الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يموت الصوت.. وداعًا يا أيها -الفاجومي-

مختار سعد شحاته

2013 / 12 / 3
الادب والفن


نعلم متى بدأت الرحلة، لكننا لا نتيقن بمنتهاها، ولا الساعة التي يأخذنا صاحبها على غرة ويرحل، هكذا عودودونا في رحليهم المفاجيء مهما كانت سنواتهم المديدة العمر، دوما تكون المفاجاة والاستثناء الوحيد فيها أنها فعلهم غير الإرادي. رحل الفاجومي. نعم رحل في هدوء مخالف لكل ما أحدثه من ضوضاء وإزعاج قضّ به مضاجع الحكومات. رحل فارس الشعب وصاحب الجملة الصاخبة، رحل صناجة العامية المصرية، رحل رحيل مأسوف عليه في بلد صار مأسوفا عليه، ووضع نخاف ان يطول فنأسف عليه، رحل لكنه أبدًا لن يرحل من ذاكرة الشعر العمي، ولا من قلب الشارع المصري النابض بحب الحياة والحامل لكل تناقضاتها الجميلة. رحل وفقط.

نكتب نحن معشر الكُتاب آملين في خلق فرص جديدة لحيواتنا الموازية التي نهرب فيها وإليها من حياة واقعنا، وربما نواجهها تارة او تغلبنا في الكثير، وقل بيننا أن نرى أحدنا يترك علامة فارقة على طول تاريخه الإنساني لا الكتابي، ووحدهم أصحاب الاستثناءات هم من يكتبون ويضعون تلك النقطة الفارقة، حين يذوب فاصل بسيط بين الكاتب والإنسان مهما بلغت درجة الاحترافية والصنعة، وهي ما يكتب الخلود والتميز لهؤلاء الثلة المميزة من معشر الكُتاب. هكذا كان الفاجومي، هذا الذي نبه صياد الطيور إلى رقة حالنا ونصحه ان يدخر خرطوشه لصيد ثمين، وعلل لانكساره حين عادت جموع المنكسرين في هزيمة 67، ورأ "يا محلا رجعة ظباطنا من خط النار"، بعدما عرف أنها "الحمد لله ظاطت". هكذا عرف قدره، وحجم نفسه. كان له كالكثير ممن نراهم يسقطون الواحد تلو الىخر، ويستمرون عباءة السلطان، فيغدون في نهاياتهم نماذج تشيت اكثر منها تدعو للفخار، والامثلة على ذلك ومنها حدث ولا حرج.

عاش "عم نجم"، بسيطا بساطة ألحانه الشعرية، صاخبا صخب أوزانها العالية، في رحلة ممتدة من الوطنية الخالصة صاحب فيها الكثير وغنى له الكثير، لتبقى تجربته مع الشيخ إمام إبان الحقبة اليسارية في مصر والناصرية رمزا لما يمكن ان يخلقه الأدب والفن من فضاء للكثير يمنح من براح الحلم والوطن المنشود الكثير والكثير، فيحرض على الحلم ويحرض ضد القهر وضد الطغيان وضد السلطة الأبوية حتى ولو كانت في عهد الراحل عبد الناصر بما له وما عليه. هكذا امتدت رحلته بين قوافي العامية واوزانها تنزل بردا وسلاما على قلوب المورطين بورطة "الوطن"، بينما تتحول إلى مرايا تقعر شخوصا يظنون انهم في مجدهم وفوق كراسيهم آلهة العذاب لشعب بأكمله، وهو ما جعله الابن الضال على الدوام بالنسبة لكل الأنظمة المصرية -تقريبا- التي عاصرها، باستثناء ما قاله حول ربيعنا الذي امتد "18 يوما" لا أكثر وسط ميادين التحرير المصرية.
رحل الرجل سليط اللسان ولاذعه في نظر الحكومات الفاشلة والفاشية من وجهة نظره، لم يمار ولم يهادن ولو للحظة واحدة، وظل عف اللسان تجاه كل من يمت بصلة حقيقية لتراب هذا البلد، بل تكاد تتملكك الحيرة من صراحته الفجة حين يحكي بعفويته الشعرية والإنسانية معا واصفا هذا الجانب وذاك الجانب، وهو ما جعل الفاجومي رمزا من رموز لن يهمل ذكرها المؤرخ لحركة شعر العامية العربية على الإطلاق، وسيؤكد أن القول المتهم به شعر العامية وكونه لا يزيد عن فرقعة بالونة سرعان ما ينقشع هواؤها، حيث تخلد العديد من كتاباته الشعرية بما ابتكر من صور بكر هي من صميم العمق المصري وعشوائيات المهمشين وحواري ودورب هذا البلد- الذي أعطاه من شعره ما يؤهله ليكونعن حق فارس الشعب، وصعلوك العامية الثائر.
رحل الشاعر "عمنا أحمد فؤاد نجم"، رحل الفاجومي لكنه ابدا لن يرحل إلا عن سماء هؤلاء الكارهين لصوته، وسيبقى للأبد في قلوب محبيه وعشاق الصمود في هذا الوطن، والذي سطر فيه اسمه بأحرف من نور لا ينطفيء سناه أبدا.
رحم الله عم نجم.
مختار سعد شحاته.
Bo mima
روائي.
مصر/ الإسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الفلسطيني الكبير كامل الباشا يكشف لحظة حصوله على جائز


.. جدول ليالي مهرجان الموسيقى العربية?? #معكم_منى_الشاذلي




.. استقبال خاص من منى الشاذلي للفنان كامل الباشا الممثل العربي


.. محمود حميدة بصحبة ابنته في حفل افتتاح مهرجان وهران للفيلم ال




.. في ليلة لا تُنسى.. أوركسترا الموسيقى الغنائية تُشعل أجواء مس