الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق قيام احزاب وطنية عراقية وفاعلة جماهيريا

ثائر كريم

2005 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لا اظن ان جل التنظيمات السياسية القائمة في العراق الان مرشحة للتحول- على المدى المنظور- الى احزاب وطنية.
ان ما افرزته انتخابات 30 كانون الثاني 2005 من استقطاب العراقيين طائفيا ومذهبيا وقوميا ليس واقعا مؤقتا، كما يتمنى كثيرون. وستظل احزاب التحويل الجماهيري، احزاب البرامج الاقتصادية السياسية والمبادىء الايديولوجية تعمل في اجواء تقليدية، في ظل بنية اجتماعية وملابسات سياسية تاريخية غير مؤاتية. انها ستسبح بعكس التيار لفترة طويلة. هذا اذا كانت نفسها توفر ذاتيا شروط خوض غمار العمل الجماهيري حزبيا على امتداد العراق ككل.
لا يضمر مفهوم الوطنية المستخدم هنا اي مضمون جوهراني او ينطوي على بعد ما ورائي مشحون عاطفيا او اخلاقيا. انه يحمل حصرا معنى الوجود السياسي العابر للولاءات التقليدية في المكان والزمان، عابرا لها ايديولوجيا ومبدأيا وتنظيميا.
ثمة افقان لتطور النظام الحزبي في العراق ينبو كلاهما عن مصاعب جدية في طريق تحول الاحزاب العراقية الى احزاب وطنية وفق المعيار المشار اليه آنفا.
يرتبط الافق الاول باحتمال نشوء نظام سياسي ضعيف مركزيا قوي في الاطراف تشرف حكومات المناطق فيه على توزيع القسم الاعظم من الموارد السياسية والاقتصادية للبلاد. ولكن هذ الاحتمال قليل الحظوظ في التحقق بسبب قوة العوامل الجاذبة للمركز داخليا وخارجيا. ليس بمعية أي قوة اقليمية داخلية (كردية او غير كردية) بمفردها او معا على تجاوز اهمية سيطرة المركز استراتيجيا على مصائر العراق المعاصر.
وعلى صعيد العمل السياسي فان من المحتمل- اذا ما قام مثل هذا النظام السياسي على أي حال- توقع استمرار حيوية استقطاب العمل الحزبي والنشاط الانتخابي حول روابط محلية تماما، أثنيا قوميا او طائفيا مذهبيا او دينيا ونادرا حول برامج اقتصادية ورؤى ايديولوجية. فالاكراد سيستمرون بالانخراط سياسيا والانتماء تنظيميا والدوران في العالم الفكري للاحزاب القومية الكردية. وهكذا سيفعل سكان المناطق الجنوبية الشيعية وسكان المناطق السنية والاقليات.
اما على الصعيد السياسي المؤسساتي فمن المتوقع ان هكذا نظام سياسي سيكون فدراليا بحتا يقوم اساسا على مبدأ المحاصصات والتقسيم الدستوري المسبق للموارد السياسية وربما يتضمن ترتيبات معينة لتقسيم الموارد الاقتصادية قانونيا. لا يستلزم هكذا نظام وجود احزاب وطنية طالما ان الشكل الحكومي الناتج، عادة، هو نموذج الحكومة الائتلافية الذي يتحقق بمشاركة قوى سياسية من مختلف المناطق.
ان "وطنية" الاحزاب السياسية في ظل هكذا نظام تتمثل بالقبول بالتعايش مع الآخر على قاعدة الانتماء العريض للعراق. ان هذه الوطنية، اذن، هي وطنية مفروضة من فوق، مفروضة بفعل الحاجة الديمقراطية الملحة وليس نابعة ذاتيا من داخل البنية السياسية والاجتماعية للبلاد.
وفي الواقع، لبثت العملية السياسية منذ سقوط نظام الشمولية الطائفية لحد الان تسير على نموذج الحكومة الائتلافية بالرغم من عدم البت نهائيا بشكل النظام السياسي في العراق. رأينا ترتيبات ائتلافية منذ تكوين مجلس الحكم الذي انتج دستورا مؤقتا مرورا بحكومة اياد علاوي الانتقالية التي اشرفت على انتخابات 30 كانون الثاني وصولا الى ما اعقب الانتخابات من مفاوضات تمهيدية مطولة (مفاوضات مملة نفسيا ومؤذية سياسيا ومحبطة وطنيا) لاقامة حكومة انتقالية آخرى تقود البلاد نحو شاطىء الدستور الثابت. نشأت كل هذه الترتيبات الائتلافية نتيجة لملابسات تاريخية اصلا وليس وفقا لترتيبات بنيوية دستوريا. انها انبثقت اساسا بسبب تشظي البنية الاجتماعية والحزبية في العراق وبفعل الفراغ السياسي الواسع الذي تركه سقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري وليس وفقا لنظرية دستورية معدة مسبقا ومتفق عليها بين الاطراف المختلفة.
اما الافق الثاني فيتصل بنمو نظام اتحادي قوي مركزيا وقوي ايضا في بعض المناطق وخصوصا في كردستان وجنوب العراق. وهي الحالة الاكثر توقعا بسبب قوة العوامل الطاردة نحو المنطقة الكردية والجنوب الشيعي لاسباب سياسية لها علاقة بالعواقب الكارثية لسيطرة المركز استبدادا وبلا انقطاع منذ انقلاب 1958 وخصوصا بعد انقلاب 1968 وانبثاق نموذج السيطرة الشمولية الطائفية للمركز على يد صدام حسين. وبالتالي، فان لهذه الحالة علاقة، ايضا، باعتبارات مستقبلية تتصل بضرورة تنمية نظام لامركزي يمنع شرور الاحتكار المركزي للموارد الاقتصادية والسياسية ويعمل على توزيعها بالعدل على المناطق المختلفة.
وفي معارج هذ الافق يمكن (نظريا) ان تنمو احزاب سياسية وطنية، احزاب ينخرط بها افراد من مختلف الانحدارات الاجتماعية بالعراق. احزاب تصوغ مبادئها الايديولوجية وتتجمع حول برامجها السياسية وتنخرط في شبكاتها التنظيمية جماعات اجتماعية من مختلف الانحدارات والولاءات.
ولكن هذه الامكانية هي نظرية محض. ليس هناك، على صعيد العمل الحزبي سياسيا، ما يمنع استمرار نفس اشكال الاستقطاب التقليدية، أي ليس هناك ما يحفز الاكراد او شيعة الجنوب او سنة الوسط او مجموعات الاقليات للتفكير سياسيا او ألانخراط تنظيميا او المطالبة برنامجيا في سياق اطارات حزبية مغايرة لما يعرفون أي مغايرة لتلك التي تدور حول ولاءات تقليدية قوميا طائفيا او مذهبيا او مناطقيا.
اما على صعيد المؤسساتي، على مستوى النظام السياسي فان شكل الحكومة المتوقع من هكذا ترتيب دستوري قد يكون رئاسيا (وهو خيار سىء تماما لاسباب كثيرة ساناقشها في مقالة قادمة) او برلمانيا (وهو الخيار الاكثر ضرورة والاقرب للتحقق). وفي كلا الحالتين فان هناك حاجة وظيفية ماسة لاحزاب (او تحالفات حزبية) عابرة للتضامنات المحلية. لايعمل النظام الرئاسي او البرلماني بدون أغلبية حزبية ساندة للحكومة. قد تنشأ هذه الاغلبية مباشرة عن طريق الانتخابات (كما هو الحال في بريطانيا بديمقراطيتها البرلمانية او فرنسا بديمقراطيتها الرئاسية) او عن طريق تحالفات حزبية لا حقة على الانتخابات (كما هو الحال عموما في السويد بديمقراطيتها البرلمانية او اسرائيل بديمقراطيتها الائتلافية). وحتى يمكن الوصول الى حكومة مستقرة سياسيا وفاعلة في آن واحد (وهو غاية اساسية من غايات أي نظام سياسي حيوي) فمن المحبذ تماما (ولكن ليس من الضروري قطعا) ان تكون هناك احزاب وطنية عراقيا وفعالة جماهيريا تستحوذ على الاغلبية المباشرة عن طريق الانتخابات. بخلاف ذلك، فان طريق الائتلافات السياسية العسير (والذي نرى الان نموذجا مصغرا منه) سيشكل صورة مألوفة لنشوء الحكومات العراقية المقبلة.
من الناحية المبدأية تشترط الدولة الوطنية انخراط الناس في نظام سياسي يسترشد بالهوية الوطنية واسس العمل الديمقراطي استرشادا حاسما. تشكل الولاءات والتضامنات العضوية المحلية وانماط التعبئة السياسية القائمة ضمن حدود العشيرة والعائلة وذوي القربى وابناء المحلة مقومات متأصلة في انماط الاندماج ما قبل الوطنية. اما الاندماج السياسي القائم على مشروع الدولة الوطنية فانه يفترض انخراط الناس والمكان والدولة في كلٍ واحد على اساس فكرة الانتماء المشترك والولاء الاساسي لمؤسسات سياسية لا شخصانية. علاوة على ذلك، فان آليات تكوين الوحدة والولاء السياسي الوطني في ظل اطار اجتماعي متعدد ومتشظي لا تنجح، بالضرورة، الا إذا تمكنت المكونات المختلفة لهذا الاطار من تعريف نفسها ومصالحها الاقتصادية والسياسية والثقافية، طوعيا، ضمن المشروع الوطني.
ان دولة قانون وطنية في عراق ما بعد الاستبداد الطائفي تستلزم (وظيفيا وتحويليا) احزابا وطنية.
هل هناك، ياترى، احزاب سياسية في عراق اليوم مرشحة، مبدأيا، لان تكون احزابا وطنية عراقيا وفعالة جماهيريا؟ ساناقش ذلك في المقالة القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء تقارب السودان وروسيا؟


.. الاحتجاجات الداعمة لغزة: رئيسة جامعة كولومبيا تهدد بفصل طلاب




.. بلينكن: أمام حماس عرض -سخي- من قبل إسرائيل.. ماذا قال مصدر ل


.. الانتخابات الأميركية.. شعبية بايدن | #الظهيرة




.. ملك بريطانيا تشارلز يستأنف مهامه العامة | #عاجل