الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميزانية 2014 أو الشجرة التي تخفي الغابة

البديل الجذري

2013 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


بعد تجفيف النظام القائم لجل المؤسسات الاقتصادية العمومية، عبر خوصصتها وتفويت غالبيتها للبرجوازية الكمبرادورية والإمبريالية، وإخضاع السوق المحلي لعدة اتفاقيات تجارية دولية تراعي مصالح الكبار وعملائهم المحليين، وتنسف بالتدريج الحواجز الجمركية وتحكم على عائداتها بالتراجع بقوة كما تدل على ذلك الأرقام الجافة المقدمة من طرف المؤسسات المعنية، سنة بعد أخرى ووضع اليد "المقدسة" و"السوداء" على الثروات المنجمية والفلاحية والغابوية والبحرية (بما في ذلك أعالي البحار) والمائية (و...) وإبعاد/تهريب عائداتها من الخزينة العامة، لم يبق أمام كراكيز التدبير الشكلي لملء خزينة الدولة (البقرة الحلوب) إلا بوابة الضرائب وتحديدا الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي يتحملها الأجير والمستهلك بالدرجة الأولى، كما تدل على ذلك أرقام الميزانيات المتتالية، بحيث تقترب أداءاتهما من 90% من حجم الموارد الجبائية. وقد تزيد في سنة 2014 مع دخول المخطط الضريبي التشريعي الجديد حيز التنفيذ، نظرا لارتفاع عجز الميزانية.
وترغم، والحال هذه، فئات واسعة من أبناء شعبنا على الانحدار تحت عتبة الفقر، ويفرض النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي على الجماهير الشعبية المضطهدة الخضوع بالحديد والنار لسياسة اقتصادية ومالية تدميرية تقوم على تلبية حاجيات الدوائر الإمبريالية التي لا تقبل التأجيل ومصالح حلفائها المحليين الكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار وقادة الجهاز القمعي، وتستجيب للتوازنات المالية، من خلال توجيه السلع والخدمات نحو النسبة الأكثر ارتفاعا للضريبة على القيمة المضافة (T.V.A). وهذا ما تعكسه الحرب المعلنة في التشريع المالي لسنة 2014، والذي ليس رغم ذلك غير الشجرة التي تخفي الغابة، غابة النهب والاستغلال الفاحشين. فالمنتوجات التي كانت خاضعة ل07% ارتفعت إلى 10% والتي كانت خاضعة ل14% انتقلت إلى 20% كما تم رفع بعض المواد من 10% إلى 20% وإلحاق منتوجات أخرى كانت معفية من الضريبة على القيمة المضافة إلى لائحة المنتجات والخدمات المشمولة، والزيادة في سعر سكن "الطبقة المتوسطة" ليثبت التشريع المالي الجديد قدرته على ضمان ارتفاع مبيان الأسعار واستمرار تدني القدرة الشرائية للجماهير الشعبية، بالدرجة الأولى، العمال والفلاحين الفقراء والكادحين والفئات ذات الدخل المحدود، وهؤلاء مثلما هم مستهدفون في قوتهم اليومي وفي التعليم والصحة لأبنائهم وأسرهم، مستهدفون في القانون المالي 2014 في أجورهم وفي فرص شغلهم، وذلك بالتشريع لتجميد الأجور والترقية والتعويضات والاقتطاعات، واعتماد نظام المقايسة النسبي لأسعار بعض المواد النفطية وتقليص نفقات الاستثمار العمومي.
لتبقى السياسة الاجتماعية محكومة بالتدبير المناسباتي، أي مرهونة بالفعل ورد الفعل، أمام وضعية الاستغلال والهجوم الطبقي والاضطهاد والقمع (إغراق السجون بالمعتقلين السياسيين) والتشريد الاجتماعي الفظيع، مثلما حدث إبان انتفاضتي 81 و84، أي "التراجع" المؤقت عن الزيادة في أسعار المواد الأساسية، وفي انتفاضة 90 بإحداث "المجلس الوطني للشباب والمستقبل" للتدبير المغشوش للبطالة، وفي انتفاضة 20 فبراير 2011 بتوقيع الاتفاق (26 أبريل) مع النقابات بزيادة 600 درهم...
ومقابل هذا الهجوم، يحمل التشريع المالي 2014 مرونة ضريبية على الأغنياء، توفر شروط التملص الضريبي، مثل ما هو مطروح مع الشركات الفلاحية التي تم تحديد يناير 2016 كبداية لانطلاق عملية الأداء الضريبي بالنسبة للشركات الفلاحية التي يساوي أو يفوق رقم معاملاتها 20 مليون درهم، ويناير 2018 بالنسبة للتي تحقق 10 ملايين درهم، ويناير 2020 للتي تحقق 5 ملايين درهم، والإعفاء الدائم للشركات الفلاحية التي يقل رقم معاملاتها عن 5 ملايين درهم..
وبحكم هذا التناقض تندفع الأحزاب السياسية والقيادات النقابية بحماس إلى استجماع قواها لضمان "السلم" و"الاستقرار"، وذلك ما عكسه الإجماع "المقدس" على الميزانية الضخمة لجهاز القمع والقصور والأوسمة، وهو إجماع على ضمانة الساهر على تمرير مخططات الدوائر الإمبريالية "للاستقرار" و"السلم"، لتوضع جانبا الأهداف والبرامج الانتخابية للأحزاب المزينة لهيكل التشريع والحكم، وتظهر عمالتها للقصر والإمبريالية بشكل مفضوح، وينحصر دورها في التنافس على الحقائب الوزارية، وفي تقديم الأرقام والقراءات الجافة للتوقعات ولحقيقة الثروة الوطنية، لتمويه الرأي العام، وفي تدبير الشأن اليومي وفق توجيهات عليا وتوصيات وتعليمات المؤسسات المالية الدولية المقرضة والداعمة (ارتفاع الدين الخارجي بشكل مهول وغير مسبوق قياسا بالمدى الزمني الذي تحصل فيه)، والخضوع لتكتيك النظام، هذا الأخير الذي يهيئ الأجواء السياسية للمعارضة الأكثر ثرثرة وديماغوجية، ويوصلها إلى الحكم وينظف بها مستنقعاته، ويواصل بها المخططات السابقة بالمخططات اللاحقة، ويدمر بها الجماهير، ويعمل على زعزعة الثقة في العمل السياسي والنقابي والفعل النضالي بشكل عام. وحالما تصير هذه "المعارضة"/"الأغلبية" (المصنوعة) عفنة وغير لائقة بمسايرة المهمات والمخططات بالشكل المطلوب، وفي الوقت المطلوب، يرسلها إلى المؤخرة ويستأجر الحزب الصاعد لتزيين الواجهة (الخارجية بالخصوص) بعد أن يصنع له بطولات وأمجاد فوق خشبة المسرح السياسي الرديء وخارج التاريخ، لتبدو فرجة مرحة للصغار والكراكيز وعلقما لمن ترغمهم متطلبات الحياة اليومية ومصاعبها على دفع المزيد من جيوبهم وعرقهم وكدحهم وحرياتهم وكرامتهم. ونموذج ذلك حكومة "التناوب الديمقراطي" مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وبعده حزب الاستقلال. والآن، ها نحن مع حزب العدالة والتنمية في تجربة جادة وحماسية لخدمة تكتيك ورهانات النظام وأسياده.
وهذا التكتيك، بدون شك، آخذ في الانفضاح والتحلل المدويين. وتبقى الحاجة ملحة لعمل سياسي بديل منظم يثبت ثقة الشعب في النضال والتضحية ويكسر أسطورة "النظام الذي لا يقهر"، عمل سياسي قادر على تأجيج الصراع الطبقي وترجيح ميزان القوى الراهن لمصلحة الجماهير الشعبية الكادحة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، للرد المنظم والفعال على هذا الهجوم الطبقي المسعور ولخوض المعركة حتى النصر على المستوى الوطني والأممي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب