الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتقلوا الغيوم فقد هجّرتنا

احمد حسين

2013 / 12 / 4
كتابات ساخرة


اعتدنا في العراق أن تكون أسباب التهجير والتسفير سياسية قبل العام 2003، كالعمليات القسرية التي قام بها النظام المباد ضد الأكراد في سبعينيات القرن الماضي حيث هجرت مئات العوائل الكردية من شمال العراق إلى صحاري الأنبار والديوانية والمثنى، انتقاماً من أبنائهم المقاتلين في قوات البيشمركة أو ما أطلق عليهم النظام "العصاة"، وكذلك تسفير الكرد الفيلية إلى إيران بحجة التبعية للجمهورية الإسلامية، كما طال التهجير قرً ومناطق مسيحية في سهل نينوى، وليس ببعيد عن هذه المكونات العراقية المكون التركماني الشيعة منهم تحديداً الذين جرى تهجيرهم من مناطقهم في كركوك ضمن خطة التغيير الديموغرافي التي بدأها النظام منذ أواخر سبعينيات القرن المنصرم مروراً بثمانينياته، وانتهاء بتسعينياته التي ركزت على الشيعة في المحافظات الجنوبية بعد انتفاضة عام 1991، حيث شن النظام أكبر حملة تجفيف للأهوار في محافظات ميسان وذي قار والبصرة وتهجير وتسفير ساكنيها.
وبعد عام 2003 وزوال ذلك النظام التهجيري التسفيري خدعنا الظن أن سياساته زالت معه، لكن خاب ظننا الساذج فقد عاد التهجير والتسفير بقوة في المشهد العراقي، إلا أنه هذه المرة كان بصبغة طائفية وتقوده إلى جانب تنظيم القاعدة الإرهابي الزمر الوحشية التي صنعها النظام المباد، وكان ما كان من عمليات قتل وتفجير وقنص وتهديد راح ضحيتها عشرات الآلاف، وخلت مناطق كانت مختلطة الأعراق والأديان والمذاهب من ساكنيها المخالفين للدين والمذهب واقتصرت على لون واحد، واتسعت ظاهرة التخندق المناطقي لتشمل معظم مناطق العاصمة بغداد وديالى وكركوك ونينوى وبابل وصلاح الدين.
وعاد ظننا ليخدعنا مرة أخرى بأن هذه المرحلة البشعة انتهت، لكن الواقع يشير إلى غير ذلك، فعمليات التهجير الطائفي عادة مرة أخرى في ديالى وبغداد، لكننا اعتدنا الأمر كما اعتدنا على غيره، ويبدو أن السماء هي الأخرى استأنست تهجيرنا عقاباً على اعتيادنا وصمتنا المخجل، لكن التهجير السماوي لا ينتهج الطائفية مبرراً ولا السياسة مشروعاً له، كما أن أدواته لا تتمثل بقوة الجيش والأجهزة القمعية، ولا المفخخات ورسائل التهديد، تهجير السماء سلمي وهادئ بل أن البعض يسميه خيراً وبركة، السماء أرسلت جندها غيوماً لتمطرنا بماء مدرارا حول الشوارع إلى أنهارا والمنازل إلى برك وحلة تسبح فيها الحشرات وتطفو على سطحها الفضلات بعد طفحت شبكات الصرف الصحي واختلطت مياهها الثقيلة بخيرات السماء.
حكوماتنا المتعاقبة بعد العام 2003 اعتادت أن تلجأ للقوة لمعالجة أعمال التهجير والعنف، وحتى هذه المعالجة دائم تأتي متأخرة بعد أن يحقق الإرهاب أهدافه ويحصد ضحاياه، لكنها لم تضع أبداً حلولاً استباقية لتفادي الكوارث التي تحل بنا يومياً، والحال نفسه تكرر مع التهجير السماوي رغم مرور العراق بتجربة مماثلة لم يمضي عليها سوى أشهر حين غرقت بغداد ومعظم المحافظات بمياه الأمطار في الشتاء الماضي، وها نحن اليوم نشهد عوائل ما زالت مهجرة من منازلها حتى الساعة دون أن تضع الجهات المعنية حلاً لها.
وهنا أتساءل ما الذي ستفعله السلطة، هل ستصدر أوامرها باعتقال الغيوم، وما الفائدة فقد غادرتنا الغيوم المعتدية منذ أيام؟!، ومن يعرف ربما أصدرت الحكومة مثل هذا الأمر لكن بعد أن لاذت الغيوم بالفرار إلى جهة مجهولة، وهو أمر طبيعي فحكومتنا لا تصدر أوامر القبض على المطلوبين قضائياً إلا بعد أن تحلق بهم طائراتهم في السماء وتعانق الغيوم، كما هو الحال مع رافع العيساوي ومن قبله طارق الهاشمي ومن قبلهما النائب محمد الدايني وأسعد الهاشمي وغيرهم الكثير، وليس في الأمر سراً فهؤلاء تقف من خلفهم أنظمة وجهات شديدة البأس لا تقوى الحكومة على مواجهتها لذا تتحين الفرصة السانحة لهم في المطارات لتصدر أوامرها باعتقالهم لكي لا تضع نفسها في حرج التصادم من يقف خلفهم وأيضاً حرج السكوت عنهم، رغم أننا لا نعرف شيئاً عن تورطهم سوى ما يتناقله البعض همساً، وإذا كانت الحكومة تخشى ممن يساند ويدعم هؤلاء من البشر فحري بها الخوف من خالق البشر الذي سير الغيوم بأمره لتمطرنا وتهجرنا.
وبما أننا بانتظار هجمة مطرية جديدة خلال هذه الأيام لذا أنصح الحكومة بأن تحمل الله مسؤولية ما يجري في العراق لتجد لها مخرجاً من هذا الحرج وجميعاً سنعذرها ونتغافل عنها فمن يجرؤ على مواجهة الله؟!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل


.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ




.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع