الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتْ ونْ...! ، حكاية من السماوة

عامر موسى الشيخ
شاعر وكاتب

(Amer Mousa Alsheik)

2013 / 12 / 3
كتابات ساخرة


سأعود بكم إلى ثمانينيات القرن الماضي ، حيث الاحتدام الحربي كان قائما عند الحدود العراقية الإيرانية ، كل شيء داخل حدود البلد والسماوة يعيش بهدوء مرتبك ، الهدوء مرتبك نعم لأن صوت البكاء والنحيب يأتيك فجأة من حيث لا تعلم، فلا غرابة أن تمر بأحدى "العجود" ويستقبلك صوت بكاء نساء مصحوبا " بأحووو " عميقة مع صوت "ملاية" منسجم بنسق تنظيمي مع لطم الصدور ، ستعرف حينها أن احد اولاد البيت جيء بخبره من ساحات الحرب فمرة يأتي جثة ومرة تأتي منه بدلته أو مدالية كتب عليها اسمه حتى يعرفوه من خلالها ، ميدالية ترقيم !، أو انه قام بوشم اسمه ومدينته على إحدى ذراعيه ، المشاركون بالحرب يعرفون هذا الامر جيدا ، فمواليد الستينيات والخمسينيات أغلبهم وشم اسمه وعنوانه على جسده .
حزب البعث كان بأوجه وفرض سلطته على جميع مفاصل الحياة في السماوة والعراق ، وكان يتحجج بصناعة الحفلات تمجيدا بالقائد الضرورة وتمجيدا بالقتل اليومي ، وكانت إحداها قد نظمت في شارع " باتا" هكذا اسمه شعبيا بسبب توسط وكالة "باتا " ذلك الشارع ، وبلديا اسمه شارع البكر ، والأن اسمه شارع المواكب الحسينية .!!
نعم كانت هذه الحفلة في إحدى تموزات الثمانينيات الماضية ، جهز الرفاق مكان الحفل والمنصة وتجمهر الناس، منهم من يريد يعرف " شني السالفة " ومنهم من أتى " غصبا عليه " ومنهم من هو موهوم بالوضع ككل وفئة أخرى أتت لكي تضحك على الوضع أو تمارس شيء من المعارضة ، بين هذه الجموع كان " كت ون " وهو سيد حسين من عائلة أل ابو زبيبة المعروفة بالسماوة بشرفها ونسبها العلوي وسمعتها الطيبة كان يقف وسط المتجمهرين.
( كت ون) اخترق الجموع يضحك ويبتسم ، الكل فسح له المجال لانهم يعرفون طيبته وطرافته وسذاجته ، كان يريد التقرب من منصة الحفل ولا أحد يعرف ماذا يريد إلا أنه وصل في آخر المطاف ، ولم ينته الأمر عند هذه النقطة فحسب بل صعد المنصة وتقرب من المايكرفون ولم ينتبه له أحد أبدا، وأيضا حتى لو أنتبه إليه فهو مسالم رغم مشاكساته ، وقف على المنصة فحص جهاز الصوت المايكرفون ، أطلق عبارة بسببها خيم الصمت على المشهد ككل قال ( كت ون ) : "من يطالب بالعمل قالوا شيوعي بالعجل" ! .
أطلق تلك الجملة وهرب بعيدا كونه يعرف بأن الشيوعيين هم الذين يطالبون بالعمل وإحقاق العدالة الإجتماعية المرجوة وهم يناضلون من أجل ذلك ومازالوا رغم حملة الابادة التي تعرضوا إليها من كافة الأطراف !
هنا قام " كت ون " بممارسة عملية المعارضة بشكل رمزي وواضح ، هو جسد ايقونة معارضة حقيقية ، رغم اتهامه بالجنون إلا أنه أطلق حكمة تقترب إلى حد ما من الفلسفة الماركسية !. المرفوضة من قبل كثيرين إلا أن الكثير من أبناء الشعب العراقي ينتمي لها أو يتخدها منهجا بالتفكير دون إنتماء حزبي .
ولعل هذه الممارسة تعطينا درسا قيما في كيفية ممارسة المعارضة الحقيقية البناءة القائمة على قول الآراء بطريقة الحوار، يقدم لنا ولهم درسا حقيقيا بممارسة هذا الفعل النبيل القائم على إحقاق الحقوق ، ولعل سياسي اليوم يمارسون هذه الطريقة ، المعارضة بالحوار وليس الهدم والاقصاء ومحاولة إفشال الآخر من خلال وضع العصي في عجلات التقدم ، مازالت ذكرى سيد "كت ون " قائمة بيننا وشاخصة رغم طرافتها ، ونحن مازلنا نقف امام المايكرفونات لا نستطيع قول ما قاله كت ون أو شيء مشابه ينصف حالنا ومازلنا نفتش في مخافي الحكايات الشفاهية السماوية ، ومازلت أحبكم وأحب السماوة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كت ون
جمشيد ابراهيم ( 2013 / 12 / 3 - 13:29 )
عزيزي عامر
اولا لك الشكر الجزيل على هذه القصة المؤثرة و كاني اسمع نحيب النساء المظلومات و في نفس الوقت اسمع الملاية حاولت ان افهم رمز كت ون و لكن لم يحالفني الحظ
لك مني اجمل التحيات و الشكر

اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل