الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايران النووية ... في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة ....(2)

علي الأسدي

2013 / 12 / 6
مواضيع وابحاث سياسية



" اذا أخذنا بالاعتبار دور ايران الحالي في موازين القوى الدولية التي تشكلت في حقبة مابعد الاتحاد السوفييتي فلايران اليوم أهمية تفوق الأهمية التي تحتلها كل من تركيا والسعودية واسرائيل في الشرق الأوسط ". وهذا ما نناقشه في هذا الجزء من المقال "

فمنذ اجراء الهند تجربتها النووية الأولى عام 1974 سارع القادة الباكستانيون للمملكة السعودية يشكوها ضيق اليد أمام تصاعد قوة عدوهم الهندوسي وتفوقه عليهم بقوته النووية ، فحينها كان لباكستان عدة آلاف من القوات العسكرية الباكستانية المرابطة في السعودية. فالعائلة المالكة استأجرت من باكستان قوات من الجيش والأمن لحمايتهم من ثورة داخلية محتملة تطيح بنظامهم الممقوت من قبل شعبه المتطلع للانفتاح على التقدم والديمقراطية كحق من حقوقه الطبيعية التي يكبحها النظام بكل وحشية وقسوة. فالعائلة الحاكمة لا تثق بجيشها أبدا ولهذا تستعين بالقوات الأجنبية الباكستانية الى جانب القوات الأمريكية المرابطة منذ عقود في البلاد. وبالفعل سارعت السعودية لتلبية الطلب الباكستاني وباشرت بتمويل بناء القدرة النووية لباكستان في مواجهة الهند لكن ليس بدافع الكرم والشهامة أو لسواد عيون الباكستانيين.

فبفضل المال السعودي تمكنت الباكستان من اللحاق بالهند في بناء قدراتها النووية ، كما قامت بأولى تجاربها على الصواريخ البعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية عام 1998 ، ويقدر ما بحوزة باكستان من أسلحة نووية بين 90 الى 110 رأسا نوويا. أما اسرائيل فلم تجر تجارب علنية على سلاحها النووي ، ولم تعترف أو تنفي حيازتها للسلاح النووي. لكن لجنة الطاقة النووية التابعة للأمم المتحدة المسئولة عن مراقبة الانتشار النووي تقدر أن اسرائيل تمتلك بين 75 الى 200 رأسا نوويا ، وتبذل جهودها لابقاء تفوقها العسكري على جاراتها العربيات وتركيا وايران.(7)

أما برنامج ايران النووي فقد أثار شكوك الغرب واسرائيل بوجه خاص برغم التصريحات الرسمية للمسئولين الايرانيين بانهم لا يسعون لانتاج السلاح النووي وان برنامجهم هو لأغراض انتاج الطاقة الكهربائية وللاستخدامات العلاجية في المستشفيات. وقد تزايدت تلك الشكوك في عهد رئيس الجمهورية الايرانية السابق أحمدي نجاد ، فهذا بخطاباته الدعائية قد أعطى لاسرائيل ما تطمح له من مبررات لتهييج الرأي العام الغربي ضد ايران ولتشديد معارضتهم لبرنامجها النووي.

لكن وبناء على تقارير لجنة الطاقة الدولية فانه ليس لايران المواد الضرورية لصنع السلاح النووي ، وليس هناك أية دلائل على حيازتها سلاحا نوويا أو على وشك تصنيع سلاحا نوويا وهي تراقب عن قرب النشاط الايراني في هذا المجال. علما أن ايران وعلى لسان مسئوليها وفي مقدمتهم مرشدهم خامنئي أكدوا أن برنامجهم لأغراض سلمية بحتة ولا نية لهم لانتاج السلاح النووي.

وليس بين الدول العربية حاليا من ينفذ برنامجا نوويا للاغراض العسكرية بعد الاطاحة بالنظامين العراقي والليبي وتدمير برنامج سوريا النووي عام 2007 والكيماوي أخيرا من قبل الأمم المتحدة. العربية السعودية كبلد يمكن ان يسعى لحيازة القدرة النووية لا لتهديد اسرائيل بل لمواجهة القدرات النووية المحتملة لايران وردع النفوذ الايراني في الخليج. فالسعودية لا تمتلك من مقومات صناعة السلاح النووي غير المال وهذا وحده لا يلبي غير واحد من تلك المقومات.


فالتقنية النووية تحتاج الى كادر على مستوى عال من التأهيل العلمي المتقدم جدا ، والسعودية لم تبلغ بعد هذا المستوى من التأهيل. نعم يستطيع المال السعودي شراء القنابل النووية من الأسواق فيما لو عرضت للبيع كالاسلحة العادية. احتمالا كهذا يبقى بعيد الوقوع في المستقبل المنظور، لكن من يدري فالسعي المحموم نحو تحقيق أقصى الأرباح من قبل الدول النووية يفعل العجاب.

فالمفاعلات النووية التي بيعت واستلمت أثمانها إما دمرت بعد وقت قليل من تركيبها أو بقيت تحت التهديد بالتدمير ، ما يبعث على الشكوك بان باعة تلك المفاعلات قد تواطئوا مسبقا مع من يهمهم أمر تدميرها. وينقل عن صدام حسين اتهامه لفرنسا حينها بانها كانت وراء تدمير المفاعل النووي العراقي بعد استلامها ثمنه بالتواطؤ مع اسرائيل ، لأن فرنسا وحدها وهي حليفة اسرائيل من يعرف التفاصيل عنه.

لكن للسعودية طريقها الخاص للحصول على السلاح النووي بدون ان يكون لها برنامجا نوويا وطنيا يديره سعوديون أو أجانب. فالمال السعودي قد استثمر بكثافة في البرنامج النووي الباكستاني منذ عقود من الزمن ، ومن المحتمل أن تحصل السعودية على القنبلة النووية حال طلبها ، وهذا ما تؤكده مصادر موثوقة بريطانية واسرائيلية وأمريكية. (8)

وفي الوقت الحاضر حيث يجري الحديث عن التوجهات الايرانية النووية فان السعودية يمكن ان تحصل على السلاح النووي في وقت أسرع كثيرا مما لو حاولت ايران الحصول عليه. فبناء على ماصرح به مسئول رفيع المستوى في حلف الناتو فان الباكستان قد صنعت سلاحا نوويا خصيصا للسعودية جاهزا لتسليمه اليها متى ماشاءت. وفي تصريح للقائد السابق للمخابرات العسكرية الاسرائيلية آموس يادلين في مؤتمر صحفي عقده في استوكهولم أكد قوله : " بأنه اذا حازت ايران على السلاح النووي فان السعوديين لن ينتظروا شهرا واحدا. فهم سبق وقد دفعوا ثمن القنبلة النووية وانهم سيذهبوا الى باكستان ويجلبوا ما يريدون ان يجلبوا." (9)

وفي عام 2009 عندما قابل الملك عبدالله ملك السعودية الوسيط الدولي للشرق الأوسط دنيس روس قال له الملك " اذا تجاوزت ايران الخط الأحمر فاننا سنحوز على السلاح النووي ، وان المملكة ترسل رسالة الى الحكومة الامريكية عن تصميمها على ذلك ".

وفي شهر مارس- اذار 2013 ذكر غاري سايمور مستشار الرئيس الأمريكي أوباما للبرنامج اليومي نيوز نايت لقناة البي بي سي البريطانية " انا اعتقد بأن السعوديين على تفاهم مع الباكستان بأنه في حالة الضرورة فانهم سيحصلون على السلاح النووي من باكستان ، ويتضمن الطلب السعودي صواريخ ناقلة للرؤوس النووية البعيدة المدى". وقال أيضأ :

" ان السعوديين قد اشتروا سرا من الصين عام 1980 صواريخ بعيدة المدى. وبحسب الخبراء فان تلك الصواريخ منصوبة في السعودية منذ عشرين عاما وموجهة صوب الهند ، وان السعودية تمد الباكستان بالأموال بكثافة لتطوير الصواريخ والسلاح النووي. وقد قام الأمير سلطان بن عبد العزيز في زيارة لمركز الابحاث النووي الباكستاني في عام 1999 وعام 2002 تأكيدا على قوة العلاقة بين البلدين ". (10)

وبحسب المعلومات الاسرائيلية فان السعودية مستعدة الآن لتسلم الرؤوس النووية لتحملها على صواريخها البعيدة المدى ، وهي معلومات تسلمتها اسرائيل من الاستخبارات السرية الأمريكية والناتو. وبطبيعة الحال ان اسرائيل تلتقي مع السعودية في الرغبة لاحتواء ايران. (11)


وينقل مارك أوربان المراسل الدبلوماسي للبي بي سي عن رسالة أيميل أرسلها له أموس يادلين القائد السابق لللاستخبارات الاسرائيلية جاء فيها : " على خلاف كل التهديدات في المنطقة فان التهديد السعودي قائم وجدي ". ويذكر المراسل ايضا انه سمع اشاعات بين الدبلوماسيين بان باكستان قد سلمت صواريخ شاهين الى السعودية بدون رؤوس نووية ".

وقد قامت السفارة السعودية في لندن باصدار بيان نفت تلك الانباء قالت فيه : " ان المملكة ملتزمة بمعاهدة عدم الانتشار النووي وانها تعمل من أجل منطقة شرق أوسط خال من السلاح النووي ، وان فشل الأمم المتحدة في ذلك جعلنا نمتنع عن اشغال موقعنا في عضوية مجلس الأمن الدولي أخيرأ."

وبصرف النظر عن جدية المخاوف الاسرائيلية ومخاوف السعودية من البرنامج النووي الايراني هل سيكون من مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية السماح لايران بحيازة السلاح النووي..؟ من وجهة نظر هذا المقال فان الاجابة هي :
نعم بالتأكيد.

مصالح الولايات المتحدة لم تتضرر من حيازة الباكستان للسلاح النووي ، بل بالعكس فان مصالحها قد تعززت أكثر من أي وقت مضى ، علما بأن هناك احتمالا قويا أن تقوم الباكستان ببيع تقنيتها النووية الى دول عربية أو اسلامية معادية لاسرائيل. لكن برغم ذلك فالباكستان اليوم حديقة خلفية للبيت الأبيض تجرى فيها كافة التجارب ، وتشن منها حروبها على الارهاب داخل باكستان وخارجها في زخم لم يعرف التاريخ له مثيلا في انتهاك كرامة الشعوب واستقلالها الوطني .

وتحتفظ الهند بأفضل العلاقات مع الولايات المتحدة قبل وبعد حيازتها على السلاح النووي الذي بدون شك تم بضوء أخضر منها مع علمها المسبق بالعداء المستحكم بين الهند والباكستان. وكذلك لم تقف الولايات المتحدة في طريق الباكستان العضو والحليف الموثوق به في حلف الأطلسي من تطوير قدراته النووية.

فمصلحة الولايات المتحدة اقتضت أن تكون هناك دولة نووية على أبواب الصين هي الهند ، ودولة نووية على أبواب الباكستان. الولايات المتحدة بذلك قد استخدمت الصداقة والتحالف الذي يربطها بالباكستان لتعزز القاعدة الثابتة في استراتيجيتها السياسية " لا صداقات دائمة بل مصالح أمريكية دائمة ".

وتنفيذا لذات الهدف تخلت الولايات المتحدة عن حليفها الاستراتيجي حتى ذلك الوقت 1945 - 1971 تايوان ( الصين الوطنية ) واعترفت في 25-10-1971 رسميا بالصين الشيوعية عدوة تايوان ، وأصبحت الصين الممثل الرسمي والوحيد للشعب الصيني. وبنتيجة ذلك تم طرد ممثلي تايون من أكثر المواقع التي كانت تحتلها دوليا بعد الاعتراف بالصين الشعبية. لكن الولايات المتحدة مع ذلك لم تنهي علاقاتها التحالفية العسكرية مع تايون بل استمرت بالدفاع عنها ضد تهديد الصين الشعبية التي تعتبر تايوان جزءا من ترابها الوطني.
علي الأسدي - يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا