الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة بلا خيال

أماني فؤاد

2013 / 12 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


حكومة بلا خيال
د. أماني فؤاد

يمارس العقل البشري علاقة الاختلاف مع الواقع بالخيال ، وبالخيال المستند علي الابتكار والإبداع يجدد ويطور الإنسان الواقع المحبط الذي يرفضه ، فهو يحرر الثقافة السائدة ولا يجعلها تكرر نفسها ، او تماثل الماضي المستمر بقوة وسطوة الاعتياد والجاهزية في الحاضر.
لم تعد الممارسات السلطوية الماضوية ، غير المستندة علي رؤية واسعة ، وحيوية خلاقة ، ملائمة للسياق الجديد الذي تعيشه مصر الأن في ظل مناخ ثوري ، وأوضاع ثقافية اقتصادية غاية في التدني ، و يتطلب هذا من أية سلطة تتولي أمور البلاد أن تنجو بنا من التكرار التقليدي الذي اكتوي به الشعب في العقود الكثيرة الماضية ، وتهرب من الموروث المنجز والمكرس له من سلطات سابقة ، اختلفت مسامياتها لكن لم تختلف مماراساتها القمعية والانتهازية ، فخرج عليها المصريون منددين ورافضين .
حتي هذه اللحظة لم تأت علي رأس السلطة حكومة تمتلك رؤية للمستقبل ، لديها منهج موضوعي ومدروس ، غير تقليدي ، قادر علي التفاعل مع اللحظة السياسية الحرجة ، وشغل المصريين بقضاياهم الحقيقية المتعلقة بالبناء والعمل ، ورسم خريطة مستقبل تهب أملا .
هناك كثير من الظواهر سأشير إلي بعضها في هذا المقال ، وجميعها تدلل علي أن البلاد تتولى أمورها حكومة بلا وعي سياسي ناضج ، غير مستوعب لمحددات المشهد المختلفة ، كما أنها تفتقد الحنكة والتمرس السياسي ؛ لاستيعاب القوي الموجودة بالشارع المصري :
ــ يتبدي أول مظاهر فشل الحكومة في أن يبقي القضاء مسيسا ، وأن تخرج عنه أحكام مثل حكم فتيات الإخوان المتظاهرات ، بمثل هذا التشدد ، لبنات لم تتعد أعمارهن العشرين عاما ، وفي ظل هذا السياق المحتقن الذي تعيشه البلاد .
ــ ظهور قانون التظاهر بهذه المواد ، والذي كان الغرض الرئيسي منه في هذا التوقيت الحد من مظاهرات الجماعة والمتعاطفين معها ، ثم رفض الحكومة طرحه للتعديل رغم الانتقادات التي وجهت له ، ورغم أنه يحتوي عوارا واضحا ، فهو لا يتعرض في أي من بنوده لشكل الجزاء الذي ينبغي أن يقع علي المؤسسة الأمنية لو أنها تجاوزت في حق المتظاهرين ، أو ألحقت بأي منهم ضررا ، كما أنه لا يقيد رد فعل الشرطة و ضرورة تناسبه مع ممارسات المتظاهرين ، دون مغالاة في إجراءات الفض ، كما أن اشتراط الحصول علي أذن من القضاء حال رفض الشرطة لإخطار التظاهرة يُقلم حق المواطن في التعبير عن رفضه ، بل ويجعل الأمر عبثيا ، فهو حق قد أُعطي بيد وحجب باليد الأخري .
ورغم أني أشجع صدور قانون ينظم حق المواطن في التظاهر إلا أنني أراه بحاجة إلي مراجعته وتعديل مواده ، ولو أن هناك حنكة سياسية وتشريعية لأجلت الحكومة ظهور هذا القانون لحين وجود مجلس النواب المنوط به التشريع ، فالإخوان لن يلتزموا به الأن أو لاحقا ؛ لعدم اعترافهم بالسلطة التي أخرجته ، كما أن التوقيت الذي ظهر فيه القانون جمع دون قصد بين الإخوان وقوي ضد الانقلاب مثل "حركة 6 أبريل" الفوضوية ، وهو مالا يجب أن يحدث في هذه اللحظة ، لو أن هناك فطنة إدارة الأزمات .
ــ يتبدي فشل الحكومة أيضا في أحد تجلياته في التقصير عن احتواء طلبة الجامعات بمشروع فكري ثقافي ، يشرح الموقف السياسي المصري ، ويطرح بدائل رؤيوية للمتشددين منهم ، خاصة وأن الجميع يعرف أن تلك القوة لايمكن ضبطها لمقتضيات السن واندفاعاته ، كما أنها غير مقيدة بضغوط العمل والالتزامات الأسرية ، لذا تعد قوي قابلة للاشتعال السريع .
ــ تدلل أحداث جامعة القاهرة يوم 28 نوفمبر، والتي راح ضحيتها طالب الهندسة الذي لا ينتمي لأي تنظيم سياسي ، علي حالة من الفوضي والسيولة في التنسيق بين أداءات مؤسسات الدولة ، رغم وجود الأمن أثناء الواقعة ، لو أننا حللنا هذا المشهد لوجدنا أنه لم تزل هناك استباحة لحرمة الدم ، كما تظل فزاعة الطرف الثالث الخارج عن السيطرة الأمنية ، وعدم تحديد هويته ، كما تستمر بعض الممارسات العنيفة للشرطة في فض هذه التظاهرات ، وهو ما سيعيد أزمة الثقة مابين الشعب والمؤسسة الأمنية مرة أخري ، بل ويضع علامات استفهام حول أداء ونزاهة الأمن حيال إراقة الدم .
لو أن هناك خيال لحكومة تشكلت بعد ثورة ومدها التصحيحي ، لشغلت الشباب لا بقوانين وأحكام ترسخ لاستمرار ما خرجوا في ثورتهم لرفضه من فقد الحرية والعدل والكرامة ، بل دمجتهم في مشاريع كبيرة ، توظف فيها طاقاتهم ، وتدر عائد علي الاقتصاد المصري الذي ينهار ، لأوجدت أو فعَّلت علي سبيل المثال : مشروع لاكتفاء الذاتي من القمح ، أو مشروع تنمية محور قناة السويس بطريقة الاكتتاب ، للتغلب علي أزمات التمويل وقلة الموارد .
لو أن هناك منهجا لمكَّنت الشباب من كوادر الصفوف الثانية ، في كل المؤسسات والمناصب ؛ لتكسبهم الخبرات التي يحتاجون إليها ، كما تستفيد من رؤاهم الجديدة والثورية ، لو توفر الخيال والدراسة لوجهت لمشروع تعليمي ثقافي ، يقضي علي الأمية والعشوائيات ، ويوفر المشروعات الصغيرة التي تحرك الركود الاقتصادي ، و تشجع التصنيع بصفة خاصة .
الإبداع في السياسة كما الفن ، مُنقذ للحكومات القادمة من الوقوع في شرك التكرار والتكريس للدولة القديمة ، بعناصرها التي لم تعد مقبولة ، ولا رؤاها التي لم تعد تُناسب السياق الاجتماعي الثوري الذي تحياه البلاد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب