الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهنود الفلسطينيون

ناجح شاهين

2013 / 12 / 4
القضية الفلسطينية



فكر البيض القادمون من أنحاء القارة العجوز إلى القارة الجديدة أن هذه أرض كنعان التي وعدهم الرب بها. ولا بد أن البروتستنت بالذات لديهم الأسس التي تسمح بهذا الخيال اللطيف. وبسبب هذا الاعتقاد الطريف فقد أطلق المستوطنون الجدد أسماء توراتية على المدن والقرى والتجمعات التي تم تأسيسها في شمال الولايات المتحدة قبل أن تكون الولايات المتحدة. ولذلك تجد في أنحاء بنسلفانيا على سبيل المثال مدناً وبلدات كثيرة تحمل أسماء من قبيل فلسطين وبيت لحم والقدس والناصرة. وقد قاوم الوثنيون الكنعانيون (على ما يبدو) بعثة الرب الهادفة إلى قتلهم بالجملة وقتاً طويلاً استمر زهاء ثلاثة قرون إلى أن تمكن الرجل الأبيض من إكمال المهمة بنجاح تام في حدود منتصف القرن التاسع عشر. وعندها فقط بدأت عملية إنسانية ذات طابع سياحي للحفاظ على بضعة آلاف منهم تخصص لهم محميات مثل المحميات الطبيعية من أجل أن يأتي السياح من أرجاء المعمورة ويمتعوا النظر بمشاهدة أناس مختلفين استحقوا اسماً غريباً بسبب امتيازهم واختلاف ألوانهم وسحنهم عن كل ما كان متاحاً في العالم القديم. وذلك في الواقع هو السبب الرئيس في الاحتفاظ ببعض بقايا من سماهم كولومبس هنوداً حمراً مع أنهم ليسوا هنوداً وليسوا "حمراً" بطبيعة الحال.
إذا كان ذلك ديدن الرجل الأبيض مع "الكنعانيين" الذي لم يكونوا في أي يوم كنعانيين، ومع فلسطين التي لم تكن يوماً كذلك بسبب وقوعها على المحيط الهادي، فكيف يكون فعله مع الكنعانيين الذين يعيشون قرب المتوسط والذين آذوا موسى وداود وسليمان بمنعهم بحسب الرواية التوراتية من دخول أرض الميعاد؟ لا بد أن الرجل الأبيض يريد هذه الأرض التي تأخر تحقيق الوعد فيها طاهرة نقية من أي نجس كنعاني أو عربي أو فلسطيني. وهكذا تعمل إسرائيل الجديدة ولكن بإيقاع أسرع من القديمة. فإذا كان تطهير أمريكا من السكان الأصليين قد استغرق ثلاثة قرون، فإن تطهير فلسطين من سكانها قطع شوطاً بعيداً فيما يزيد على نصف القرن بقليل. وهذا مؤشر على نجاح واضح.
لسنا نظن أن اتفاقيات السلام التي توقعها إسرائيل بين الفينة والأخرى إلا استراحات صغيرة على درب إكمال مسيرة التطهير العرقي التام الهادف إلى أن تكون أرض إسرائيل أرضاً للرجل الأبيض وحده لا ينغص عيشه فيها أحد من العرب الفلسطينيين. وليس مهماً بالطبع أن يكون سكان إسرائيل الجديدة ومواطنوها يهوداً أو مسيحيون روس أرثوذكس أو حتى ملاحدة. المهم أن يكونوا بيضاً ما أمكن مع أن بعض الإثنيات المتدنية النوعية من قبيل الأفارقة التي قد تكون مفيدة من أجل اعتبارات العمل الشاق الذي تقتضيه السوق. وذلك بالطبع يسهم في التخفيف من الحاجة إلى شر العمال العرب الذين يقومون بالعمل الأسود في معظم الأحيان.
تثبت إسرائيل الجديدة مثل سلفها أمريكا أن الاتفاقيات مهما كانت إنما تهدف إلى ربح الوقت وإدارته من إنجاز الأهداف البعيدة في تنظيف البلاد من السكان الأصليين. وها هي إسرائيل تطالعنا بصفحة جديدة في هذا الكتاب تحت اسم مشروع برافر لترحيل البدو وتركيزهم (لنتذكر معسرات التركيز النازية) في تجمعات بغرض سلب ما تبقى من أرض في حوزة فلسطينيي النقب. تبلغ مساحة الأرض المنوي الاستيلاء عليها 800 ألف دونم. وهو رقم فلكي بالفعل بالقياس إلى مساحة فلسطين كلها وليس مساحة النقب أو الجزء المملوك من العرب فيه.
ليس بالوسع لوم إسرائيل، كما أن محاولة إثبات أن إسرائيل "شريرة" عملية عبثية تصب في خانة طحن الماء أو تحصيل الحاصل المنطقي أو الرياضي. ذلك أن المشكلة ليست في أداء إسرائيل، المشكلة هي في أداء العرب والفلسطينيين الذين يشيحون ببصرهم بعيداً عن الوقائع التاريخية السابقة والراهنة بغرض أن لا يضطرهم ذلك إلى الاعتراف بأن أية أوهام تتصل بالتسوية لا فائدة ترجى منها إلا لإسرائيل، لأنها تمثل المدخل السياسي الضروري لإكمال الخطة داليت التي لم تكتمل كما ينبغي في "نكبة" العام 1948. ولا بد أن ذلك الاعتراف مزعج جداً للفلسطيني والعربي لأنه سيتطلب منه أن يتوقف عن بناء الأبراج في دبي وعمان ورام الله، من قبيل برج الشيخ خليفة الشهير أو مدن روابي والياسمين. ذلك أن الأبنية الخرقاء لا تتوافق مع طلب مزعج آخر يتصل بتفعيل المقاومة بأشكالها المختلفة، وخصوصاً –لأسفنا الشديد- الشكل المسلح منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد يختبران مدى التوافق بين عمار وريم ????


.. بحثا عن غذاء صحي.. هل المنتجات العضوية هي الحل؟ • فرانس 24 /




.. خروج مستشفى الأهلي المعمداني عن الخدمة بعد العملية الإسرائيل


.. إسرائيل قطعت خدمات الاتصالات على قطاع غزة منذ نهاية شهر أكتو




.. أمهات المحتجزين الإسرائيليين ينظمن مسيرة في الكنيست