الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسكة تستضيف الذاكرة

أمجد شبيطة

2005 / 6 / 10
الادب والفن


"خرفنت"، زفرها البعض بعد شهيق عميق، وعلى أوتار تصفيقة متحسرة ليدين عاجزتين عن ثني العمة عن مشوارها وقد بلغت خريف العمر فاحدودب ظهرها وسقطت أسنانها ولم يظل من قواها العقلية الا "كفاف يومها".
"ع البلد" قالت بكل بساطة وهمت بالنهوض، قاصدة بلدتها التي هجرت منها لتتجاورا نصف قرن، وتتبادلا قصة حب عذري مكبوت، كيف لا وبين عينيهما بندقية؟!..
ديست المشاعر ومُنع الحب حتى أطلت الفانية بينهما الى القبر فما وجدت ما تخسره وهمت بالنهوض من نومتها التي استمرت أشهرا الى محبوبتها..
"ع البلد"..
أما لي، فهذا لن يحدث، لا في خريف العمر ولا على حافة القبر. أنا لا أملك من ذاك المخزون من الذكريات والحنين، أو كما يسميه العارفون: النوستالجيا.. لا أملك منه سوى حكايات المسنات، وهن الدؤوبات على تجنيح المخيلة لتهويل الأمور، فيمتد شاطئ البحر الى ما تحت السرير وتأخذ حبة البرتقال طعما آخر تعجز عنه الجنة الفردوس.
تعوزني القدرة على استعادة الملامح، على استيعاب الألم وحتى على تخيلي أفارق المكان الذي ولدت فيه لـ"أعود" وأقطن مكانا، لم أكن فيه، لكنه لي، ففيه ولد الآباء وهجروا منه..حتى هذا صعب، مع الاحترام لحق العودة!
هذا إذا ما تحدثنا عن الجانب الحسي العاطفي مجردا، ولكن الأمور تأخذ منحى أكثر تعقيدا ووضوحا في ذات الحين، فكلما تجاوز اللاجئون نفسية النكبة واللجوء والذكريات، تتعزز قدرتهم ومعهم شعبهم، على ترجمة تلك النوستالجيا الرومانطية الى خطاب سياسي واضح، يحمل في صلبه التمسك بحق العودة، وفق الشرعية الدولية وحسب ما تسمح به الظروف.
قد يطالب البعض بحق العودة، بعد فشل نموذج أوسلو (طيب النوايا الفلسطينية بلا شك) قائلا، بشيء من اليأس وكثير من المهاترة الناتجة عن غياب الأفق السياسي الواضح "إما أن نعود أو نولّعها، فعشرة عصافير على الشجرة ولا واحد على..نفس الشجرة!!".
وأما القراءة الواقعية، بنظري على الأقل، فتثبت عبر تجربة أوسلو وما تلاها من محاولات تفاوضية ان المشكلة لا تكمن "بمتر هنا أو ناصية هناك"، إنما بالفكر الصهيوني الاستعلائي القذر وفي صلبه لوثة "دولة اليهود" وهستيريا الديمغرافيا، وهكذا فإن شعبنا الفلسطيني والذي ظن لوهلة ان تحديه الأساسي، هو دمل جرح النكبة وإعادة اللاجئين الى الوطن، أصبح اليوم يتحمل مسؤولية تاريخية تجاه البشرية جمعاء ليواجه في حرب ضروس فكرا عنصريا من الدرجة الأولى ولا مجال للمصالحة معه مهما بلغت التنازلات.
لا مفر من المناهضة الفكرية والحضارية والاعلامية، للعقلية التي تبرر الاحتلال والتشريد والتعنت على هذا المتر دون ذاك.
ولكن، كيف نترجم هذا الحنين الى خطاب سياسي؟ كيف نرتقي بالرواية برنامج عمل؟!
أولا، بحفظ الحنين والرواية، لأنها غير قابلة للمساومة، لأنها الحقيقة التاريخية المطلقة، التي لن تجملها كل الاتفاقيات..
ومن أجل ذلك، تعالوا نضرب لنا موعدا مع الذاكرة، بعد غد السبت، بين أطلال قرية مسكة المهجرة، وبرفقة الكاتب سلمان ناطور، الذي رافق الشيخ مشقق الوجه ثلاثة عقود.
تعالوا وأطفالكم وإيانا، نعود الى الجذور، الى الصبح..
طبتم وطاب صباحكم..

*الكاتب ابن قرية مسكة المهجرة، ويعمل محررا في صحيفة الاتحاد الحيفاوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل الامتحانات.. خلاصة مادة اللغة الإنجليزية لطلاب الثانوية


.. احتجاجات في جامعة ديوك الأميركية ضد الممثل الكوميدي جيري ساي




.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال


.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما




.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم