الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال السياسة في درس العروي اللغوي

رؤوف بريغش

2013 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


سؤال السياسة في درس العروي اللغوي
يقول العروي في إستجواب سابق ما معناه أنه حين يكون المجتمع حداثيا حقا، تنتفي الحاجة لتدخل مفكريه دائما في دقائق السياسة و الاقتصاد، لكن حين تصبح هاته الحاجة ملحّة فذلك يدل على أن المجتمع لا يزال يتخبط في تخلفه .لقد كتب العروي بغزارة في السياسة لكن آرائه لم تثر إهتمام الفاعلين السياسيين و لقد أشار في مناظرته التلفزية الأخيرة إلى أن أحدا لم يهتم بكتابه "ديوان السياسة " اللذي ضمّنَه عصارة فكره السياسي، كما أن نخبة اليسار لم تهتم بكتابه المغرب و الحسن الثاني اللذي تضمن تشريحا لأخطاء اليسار و هفواته.
يأتي خروج العروي من مقبعه إذن بعد أن وصل المغرب إلى درجة الصفر من السياسة ،و تفاقم العقم الثقافي و السياسي لنخبته إلى درجة أنه لم تعد للمجتمع السياسي مشاريع ثقافية و سياسية إستراتيجية و جدية تجيب عن أسئلة و حاجات المجتمع و تعاكس الميل نحو الإستفراد بالحكم و الخضوع لتوجهات و مصالح اللوبيات و النخب المحظوظة، في مغرب اليوم تزدهر الشعبوية المدعومة من بعض دوائر الحكم و يغيب النقاش حول سبل الخروج من الأزمة في عمقها السياسي و المجتمعي و الثقافي.
إن المبادرة التي واجهها العروي ليست بريئة و منزهة عن الهوى الإيديولوجي و المصلحة الإقتصادية إنها مبادرة صاحبها عضو من نخبة مستفيدة من هيمنة اللغة الفرنسية كلغة تواصل و عمل في الإقتصاد و الادارة، إنها نخبة النفود الثقافي و الجمعوي و الإقتصادي و السياسي نخبة كما يصفها بعض الكتاب مركنتيلية و بين المال و الاقتصإد و السياسة اللغوية علاقة وطيدة، و تاريخيا كانت هاته النخبة الفرنكونوفية هي التي تدافع عن إستعمال الدارجة.

يدرك العروي كل هذا كما يدرك أن المتأسلمين أيضا سيحاسبونه على المسّ بقدسية اللغة، لهذا يبتكر في درسه و ينقل الدفاع عن اللغة العربية من مجال المقدس الديني و الإيديلوجي إلى المجال العلمي و النفعيكما قال الشاعر محمد بنيس ،و البداية تكون بدحض الإشكاليات المغلوطة و تفسير ما هو بديهي من تمييز بين لغة التواصل الشفاهي في المجتمع و الأسرة و المدرسة، و لغة الكتابة لغة الرموز و كل ما هو فكري تجريدي ،لغة مكتوبةتحمل إرثا ثقافيا كبيرا و تربطنا بسوق عربية كبيرة ،ولا يمكن البدء من الصفر و الدخول في مغامرة مجهولة تهدر الطاقات و تفصلنا عن محيطنا العربي بتحويل لغة شفوية غير مقوعدة و محدودة فكريا و جعرافيا إلى لغتنا الكتابية.
إن إنبعاث الدعوة إلى الدارجة أو ما يسميه العروي بالشعوبية الجديدة، يأتي في ظل الإنهيارات العربية و التفتيت المشجع عليه من طرف الغرب الإستعماري في الشرق العربي،و يقتضي التعامل بحذر مع كل ما من شأنه تقويض الوحدة الوطنية في بلدان لم ينتعش فيها بعد فكر المواطنة و مفهوم الدولة في ظل تأخر فكري،وكم من كلام حق يراد به باطل و خذوا العبرة من العراق !و دائما في إطار بلورة القرار الوطني المستقل يشير العروي في تناغم مع الإتجاه العام للبحوث السياسية و الإجتماعية اليوم في الغرب إلى التعامل بروح نقدية مع وصفات المنظمات الدولية و الخبراء و التكنقراط و التمييز بين الغث و السمين في هاته الوصفات و اللتي في أحيان كثيرة تكون دغمائية و تعميمية لا تراعي الخصوصيات كما أنها ليست منزهة عن التوجيه الاديولوجي و مصالح الدول و اللوبيات
في كتابات سابقة إعتبر عبدالله العروي أن لغة أمة ما ليست إلا مرآة تنعكس فيها أحوالها الثقافية و الحضارية ،و من ثم يجب النظر إلى الموروث اللغوي كجزء من هياكل الانهيار و التخلف فالعربية أنجزها تطوّر تاريخي معين و جمّدت لاسباب سياسية و إجتماعية فأصبح اللسان العربي الحالي لا يوفر وسيلة للتعبير موجزة و دقيقة تساعد على خلق ثقافة عصرية و علمية في وقت وجيز ، و لقد كان الوعي بضرورة الاصلاح اللغوي حادّاً في بداية النهوض الثقافي العربي لكن هذا الوعي بدأ يخفت مع إستمرار ركود المجتمع
.إن الاصلاح اللغوي الضروري لكل مجتمع لم يتحقق عند العرب منذ القرون الماضية، و في المغرب عانت المشكلة من الاهمال و تركت الامور تتطور كما كتب لها ،و أصبحت اللغة العربية محاصرة حيث أن اللسان الاجنبي هو السائد في الادارة و الاقتصاد و ظهر تيار في المغرب يقسم التقسيم الإجتماعي إلى تقسيم لغوي ثقافي بين الطبقات ذات النفوذ السياسي و الاقتصادي و الطبقات المحكومة ،و إلى اليوم لم توجد مؤسسة رسمية لتمكين اللغة من شروط التحديث في الادوات و الطرق في أفق تبسيط اللغة على جميع المستويات من حرف و صرف و نحو و معجم و إنفتاح على الدارجة و اللغات الأجنبية ،إن من شأن هذا حلّ مشكلة الامية و محاربة الهدر المدرسي حيث يقضي الطفل عشر سنوات للتمكن من اللغة بينما تكفي خمس سنوات للفرنسي و الامريكي .
و لعلّ خير ما يمكن الختم به هو هذا المقطع الجميل لأستاذ اللسنيات المغربي عبد القادر الفاسي الفهري :ذاتنا اللغوية التاريخية يطبعها الإتصال بين روافدها متصل عربي بين عربية مدرسية و عربية و سطية و عربية دارجة ،و إتصال لغوي بين دارجة و أمازيغية ،و إتصال بالفرنسية و الانكليزية و الاسبانية و غيرها.أما اليوم فلم نعد نقوى على تثمُّن الاتصال و المتصل نسعى حثيثين إلى الإنفصال أو الإنفصام الذي أوحى لنا به المستعمر أو الاجنبي بل أوحت به ذاتنا المٌذَبْذبة غير المتمكنة فصلنا الفصيحة عن الدارجة ،و الامازيغية عن الدارجة و العربية و فصلنا كل هذا عن الفرنسية وغيرها من اللغات

رؤوف بريغش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يتجه الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على إسرائيل؟| المسائ


.. الأردن.. مخاوف من امتداد نفوذ إيران للمملكة الهاشمية؟




.. الأمريكية نيكي هايلي تكتب عبارة -أقضوا عليهم- على قذائف إسرا


.. اليمن.. غضب في عدن بسبب ارتفاع أسعار الخبز • فرانس 24 / FRAN




.. بدء فعاليات اليوم الثالث من -منتدى الإعلام العربي- في دبي| #