الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طابور الوقود الذي ملأ الميادين بالثورة

مجدي مهني أمين

2013 / 12 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


لم يغب عن المشهد ما يقوم به الإخوان في الشارع، وما سعى إليه السلفيون داخل لجنة الخمسين في دعم فكرة الدولة الدينية. وكأننا، بعد ثورتين عراض، لم نحسم أمر الدفاع عن أبسط الحقوق في عدم التمييز بين الناس، فغاب عن الدستور "غير المسلمين" وبقى فقط أصحاب الأديان السماوية، ونصت الديباجة على "حكومة" مدنية، بدلا من "حكم" مدني؛ فالحكومة هي المدنية، ربما، من وجهة نظرهم، كي تأتي يوما حكومة أخرى بمشروع الدولة الدينية المتنظرة.

والناس لاهية، أو لاهثة وراء لقمة عيشها، وهي في أغلبها خرجت على الإخوان بسبب فشلهم في تحقيق متطلبات الناس، فالإخوان غالوا في تمكين جماعتهم على حساب التنمية، وأهدروا المواردها المحدودة وأرسلوها لدعم الإخوان في غزة ، فتفاقمت في مصر طوابير الوقود، وتعطلت مصالح الناس. ضيق العيش هو ما أخرج الناس على الإخوان، طبعا لم يمر الأمر بدون ثمار من الوعي في أن التقوى في الأساس تخص صاحبها والناس يخصهم عمله؛ فالحكم في الأساس هو حسن الإدارة.

لقد قامت الثورة لعدم ثقة الناس في حكومة الإخوان، ولكن لم تقم بسبب الرفض الكامل لفكرة الدولة الدينية أو غير الدينية، شكل الدولة لم يكن يهم الناس، وكأننا أمام ثورتين على فساد وفشل حكام ، أكثر منه ثورتين على نظام حكم، ثورتين على أناس فاسدين، مش على نظام حكم فاسد ومستبد، لذا فعندما يتحدث الدستور عن "حكومة" مدنية، يعني يتحدث عن أناس، لأننا ثرنا على أناس، ولم ندرك بعد أن هؤلاء الأناس "الحكام" جاء بهم نظام حكم تلاعب بالناس ولم يعدل لأنه كان يفتقد قواعد الشفافية والنزاهة التي تلزمه أن يكون حكما صالحا.

هذا المناخ المحدود في الوعي لا يحصننا كثيرا من عودة فكرة الدولة الدينية التي تقوم في الأساس على فكرة "الحاكم الصالح"، بينما فكرة الدولة المدنية تقوم على فكرة "الحكم الصالح" ولا يكون الحكم صالحا بدون رقيب، والرقيب هو الشعب الذي يراقب من خلال مؤسساته الوطنيه وقوانينه الوضعية التي يعدلها كلما رأي ضرورة لتعديلها، دون قوانين حاكم الدولة الدينية التي يفرضها على الناس كشرائع سماوية لا يستطيعوا الاقتراب منها؛ قوانين مطلقة يحمي بها ملكه وجبروته وسلطانه.

لا يزال أمامنا مشوار كي نتخطى بالكامل عقلية العصور الوسطى التي عاشتها أوروبا تحت سيطرة الدولة الدينية، لا زال أمامنا كفاح كي نتقبل عن وعي وطيب خاطر أن "الدين لله والوطن للجميع" بمختلف أديانهم ومعتقداتهم وألوانهم، لا زالت أمامنا عقبة في أن تتحرر بعض التيارات من رغبتها في أن تحتفظ لنفسها بتميز على غيرها استنادا إلى دينها.. وهم لا يقولونها صراحة أن التميز سيعود عليهم، ولكنهم يقولون أن التميز سيكون للدين، وأنهم بدفاعهم عن الدولة الدينية يعلون من شأن الدين، وهم في الواقع يريدون أن يعلوا من شأن أنفسهم.

- كم نحتاج من الوقت حتى ندرك أن دعاة الدولة الدينية هم دعاة دولة بشرية تصب في مصلحة أصحابها؟
- كم سنتكبد من تضحيات حتى ندرك أن الدين دعوة من الخالق، وليس دعوة من الحاكم إللي في نهاية المطاف هو واحد من الناس الموجه لهم دعوة الخالق كي يعيشها زيه زي غيره دون أي تميز يختص به، فهو حاكم وليس داعية؟
- متى سندرك أن قوة الداعية هي في مضمون ما يدعو إليه، قوة داخلية، وليس في فرض ما يدعو إليه جبرا وقسرا؟
- متى سندرك أن الكثير من الحكام المستبدين كالنميري وغيره استخدموا الدين للقضاء على خصومهم، بما ألقى بعبء على الدين في مفهومه ورسالته؟
- ما الذي يمكن أن تضيفه الدولة الدينية لجوهر الدين؟ ماذا أضافت الدولة الدينية في العصور الوسطى في أوروبا للمسيحية؟ ربما تأخذ، لكنها حتما لا تضيف.

أسئلة عديدة تتبادر للذهن ونحن نرى محاولات ثبيت أركان الدولة الدينية، بالعنف تارة، وبالإلتفاف على الدستور تارة أخرى، هذه المحاولات التي يقودها بشر كي يصلوا يوما للحكم، ويفرضوا مزاجهم الخاص على عموم الدين فيضيّقوا من مفهموم الدين، ويحققوا مصلحتهم الفئوية الخاصة فيصبحوا غير قادرين على تلبية مصالح الناس، فتسقط دولتهم مرة أخرى في طوابير الوقود، فيثور الناس مرة أخرى، وهكذا دواليك، ولن نخرج من هذه الدائرة الجهنمية إلا بتنمية وعي الناس، فالثورة الحقيقية هي الثورة الثقافية.

على الطليعة هنا أن تقوم بدورها فتعلم الناس وتطرح ما لديها عليهم كي يقود الناس ثورتهم؛ فالجماهير الواعية هي القادرة على تحرير ثورتها من التبعية، وحمايتها من السقوط في براثن الدولة المستبدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل