الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحريف التاريخ طريق مسدود الشباب الجزائري يتفاءلون بقرب سقوط نظام عبد العزيز بوتفليقة

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2013 / 12 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


الكثيرون من الجزائريين الأحرار غادروا الجزائر خوفا من الاغتيال أو الاضطهاد في أحسن الأحوال. كل هؤلاء عانوا من الغربة عن الجزائر منذ 1999 منذ ما سُمي بـ "الوئام المدني" – وهو في نظر هؤلاء تصالح وتساهل مع القتلة - الذي أعلنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فيما يسميه الكاتب بالتصالح والتساهل مع القتلة. لعل آخرهم ضابط في الجيش الجزائري تسلل إلى المغرب فارا من الجزائر، حيث طالب اللجوء السياسي لدى السلطات المغربية. هذا في وقت تعيش فيه الجزائر على إيقاع انقسامات حادة بسبب رغبة جنرالات الجزائر في الحفاظ على عبد العزيز بوتفليقة بقصر المرادية عبر الترشح لولاية رابعة رغم علله الصحية.
وهذا بعد أن ساد اليأس والإحباط في مختلف ربوع الجزائر منذ أن قرر جنرالاتها المتحكمين في دواليب الأمور إيقاف المسلسل الانتخابي في الدور الثاني في تسعينيات القرن المضي بعدما اكتسح إسلاميو جبهة الإنقاذ الإسلامية الحكم ووجود بوادر قوية لقبول الرئيس الجزائري السابق المرحوم الشاذلي بن جديد مشاركة السلطة مع الإسلاميين ضد إرادة الجنرالات بالجزائر، لكن جنرالات الجزائر كان لهم القول الفصل، فقاموا بإجبار الشاذلي بن جديد على الاستقالة، لتدخل الجزائر دوامة الاقتتال الداخلي الذي خلف مئات الآلاف من الضحايا وما تزال مسؤولية هذه الجرائم لم تفتح بعد بشكل يعيد لأسر الضحايا حقوقهم المسلوبة، وتبادل العسكر والإسلاميون المسؤولية عن ذلك، لكن اعترافات العديد من ضباط المخابرات الجزائرية أقرّت بكل وضوح وبشكل لا غبار عليه، بمسؤوليتهم في صناعة الجماعة الإسلامية المقاتلة والجيش الإسلامي وغيرها من فرق الموت، وكشفوا بجلاء التورط الفاضح و المفضوح لجنرالات الجزائر في قتل المدنيين وإغراق السجون بالآلاف من الأبرياء بدعوى استئصال الإرهاب وتطهير الجزائر. فلما تمّ استقدام عبد العزيز بوتفليقة من جنيف في 1999، ليعوض الرئيس اليمين زروال، بدأ حكمه بعقلية جهوية، إذ أعطى الأفضلية لأبناء الغرب الجزائري على حساب مجموع أبناء الجزائر وبذلك بثّ الحياة من جديد فيما كان يسمى بــ "حكم عصابة وجدة" بعدما قام الشاذلي بن جديد بمحاولة تصفية نفوذها، وهي المجموعة التي ظلت حريصة كل الحرص على الإرث "البومديني" (نسبة إلى الرئيس هواري بومدين) في الجزائر والذي قعّد حكمه على أطروحة "المغرب عدو الجزائر ويشكل عليها خطر دائم" ، واستبدلها الرئيس الشاذلي بما سُميّ زمنئذ "محور باتنة وسوق أهراس ".
في الوقت الذي يسعى فيه الجنرالات سعيا حثيثا لتثبيت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في قصر المرادية رغم علله، إن الشباب الجزائري يسكنه اليوم – أكثر من أي وقت سابق- تفاؤل بقرب سقوط نظام عبد العزيز بوتفليقة، لأنه يحمل في طيّاته كل دواعي انهياره. وفي هذا السياق يقول الكاتب الجزائري "محمد سيفاوي" صاحب كتاب "بوتفليقة.. خدامه وأسياده"، إن من المؤشرات الطبيعية – غير القابلة للإبعاد- أعمار حكام الجزائر وجنرالاتها، إذ أن معدل أعمارهم يفوق سبعين سنة، فيما معدل عمر الشعب الجزائري لا 35 سنة، ليتساءل: فهل يمكن لجيل الثمانينيات من العمر أن يحكم شباب الثلاثينيات ويحقق مطالبهم ويستجيب لانتظاراتهم ومطامحهم ، ويكرسون على أرض الواقع فهمهم الحالي للاستقلال الوطني والتنمية والتفاعل مع باقي دول العالم، في وقت يظل القاموس السياسي والإعلامي الذي يتبناه الماسكين بزمام الحكم متكلسا جامدا قوامه مفاهيم الاستقلال الوطني، والوحدة الوطنية، ومناهضة الاستعمار، وشعارات الاستقلال عن الغرب، وتأميم المصالح الاقتصادية الوطنية على الطريقة البومدينية، وكل شعارات خبر الشباب الجزائري اليوم كذبها لم يعد يستسيغها . ولتوضيح الصورة ها هي أعمار بعض الشخصيات الجزائرية سواء الحية منها أو التي توفيت مؤخرا : عبد العزيز بوتفليقة (75 سنة)، الجنرال محمد العماري (76 سنة)، الجنرال توفيق مدين (74 سنة) الذي ظل رئيس الاستخبارات الجزائرية أكثر من 50 سنة، جمال ولد عباس (76 سنة)، داحو ولد القابلية (أكثر من 70 سنة) وزير الداخلية الأسبق، السفير الجزائري في فرنسا صبحي (86 سنة)، العربي بلخير آخر مهمة له هي سفير الجزائر بالمغرب (توفى عن سن 78 سنة)، الجنرال إسماعيل العماري (76 سنة)، الجنرال محمد بوتشين (78 سنة)، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، لأن القاعدة العامة هي تجاوز سن المسؤولين الجزائريين السبعين. علما أن الرئيس الجزائري الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، منذ بداية حكمه قام بمحاولة الانتقام من الجنرالات الذين منعوه من خلافة هواري بومدين سنة 1978، ومن أعضاء الجبهة الذين صوتوا ضده آنذاك لعضوية الأمانة العامة لجبهة التحرير الوطني، مما اضطره إلى مغادرة البلاد والعيش كمستشار لمجموعة من أمراء الخليج وخاصة أمراء الإمارات. وبفعل تزوير الانتخابات الرئاسية في ابريل سنة 1999 فاز بنسبة فاقت نسبة 74 في المائة. وقد كشف محمد سيفاوي، الكاتب و مراسل صحيفة "جون افريك" الفرنسية بالجزائر قبل أن يضطر لمغادرة الوطن، كشف عن كواليس المفاوضات التي فرض فيها عبد العزيز بوتفليقة نسبة النجاح في الانتخابات، كما اشترط أن تكون هذه النسبة أكبر من جميع سابقيه. علما أن الجنرالات الذين استقدموا عبد العزيز بوتفليقة لحكم الجزائر، ليعوض اليمين زروال في هذه المرحلة لم يكن اختيارهم الأول هو بوتفليقة بل كان هو محمد بن يحي، لكن رفض بعض الجنرالات أدى بهم إلى اختيار عبد العزيز.
ومن المؤشرات التي تسير على درب أمل الشباب الجزائري في التخلص من "نظام بوتفليقة" ارتكاز استراتيجية هذا الأخير على تحريف التاريخ، وجعله كما يريدونه (أي حكام الجزائر) وليس كما هو عليه. في هذا السياق يقرّ أحد أهم مؤرخي شمال أفريقيا والمغرب الكبير، "برنارد لوكان" أن الجزائر هي مجرد صنيعة خالصة للاستعمار الفرنسي . يقول "برنارد لوكان" : "في القرن التاسع عشر ، وحتى قبل ولادة الأيديولوجية – كمفهوم ومنظومة- التي يتم بفضلها من خلاله استيعاب الناس في عالم – ليس كما هو كائن – ولكن كما يريده القائمون على الأمور أن يكون، كانت الأساطير والغيبيات تقوم بهذا الدور وتقدم للناس "أصنام – تاريخ" خاصة على حساب التاريخ كما هو. لكن حتى الآن لم يجرأ أي مؤرخ من المؤرخين - حتى "المأجورين" منهم من قبل الدول- دعم فكرة وجود حكومة محلية تدير المنطقة الحدودية بين المغرب وموريتانيا ، والشيء الوحيد الذي منعهم من القيام بذلك هو التاريخ". ويصيف، "إن الخبراء الدوليين ، شرعوا في مراجعة الخرائط، بدء من خرائط منطقة شمال إفريقيا عام 1800 إلى خرائط العالم الجديد عام 2000 ، ثم تساءلوا عن الأسباب الفعلية التي كمنت وراء قيام فرنسا بتمديد إلى أقصى حد، حدود الجزائر سنة 1800، أي حدود الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي إلى أن أضحت حاليا تضم أراضي شاسعة كانت تحت سيادة المملكة المغربية، هذا البلد الذي لم تتمكن من احتلاله إلا بعد مرور قرن من الزمن عن حيازة الجزائر كمستعمرة دائمة. فهل يجب اعتبار هذا التصرف كنوع من أنواع الانتقام من فرنسا الاستعمارية ؟ (...)أولئك الذين يريدون تحريف التاريخ الحقيقي لشمال أفريقيا ، لا يعيرون أي اهتمام لمعطيات الجغرافيا- علما أنها بيانات متحركة بالتأكيد – لكن لا يصح اعتبار هذه الحركية مجبولة على مسار فريد، قوامه التحيز للجزائر دائما لغير صالح المغرب. إن الخرائط الجغرافية للعالم في سنوات 1800، 1900 و 2000 التي نشرتها "أوراطلس"(Euratlas) الأوروبية - المتخصصة في نشر وتوثيق الخرائط الدولية – تظهر بوضوح وبدقة حدود المملكة المغربية، وهي حدود تتجاوز الحدود الحالية. الأراضي المغربية في ذلك الوقت كانت تشمل كامل الجزء الغربي من الأراضي الجزائرية اليوم . ويكفي الرجوع إلى خرائط سنة 1800 سنة 1900 سنة 2000 الموثقة لمعاينة هذه الحقيقية. فكيف تحركت هذه الحدود بحيث أصبحت مساحة الجزائر أربع مرات مساحة فرنسا و ست مرات مساحة المغرب (دون احتساب الصحراء المغربية)؟"، الجواب على هذا السؤال معروف، لأنه لا يمكن تحريف التاريخ إلى ما لا نهاية، المفتري على التاريخ ينكشف أمره إن آجلا أم عاجلا، هذه سنة كونية لا محيد عنها.
وقد شكلت المناوشات على الحدود بين المغرب والجزائر في غضون سنة 1963 (حرب الرمال) إحدى لبنات الصراع الحاد المتنامي بين الرباط وقصر المرادية ما فتئ يتفاقم ويتفاعل على امتداد 5 عقود ، ولا يزال فاعلا إلى حد اليوم ، سيما بعد أن أضحت قضية الصحراء المغربية أحد معايير التوازن في علاقات الجزائر مع دول المنطقة.
وكاد المحللون أن يجمعوا على كون المشكل الجوهري بين المغرب والجزائر أعمق بكثير من قضية الحدود أو قضية الصحراء المغربية، إذ يعود إلى تركة الاستعمار الفرنسي وبقايا الحرب الباردة التي مازالت شاخصة في ذهن جنرالات الجزائر ( وهذا ما تفضحه استراتيجيتهم اتجاه المغرب بوضوح)، ومن الصعب حلحلته (أي المشكل الجوهري) دون تغيير النخب الصانعة للقرار، وهذا يتقاطع مع تفاؤل الشباب الجزائري القوى الديمقراطية الجزائرية الحقيقية.
وعموما، اعتبارا لحالة الاحتقان السياسي التي ظلت تطبع الوضع الجزائري، وفي خضم أزمة ديمقراطية بدون مخرج، واستمرار سيادة تضييق الخناق على الحريات وتواتر انتهاكات حقوق الإنسان، فإن النهج الذي سار عليه المغرب ويواصل سيره فيه بات يشكل مصدر قلق عميق لجنرالات الجزائر المتحكمين في زمام الأمور بالبلاد، سيما وأن القوى السياسية الديمقراطية الجزائرية تناضل من أجل المطالبة بإصلاح النظام السياسي والإقرار بدمقرطة اللعبة السياسية بالجزائر.
ولإبعاد الأنظار عن هذا الواقع، ظل قصر المرادية يلعب على ورقة "العداء المغربي وخطره على الجزائر"، وذلك منذ عهد هواري بومدين، والاستثناءات القليلة جدا لمحاولة الخروج من هذه الحلقة ووجهت بالاغتيال أو العزل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب