْ بُقْعِةْ غِيرْهَا، الشَّيْ هَذَا يُحْصُلْ و مَا عَنْدِكْ عْلِيهْ حَتَّى سُلْطَهْ. طَفِّي الضَوْ وإحْسِبْ رُوحِكْ مَا شُفْتِشْ. الجُمَلْ هَاذِي مَا إتْقَدِّرْشْ، مَا تِتْسْوَاشْ كِـ ذِيلْ الكَلِبْ إتْحُطُّو مْيَاتْ سْنَهْ فِي ڤ-;-َصْبَهْ، يَطْلَعْ إمْعَوجْ. بِـ الرْجُولِيّهْ، خَاطِي اللَّعِبْ، هَا الجُمَلْ لِمْصَعْصْعَهْ. الشِرْذْمَهْ الضَّالَهْ، الخَلاَيِقْ، البَانْدِيَّهْ، السُكْرَانَهْ، الزَّاطْلَهْ، المُشْ مِتْرَبْيَهْ، زُوفْرِيَّهْ، مَا هِيَاشْ بِنْتْ أَصِلْ، كَبُّولَهْ، فَاسْدَهْ، قَحْبَهْ، عَرْعُورْ، شُوهَهْ، إتْحَرْحِرْ لِكْتَابْ، ايِرَقْصُوهْ، إينَفْسُوهْ، إيفَلِفْلُوهْ، يَعْطُوهْ شْوَيَّهْ تْرِيسِيتِي و هْبَالْ و خْطَرْ، كِـ لِمْدينهْ مِـ غِيرْ بَافُونْ، أَرْصِفَهْ خَلْفيَّهْ و بْرَاكَاجَاتْ و بُورْدِيلْ وتَدْويرْ الرَّيْ، تْمُوتْ و تْوَلِّي تِشْبهْ لِـ سْويسْرَا، حْيُوطْ و بُولِسِيَّهْ تْغَنِّي بِـ الأَمْنْ و الأَمَانْ يَحْيَا هُنَا الإنْسَانْ. هَاذِي حْكَايَهْ؟ أُمِّي السِّيسِي و فِيهَا التْرِيسِيتِي. كْتِيبَهْ مَا تُخْرِجْشْ عَ السّْطَرْ تّْوَلِي كْتِيبَهْ عْدُولْ.".
بفضل حكايـة بن بريك تستعيد اللغة العامية دلالتها الحيوية والصوتية ودلالاتها الانفعالية والمعنوية، والمكروهة عموما من حرّاس المعبد القديم، أباطرة اللغة العربية. لغة الحكايـة حطمت الصورة اللاهوتية التي يفرضها "العادي". فهي رفضت الإرهاب الأبوي الذي تشيعه قواعد النحو والصرف والرسم، بما لها من تمرد منطقي وخلط في شرعها، ومع ما فيها من انزلاقات وحوارات ومحاكاة ساخرة. ولذا، فإن الكتابة باللغة العامية الشريرة وحدها استطاعت أن تعارض اطمئنان العالم: "إقْرِيتْشْ كَلِيلَهْ و دِمْنهْ؟ ما نِنْصْحِكِشْ. الرَّاجِلْ لِـ كِتْبُو مَاهُوشْ بَشَرْ. مَيَا فِي المْيَا صَبُّوهُولُو أوْلادْ بِسّْمِلَّهْ إِلِّي بْنُوا لَهْرَامْ و إِلِّي وَتْوتُوا لِلْخوَارِزْمِي لحْسَابْ و العْقابْ. مَا إينَجِمِشْ بشَرْ يكتِبْ كَلِيلَهْ و دِمْنهْ. مُشْ عَ لْحْكَايَهْ، لَحْكَايهْ النَّاسْ الكُلْ حْكَاتْهَا، أمَّا عَ الكْتِيبَهْ: كْتِيبَهْ كِـ الشِّطْرَنِجْ، رُقْعَهْ مِنْ فُوڤ-;-ْهَا كْلاَمْ فْيُولَهْ و مَلِكْ و عَسْكِرْ و قْصُورَهْ تِتْحَرِّكْ، كْتِيبَهْ كِـ المُوسِيقَى مَا تِتْشَدِّشْ، كِـ النِيَّهْ و سُوءْ النِيَّهْ، كْتِيبَهْ سَاهْلَهْ كِـ شَرْبِةْ مَاءْ، مَا يْنَجِمْهَا كَانْ لـِ خْلَقْ المَاءْ، مَا ثَمِّشْ جُمْلَهْ تِتِرْمَى، فَارْغَهْ، زَايْدَهْ، كُلْ جُمْلَهْ في بُقْعِتْهَا، عَالِمْ إمْكَورْ، إيدُورْ، إتْنَحِّي جُمْلَهْ، كَلْمَهْ، نُقْطَهْ، يُسْقُطْ الكُونْ عْلَى رَاسِكْ، كِـ المَاطْ و الفِيزِيكْ و صُرُّطْهُمْ الزُّوزْ شْلُطْ = (يُسَاوي). جَرِّبْ تَقْرَاهْ، إتْبَطّلْ لِكْتِيبَهْ. إتْڤ-;-ُولْ أعْلاَشْ نِكْتِبْ؟ مَا عَنْدِي مَا إنزِيدْ. الرَّاجِلْ عَلَّى البَارْ لْفُوڤ-;-ْ، غَلَّى عْلِينَا الخُبْزْ. بُوبْكَا، كَارِلْ لِيويسْ. إِلِّي إيڤ-;-َدِّمْ عْلِيهْ تِتْكَسِّرْ سِنِّيهْ. إِلِّي جَايْ مِنْ بَعْدُو إيضَحِّكْ النَّاسْ عْلِيهْ. مِنْ غِيرْ فْضَايِحْ و لاَ إتْرُومِيزْ. غَفَّاصْ. إرْكِيكْ. فَالْصُو. مَضْرُوبْ. بُوذَرُّوحْ. شْنُوَّى؟ مْغَطِّسْ في الصْدِيدْ. پْلاَسْتِيكْ. دْجَاجْ مَكِينَهْ. خَلْ. زِيتْ حَاكِمْ. عْرُوسِي المَطْوي و حْلِيمَهْ بِنْتْ الطَّايِعْ، حَمَّامَاتْ. ".


*الحكايــة:
الحكاية محطات من الألم والأمل، من الحرية والموت، من الحب والخوف، من السماء والأرض، من الجريصة إلى مونتريـال، من بغداد إلى مائدة يوغرطة، هكذا تتلون المحطات ليتلوّى معها الخيال والرغبة في إكمال الحكاية، كنوع من البحث في مصائر الشخوص المؤثثة لهذا العمل، بل للبحث عن أزمنته وأمكنته في ذاك الذي لم يقله بن بريك وأخفاه في مَلْيَةِ أمّه: "فِي رَاحَهْ منْ عَقْلُو، رْكِبْ رَاسُو و طْلَعْ لِـ السْمَاءْ، إِيڤ-;-ُولُوا عْلِيهَا سْمَاءْ، أَمَا مَاهِيَاشْ سْمَاءْ، جِتْ ما بِينْ فْضَاء وفْنَاءْ، دِنْيَا أُخْرَى، السْمَاءْ بِيضَهْ مَلْحْفَهْ، الشَّمِسْ أَبْيِضْ و أَبْيِضْ، السْمَاءْ مَاءْ و الشَّطْ بِلاَّرَهْ و لَعْبَادْ هوَاءْ. عْقَلِشْ خْيَالْ الحَاجْ مُحَمِّدْ لِبْرَاهْمِي، شَبْلُو، لْڤ-;-َاهْ مَازَالْ لاَهِي في دْمُومَاتُو وغَاطِسْ مْبَحْلِڤ-;-ْ فِي المُوتْ، الشَيْ جْديدْ عْلِيهْ، مَازَالْ مَا هَضْمُوشْ. سَعْدْ كُوبُويْ حْشِمْ يَسْهَلُو: "آشْ حْوالِكْ؟ كِيفِنّْهَا المُوتْ؟"." وكون حكايــة كلب بن كلب ليست رواية عادية يسلمنا إلي الحديث عن بناء الحكاية فأقول إنه من الصعب أن تضعها تحت أي بناء تقليدي، كالبناء المتتابع أو المتوازي مثلا، إن بناء الحكاية هنا بناء خاص، ذلك لأن الكاتب قد تخلّى عن وسائل القص التقليدي وعناصره، فالحكاية لدى بن بريك، مزيج من القصيد والدراما والسيمفونية والمسرح والسينما والرّسم. إننا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أن حكاية بن بريك تتخذ شكلا فريدا يتخطى الحركة العرضية والطارئة للسرد ضمن إطار القصة إنها جنس جديد يستعمل الرواية للتقرب من وظيفة السينما، ليكون السحر: "نَيْرُوز بْدِتْ بِـ فَازهْ، طَيْحِتْ الدَّاخِلِيَّهْ بِنْتْ فِي بُقْعِتْهَا المَكْتْبَهْ الوَطَنِيَّهْ. بَسْمْلِتْ بِٱ-;-سْمْ الـلَّهْ و شَدِّتْ سِكِّينَهْ مَاضْيَهْ و ذَبْحِتْ عْلَى صَخْرِةْ سُقْرَاطْ الفَقْرْ، كْلاَتُو مَاكْلَهْ، يِزِّيهْ مَا كْلاَنَا.".


*النهاية:
لا يتخلّى السرد عن هيبته ولا يستكين بحكم اقتراب النهاية، لأن في هذا الموت المتذبذب، إيقاعا خفيا يبقي اللحظات الأخيرة من الحكاية، متوترة وشيقة. تشدنا إلى نهاياتها دون أن تستعجلنا، إنه اسلوب يشبه نفخ الأنفاس في رئة غريق، أنفاس متلاحقة لا تتوقف، لذلك فإن حياة الحكاية، تستمر إلى آخر رمق ممكن، بالرغم من تورطها بكليشيه الموت كحادثة أخيرة: "غَطَّاهْ، شَدْ مْخَدَّهْ حَطْهَا عْلَى رَاسُو و بْكَى، لِلِّي طَلْعِتْ رُوحُو لِـ السّْمَاءْ، غَمِّضْلُو عِينُو، مْسَحْلُو لِبْزَاقْ مِنْ فُمُّو، كَهِّبْ عْلِيهْ و بَاسُو مِنْ جْبِينُو و زَادْ بْكَى: "نَمْ نَمْ حَبِيبِي نَمْ"، سِرْقُولُوا ڤ-;-َلْبُو الڤ-;-َتَّالَهْ، ڤ-;-َلْبْ مِيتْ و لاَ ڤ-;-َلْبْ فَلُّوسْ.".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة


.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد




.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم


.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?




.. لعبة الافلام الأليفة مع أبطال فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد