الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سهيل والمخدرات

ضياء السورملي

2013 / 12 / 4
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


هذه الواقعة ، حقيقية ومن ملفات اللاجئين العراقيين في بريطانيا ، لقد غيرت الاسماء حفاظا للامانة المهنية في عدم كشف الشخصيات الحقيقية

كانت عائلة سهيل مثل كل العوائل العراقية المهاجرة تتطلع الى مستقبل زاهر لها ولابناءها ، كان سهيل شابا وسيما يحلم مثل كل اصدقاءه بتحقيق مستقبل جميل له ولعائلته ، غادرت عائلة سهيل العراق واستطاعت الوصول الى لندن بعد سلسلة من المخاطرات والمجازفات بصحبة عدد من المهربين الذين كانوا ينقولنهم من دولة الى اخرى حتى وصولهم الى مدينة لندن في بريطانية .
كان العراق يعاني من حروب طويلة حدثت هناك ، منها الحرب العراقية الايرانية والتي استمرت اكثر من ثماني سنوات ، كانت بداياتها مطلع شهر ايلول سنة 1982 وانتهت في نهاية سنة 1990 وبعدها مباشرة حدثت غزوة العراق للكويت التي استمرت قرابة عام كامل ، نهب العراق كل ما موجود في الكويت وحلل فيها الفرهود

وجد سهيل نفسه في لندن يدرس في مدارسها ويتمتع بنعمة جديدة لم تكن موجودة ومتوفرة له في العراق الذي بلعته الحروب والحصار الاقتصادي ، بدأ سهيل دراسته الابتدائية وأكملها من دون مشاكل ، كان يتنقل من صف الى آخر من دون عواقب اوصعوبات ، حتى اكمل دراسته الابتدائية وانتقل الى المدرسة الثانوية . بدأ سهيل يشب بسرعة ، وصارت شخصيته تتضح بوضوح وبدأت روح المراهقة تداعب افكاره وعضلاته ونضوجه النفسي والفكري ولم يكن يعرف أو يدرك مخاطر هذه المرحلة الانتقالية .
بدأ سهيل يدخن السكائر من دون علم اهله ، كان الولد الوحيد ، كانت امه ربة بيت وغير متعلمة اما أبوه فكان يقرأ ويكتب حيث اكمل الدراسة المتوسطة في بلده العراق وقضى معظم حياته في الخدمة العسكرية الالزامية والاحتياط في جميع الوحدات العسكرية في العراق يقول أحمد والد سهيل ان معظم اصدقاءه قد قضوا في الحروب الصدامية التي شنها في داخل البلاد وخارجها ، كان أحمد من مواليد 1949 وان عدد الذين بقوا على قيد الحياة من الرجال من مثل موالديه محدود لان الجميع قد مات في الحروب !
زادت متعة سهيل من تدخين السكائر الى متعة جديدة لم يدرك عواقبها ، بدأ سهيل يجرب جرعات من دخان الحشيش ، بدأ يجرب هذا النوع من التدخين ، حبا للظهور ولاثبات الذات ، كان فخورا انه اصبح رجلا وانه يستطيع ان يدخن الحشيش والماريونا مثل اصدقاءه وان عمره الان تجاوز الثمانية عشرة .
استمر سهيل بتجربة كل انواع الحشيش والمخدرات ، كان يتعاطى المخدرات من دون علم اهله ، مرت على هذه الحالة اكثر من ثمانية سنوات ،بينما تمر السنون بسرعة كبرت العائلة ايضا وصار لسهيل اخ اسمه جميل ويبلغ من العمر سبع سنوات

بدأت تصرفات سهيل تتغير وبدأت السلبيات واضحه على كل اعماله ، ترك المدرسة وصار يرافق اصدقاء يكبرونه سنا ، وزاد تعاطيه للمخدرات ، تدهورت حالته الصحية وصار العنف والصياح واصفرار الوجه ملامح واضحة على شحوب وجهه الوسيم جدا
لم تكن امه تعرف ماذا حل بابنها ،حتى جاءت المفآجأة او الطركاعة مثلما يسميها العراقيون ، في احد الايام الباردة فقد سهيل صوابه وفقد اعصابه وفقد توازنه بالكامل وصار يصرخ ويرتجف ويهدد ويعربد ويعلن ثورته في البيت ، لم يستطع احد ان يوقف فورة غضبه وعنفه ، حاولت أمه ايقافه ولكنها كانت اضعف من ان تستطيع الوقوف امام قوة عضلاته ، ضرب أمه بعنف ، هوت الام على الارض ، والدماء تنزف من رأسها ، خرج سهيل الهائج من البيت يصرخ ويعربد ، تدخل الجيران بسرعة ، اتصلوا بالشرطة واتصلوا بسيارة الاسعاف التي هرعت الى مكان الحادث ، نقلوا الام الى المستشفى ونقلت الشرطة الابن الى مركز الشرطة القريب من البيت ، حققوا معه واستجوبوه ، لم يستغرق الامر طويلا حتى اكتشفوا انه مصاب بانهيار في اعصابه وانه قريب من الجنون بسبب ادمانه على المخدرات.

ادخل سهيل الى مصحة عقلية لعلاجه ورعايته والتعرف على اسباب انهياره العصبي ، بقي سهيل تحت العلاج والمراقبة ، لم تصبر الام على فراق ابنها ، جاءت لزيارته ، لم تكن تعرف انه كان يتعاطى المخدرات ، الى ان اعترف سهيل امامها عند مراجعة واستعراض الطبيب المختص لحالته
اصيبت الام بخيبة الامل والاحباط وانهالت دموعها واجهشت بالبكاء بعد ان عرفت ان ابنها كان يتعاطى المخدرات منذ ان كان عمره احد عشر عاما ، نظر سهيل الى أمه وهو يتأمل وهنها وضعفها ويقرأ الحنين والبؤس في ملامح وجهها .
اراد الطبيب ان يجد سببا للحالة التي اوصلت سهيل الى هذه الحالة ، قالت الام للطبيب وهي تشرح للطبيب الحائر ما علمها الدهر من دروس الحروب ، الويلات التي عاشتها عائلتنا ، انها تجري في دماءنا ، كلنا نعاني من مخلفات الحرب ، كلامنا ، حركاتنا ، تصرفاتنا ، سلوكنا ، اصدقاءنا ، عوائلنا ، تراثنا ، حكاياتنا كلها مشتركات في مفردات لا تنتهي عن الحرب ، ان ولدي هو ضحية العنف الذي يلفنا في كل اوردتنا ، هربنا من جحيم الحرب ولكن مع الاسف سقطنا اليوم في مستنقع المخدرات وابني هو الضحية كما هي بلادي اليوم ضحية التفجيرات والنهب والسلب والقتل المستمر ، يبدو ان الطريق مسدود امامنا وليس لدينا سبيل آخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف