الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معضلة زواج المال والسياسة ومصيبة الجمع بين الحكم والاقتصاد

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2013 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


أضحى اليوم – أكثر من أي وقت مضى- من الضروري أن نلقي نظرة كل سنة على السنة التي قبلها لنحاسب أنفسنا كشعب وكدولة على ما تمّ إنجازه وتحقيقه، وما فاتنا إنجازه وتحقيقه وما أهملنا ونسينا، لنرى أين وصلنا في مسار الإصلاح وأين أصبحنا في طريق التغيير المأمول؟
فلا يمكن السكوت عن الفساد، لأن الفساد لا يمكن أن ينعت إلا بالفساد، علما أن الفساد – رغم كل ما يقال عن التطور المحقق- في مغرب اليوم مازال يخنق المغاربة ويغتال آمالهم.
وبجانب الفساد هناك أمور لا يقوى المرء على فهمها بخصوص تدبير الحكم. فمن الغرائب، أن هناك جملة من الإجراءات التعسفية مازالت تمارس على محتجين هنا وهناك، لا تعلم بها الحكومة إلا بعد وقوعها. هذا، علما أن مختلف تلك التدخلات هي – من المفروض- من اختصاص السلطة التنفيذية التي هي الحكومة، المسؤولة مباشرة أمام الرأي العام المغربي. فهن هي تلك الجهات التي تصدر الأوامر وتتدخل فيما هو راجع أوّلا وبالذات إلى الحكومة؟
وبالرجوع إلى الفساد، من مسارات تسهيل الفساد وتشجيعه واستفحاله، الزواج بين المال والسياسة، أي الجمع بين السلطة والثورة، أو بعبارة أخرى، إمساك دواليب الحكم ودواليب الاقتصاد في آن.
فالجمع بين دواليب الحكم ودواليب الاقتصاد كان – منذ زمن بعيد- سببا في جملة من الانتكاسات التي عاشها المغرب على امتداد التاريخ. وعلى سبيل المثال لا الحصر، "بلاد المخزن" و"بلاد السيبة".
ففي أواخر القرن الخامس عشر، انقسم المغرب إلى بلاد المخزن وبلاد السيبة (المناطق الوعرة، مناطق مقاومة السلطة المركزية وعدم الاعتراف بها، سيما جبال الأطلس والريف والصحراء والمناطق الشرقية). وهذا بعد أن تمردت قبائل تلك المناطق على السلطة المركزية بسبب تصاعد الضرائب المفروضة لتفقير جهة وإثراء أخرى بشكل أو بآخر. بلاد المخزن شملت السهول الغربية التي استوطنتها القبائل العربية، وهي التي ظلت خادعة كليا للسلطان و"دار المخزن"، هؤلاء كانوا مؤهلين لقبول الخضوع التام للسلطة المركزية التي كانت تحميهم من مواجهة الأمازيغ.
الجمع بين السلطة والثروة مفسدة، ترددت هذه العبارة كثيرا على لسان المصلحين عبر التاريخ، سيما منهم المسلمين، إلى أن أضحى العمل بها قولا، في حين يُكرّس ضدها عملا وممارسة. ونرفع الشعارات تلو الشعارات للتصدي للفساد والريع و"المنفعية" والتسلط، لكن الاهتمام بالمرّة بتفكيك معادلة الجمع بين الحكم والثورة، وهنا ظلت تكمن معضلتنا الجوهرية.
إن هذا الجمع يجعل القائمين على أمورنا – في مختلف المستويات بمختلف درجاتهم- ينشغلون بالأساس بسبل جمع الثروة ومراكمتها وينصرفون على أمور المواطنين ومصالحهم. عوض خدمة المواطن والحرص على المنفعة العامة، يتحول القائمون على الأمور إلى "تجار ومقاولي الشأن العام" همّهم "ماذا سيجنون" من موقعهم.
ألم يقل ابن خلدون إن تحوّل الثروة إلى ترف وغناء فاحش مفسدة ماحقة للأخلاق؟
لكن ما هو سبيل التقليل من مهالك الجمع بين السلطة والثروة؟
هناك سبيل واحد، لا ثاني له، إنه هدم "دولة الريع" وبناء مكانها "دولة الإنتاج"، لأن الأولى تناهض المواطنة وتقوي الخنوع والتبعية والسعي دائما نحو الحفاظ على الامتياز. أما الثانية، فتتأسس على إعادة الاعتبار للمواطن عبر اعتماد العدالة الاجتماعية مذهبا والديمقراطية نهجا، ولن يستقيم هذا البناء باستمرار بفعل آليات الريع.
إن النخبة الاقتصادية ببلادنا لا تقتصر على الاشتغال في نطاق المال والأعمال، وإنما ظلت تسعى بقوّة إلى ممارسة الفعل السياسي لحماية نشاطهم الاقتصادي. إنه باب دوّار يجمع بين الأعمال والنشاط الاقتصادي من جهة والمركز في هرم السلطة من جهة أخرى. وهذا يُعتبر من أهم مظاهر ما يسمى بـ "المخزن الاقتصادي".
وفي الواقع إن "المخزن الاقتصادي" هو قناع (أو وجه خفي) للمخزن السياسي. إنه، في نهاية المطاف، مجموعة قليلة من المغاربة يتحكمون بقوّة وبيد من حديد في مختلف دواليب وآليات ودوائر صناعة القرار في مختلف المجالات والقطاعات. وتقوّت روابط أفراد هذه المجموعة عبر تفعيل آليات استغلال النفوذ وإعمال الزبونية والمحسوبية واستعمال الرشوة للحفاظ على استمرارها في مواقعها، مما رسّخ – بشكل غريب ونادر في العالم- لحالة الإفلات من العقاب وغض الطرف عن المختلسين والمرتشين الكبار وناهبي الثروات وتقديم الفاسدين والمفسدين الصغار قربانا لدر الرماد في العيون.
من المظاهر الفاضحة لزواج المال والسياسة ببلادنا : الذهاب والإياب من القطاع الخاص والقطاع العام والعكس صحيح. إنه أسلوب بارز عندنا لمراكمة الثروات . فهناك أشخاص أسسوا ثرواتهم "الطيطانيكية" عبر هذا المسار، منهم المدنيون والعسكريون على حد سواء. وهذا الانتقال من الخاص إلى العام، ومن العام إلى الخاص، يوضح أيضا، الزواج بين المال والسياسة، وبين "الاقتصاد" و"السياسة".
إنه أمر واضح للعيان ، فالاقتراب والقرب من السلطة السياسية والاندماج في نسق الولاءات والزبونية شكل – ولا يزال يشكل- مصدرا جوهريا لمراكمة الثروات بالمغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ