الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآلهة يجب أن تكون سوداء

محمد رفعت الدومي

2013 / 12 / 7
الادب والفن


نام "مانديلا" كوردة ، وبعض الورود النائمة جذورٌ ورموز ، بعد أن صنع أسطورته الجهمة في وقت كان فيه انسحاب الأسود إلي ركنه هو المتعة الكاملة !!

وسوف لا أستسلم لحذر الحكاية ، فأنا لا أحبُّ الثعالب ، وأقول مباشرة أن العالم خسر بموته نبيَّاً مطبوعاً ، وأصبح من القطب إلي القطب خواناً للفجيعة !!

خسر العالم نبيَّاً لم يحاصر كالأنبياء بساطة أمَّته بوعود مؤجلة تحتاج لكي تتحقق ، تبذير الحياة في اختبارات السماء ، والعصف بالشرط الإنساني في انتظار ما لا يأتي !!

مع هذا ، لقد أدرك ذلك النبيُّ الواقعيُّ ، ومبكراُ ، القانون العميق للحياة ، وأدرك استحالة استدعاء الخلاص كمائدة من السماء كما اعتقد الأنبياء الحالمون ، واستوعب ظلام الممر نحو غايته ، كما استوعب أبعاد أعدائه كاملة ، مع ذلك لم يعتبر الظلام حوله مبرراً للنكوص عن ، هذا جعل السودَ يلمسون من خلال تلك القوة التي تصدي بها للأسوار ، وذلك الوضوح الذي تعرض به للسلاسل الفادحة ، إمكانية ميلاد عالم جديد ، كما ألهمهم الحاجة إلي ميلاد ذلك العالم ..

كما أدرك ، وهذا هو الأهم ، أن الحرية لا تولد في الألفة ، وأن خلق مأوي طبيعيٍّ للمنبوذين يستحقُّ قدَّاساً من العزلة ووجوه السجانين حتي تفقد سياسة التفرقة العنصرية ، أو يفقد "الأبارتيد" ألفته ووضوحه !!

وقلَّ أن يحدث ، حين يمسُّ الإنسان حياة الأشخاص المطبوعين علي كسر ما اعتبره غيرهم قانوناً طبيعياً للوجود ، أن يصاب بنار المرح الداخليِّ كما يحدث له عند قراءة سيرة "غاندي" ، وسيرة "هانيبال" ، كما سيرة ذلك النبيِّ الواقعيِّ المزواج "نيلسون روليهلاهلا مانديلا" ، وإن المرءَ ليحتار في اتخاذ خندق أيهما في تراجيديا الحرية والجمال الإنساني !!

وكم وددت أن أري شبه "مانديلا" البشريَّ بعد أن تهرَّبت الحياة منه ، غير أنني أستطيع تخيله من خلال استرجاع صورة تنبض في ذاكرتي ، لسبب لا أفهمه ، ورغم المسافة الشاسعة بين أشياء الصورتين ، كلما وضعت الصدفة ذكره في بالي كليلكة في البال ، وهي صورة "أم ويسلر" ، تلك الأم الشهيرة التي أخرجها ابنها الرسام "ويسلر" ، بطقس بسيط ، من إطارها ، ووضعها في قلب الديمومة !!

إنَّ التأويل التفسيَّ هنا لا يتَّحدُ ، بالطبع ، بالحقائق ما دام عاجزاً عن إدراك أن الحرية بكلِّ بساطة ، مرادف ضروري للحنان ، وأن الوجود يبحث عن العدم في التشابه !!

لماذا تفلت الحياةُ من قبضتها الأنقياءَ ، وتقبض ، عادة ، علي أعمار السفلة ؟!

نام "مانديلا" في مساحات الغياب ، وربح بالغياب قوة إضافية تنبعث من تشابه كلِّ أمكنة النوم ، ربما لأنَّ النوم يجعل العالم ، بفضل أحلام النائمين ، غابة من العوالم ، وصارت كلُّ نجمة أليفة سريراً للعابر الممتاز ، وفي أوصال كلِّ نجمة يحتفل المنبوذون ، والبيضُ أيضاً ، ويرقصون معاً علي ايقاعات الطريق التي أشعلها هو من رماد العنصرية ، كما يجمعون ، لجلال اللحظة ، علي أن الآلهة يجب أن تكون سوداء !!

وأنهي كلامي برغبة في مشاركتهم الاحتفال برحيل ذلك النبيِّ المتواضع علي ايقاعات أبيات للشاعر السنغاليِّ "بيراجو ديوب" ، وهي إشادة مبررة بعبادة الموتي :

"الذين ماتوا لم يذهبوا أبداً ، إنهم هناك ، في الظلال الكثيفة ، الموتى ليسوا تحت الأرض ، إنهم في الأشجار حين تصدرُ حفيفاً ، وفي الأخشاب حين تصدرُ أنيناً ، وفي تلك المياه الجارية ، وفي الأكواخ ، إنهم وسط الحشود" ..

"مانديلا" ، يا أيها النبيّ الواقعيّ المتواضع ، نم في سلام ، عليك السلام ..










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر