الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو رؤية عقلانية لفلسفة الإصلاح السياسي في سوريا

سمير إسماعيل

2005 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لقد أصبحت فكرة الإصلاح في الفكر السياسي العربي المعاصر ومتطلبات السياسة العملية من بين اكثر القضايا اثارة والتهابا. وهي حالة تبدو في مظهرها مشابهة لما مر به العالم العربي قبل قرن من الزمن. اي المرحلة التي أسست لما ندعوه بالمرحلة الاصلاحية او فكر عصر النهضة.
فقد كانت "النهضة" إصلاحا للروح والعقل والجسد العربي، أو على الأقل أنها كانت تحتوي على القدر الذي تحول لاحقا إلى إحدى البديهيات الكبرى في الوعي السياسي العربي المعاصر والقائلة، بأن الإصلاح هو ضروري للنهضة والحداثة، تماما بالقدر الذي لا يمكن تحقيقهما دون اصلاح دائم لبنية الدولة والمجتمع والثقافة. وهي بديهية ليست نتاجا للفكر السياسي العربي بقدر ما أنها تجذرت في الوعي السياسي القديم والمعاصر عند مختلف الشعوب والأمم والبلدان والدول. وهي حقيقة تعطي لنا امكانية القول، بأن المهمة المثيرة للإصلاح المعاصر في العالم العربي، (وفي الحالة المعنية سوريا) ، تعني فيما تعنيه، أننا نقف أمام إشكاليات جوهرية كبرى تفترض تذليلها أو حلها بالشكل الذي يعطي للدولة والأمة والنظام السياسي إمكانية الحركة الديناميكية والأمل في المستقبل.
فالإصلاح من حيث هو فكرة واسلوب وغاية يتضمن أولاً وقبل كل شئ نظام البدائل العقلانية والواقعية القادرة على بعث الأمل في قلوب وعقول الأفراد والجماعات والمجتمع عموما من أجل إنجاز المهمات الكبرى الضرورية لتطورهم في مختلف الميادين وعلى كافة المستويات. وهو بهذا المعنى النتاج الأولي والضروري لإدراك مستوى وطبيعة الخلل البنيوي الذي يعيق إمكانية الحركة الديناميكية للمجتمع والدولة، ويثبط الأمل الفاعل في عقول وأفئدة مختلف الطبقات والفئات الإجتماعية من أجل إشراكها الفعال في صنع المصير المشترك، أي الهموم المشتركة القادرة على توحيد وتكثيف القوى الاجتماعية من أجل نظام أفضل وأمثل قادر على تحقيق المصالح العامة والخاصة.
بعبارة أخرى، إن حقيقة ومدى الإصلاح يعبران عن مستوى إدراك حدوده الكبرى والخاصة، أي أن يتحول بصورة فعلية إلى بديهية سياسية بالنسبة للنخب السياسية والاجتماعية والثقافية. وعندما نتأمل حجم وطبيعة الجدل الدائر في المجتمع السوري، العلني منه والمستتر، على صفحات الجرائد وفي المنازل، على شاشات التلفاز وضمائر العوام والخواص، فإننا نقف أمام لوحة تحكي لنا عموماً ما يمكن دعوته بالإجماع الخفي على ضرورة الإصلاح. بمعنى أننا نقف أمام الحد الضروري الأولي لتحول الإصلاح إلى بديهية سياسية. وهي المقدمة الضرورية المعبرة عن تكامل أولي في الوعي الاجتماعي والسياسي يشير إلى طابعه الموضوعي. وهي حالة تعطي لنا إمكانية الفعل بمعايير ومقاييس الرؤية الوطنية والقومية للإصلاح المنتظر.
إن تكامل الوعي الاجتماعي صوب الإقرار بضرورة الإصلاح يعني فيما يعنيه بالنسبة لنا هو أننا نقف أمام تحول نقدي وتاريخي هائل فيما يتعلق بالمسلمات الايديولوحجية التي حكمت تاريخنا الوطني والسياسي لعقود عديدة. وإذا كان لها ما يبررها من وجهة نظر المراحل التاريخية التي مر بها العالم العربي وسوريا بشكل خاص، فإنها لا ينبغي أن تبقى ضمن سياق المسلمات التي لا تخضع للتبدل والتغير أو الجدل. فالمسلمات السياسية هي أحكام وتصورات قابلة للتغير والتبدل إما بصورة راديكالية أو تدريجية. واذا كان التاريخ الوطني والقومي لسوريا على مدار النصف الثاني من القرن العشرين يتميز بغلبة النزعة الراديكالية، فإن المهمة التاريخية الكبرى للوعي السياسي الآن تفترض الانتقال صوب تعميق وترسيخ الرؤية الإصلاحية التدريجية، من أجل حل الإشكاليات الكبرى التي نواجهها في المرحلة الحالية.
إننا نواجه تحديات تاريخية كبرى على مستوى الدولة والأمة والنظام السياسي. وهي تحديات تتجسد في ظروف سوريا الحالية بهيئة مواجهة لخلل بنيوي يمس جوهر ووظيفة الدولة والامة والنظام السياسي. بعبارة أخرى إن حجم التحديات تحول للمرة الثانية الى إشكالية ترتقي إلى مصاف المصير التاريخي العربي لسوريا كما واجهته للمرة الأولى بعد خروجها من عالم العثمانية المنحلة. إلا أن التعقيد الذي يميز ظروفنا الحالية هو أننا نقف أمام معضلة يتوقف حلها علينا بدرجة رئيسية. أي أنها إشكالية رؤيتنا السياسية والاستراتيجية فيما يتعلق بالبدائل المفترضة للخروج من الحالة المأزومة الى عالم الاحتمالات المتنوعة، أي إلى عالم البدائل المتنوعة القادرة على اشراك فئات وطبقات ومكونات المجتمع السوري في عملية الإصلاح.
فمن الناحية الفعلية نقف أمام حالة تكشف عن ضعف الدولة عن مواكبة التحولات العالمية، وانحسار تجاه مكوناتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بمعنى ضعفها فيما يتعلق بقدرتها على صنع التكامل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الديناميكي للمجتمع. في حين يقف المجتمع على أسس هشة من حيث تكامله الذاتي،وفي الوقت ذاته يشكل ضعف القوى السياسية المختلفة الوجه الآخر لهذا الخلل. وهي أمور تشير بمجموعها إلى ما أسميته بالخلل البنيوي في وحدة الدولة والأمة والنظام السياسي.
من هنا ضرورة أن يكون الإصلاح موازيا وكفوء له، أي إصلاحاً منظومياً. بعبارة أخرى لا يمكن للإصلاح في ظروف سوريا الحالية أن يكون إصلاحاً جزئياً . أو لا نستطيع حل الإشكاليات الكبرى التي تواجه الدولة والنظام السياسي والأمة دون بديل يكفل وحدة هذه المكونات على أسس عقلانية وواقعية. وهو بديل يفترض الإقرار والتأسيس والعمل من أجل بناء الدولة الشرعية والنظام السياسي الديمقراطي والمجتمع المدني في آن واحد. بمعنى العمل من أجل سن دستور جديد يكفل فكرة الحق والحقوق المتكافئة للجميع، وإقرار فكرة النظام الديمقراطي السياسي، أي فكرة تداول السلطة السلمي عبر الانتخابات الحرة والمباشرة. ومن ثم التعددية السياسية المكفولة بقانون للأحزاب يلغي ممارسة الحزب الواحد عبر تحويله إلى كيان سياسي فعال بمعايير الادارة السياسية للدولة وبرامجها الاستراتيجية وليس قيادة شؤون الدولة والمجتمع والفكر والفرد.
إن وحدة هذه المكونات الضرورية للإصلاح المفترض في ظروف سوريا الحالية هو الذي يكفل إمكانية الانتقال التدريجي، أي غير الراديكالي للدولة والمجتمع والنظام السياسي صوب تكامله الجديد، أي صوب إعادة بناء الهوية الوطنية وتفعيل مكوناتها بالشكل الذي يذلل صعوبات المرحلة الانتقالية ويقضي على أية إمكانية للتدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية.
وفي هذه الحالة فقط يصبح الإصلاح مهمة وطنية وقومية، وإنجازاً اجتماعياً وسياسياً تاريخياً هائلاً يوازي من حيث قيمته وفاعليته ووظيفته ولادة سوريا الجديدة.
****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونت كارلو الدولية / MCD البث المباشر – أخبار دولية, أبراج,


.. جماهير ليفربول تودع مدرب النادي التاريخي يورغن كلوب




.. ليبيا: ما هي ملابسات اختفاء نائب برلماني في ظروف غامضة؟


.. مغاربة قاتلوا مع الجيش الفرنسي واستقروا في فيتنام




.. ليفربول الإنكليزي يعين الهولندي أرنه سلوت مدرباً خلفاً للألم