الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاد الجنرال الهرم ورحل المثقف الشاب

نور الدين بدران

2005 / 6 / 10
الادب والفن


بعث إلي الصديق حسين عجيب رسالة يقول فيها: ألمح بعض اليأس في مقالاتك التي أتابعها بسرور.
ولاشك أن الصديق محق، فأي أمل فيما يجري هو بنظري ضرب من اختلال الرؤية، ففي لبنان حيث
السيارات المفخخة تودي بحياة شباب هو الأمل، كان آخره شهيد الحرية والكلمة سمير قصير،ولن يكون
الأخير في مسلسل القتل الواعي والمدروس لكل بارقة أمل هناك، وبينما يُرحّل الشاب اللامع سمير، يعاد الجنرال الهرم المتقاعد تلميذ الديكتاتور المخلوع صدام حسين.
وليس بأشنع من عودة هذا الجنرال إلا تصريحاته التي كان آخرها التعليق على رحيل سمير قصير على أنه حادث جنائي يتحمل مسؤوليته وزير الداخلية، ومن يقرأ ذلك يفهم إلى أين وصلت قضية الحرية وقضية الحياة في لبنان، الذي أكتفي منه بهذا المثال البليغ الجرح، دون أن أدخل في العنوان الأساسي لما ينتظره قريباً، وما يكتنفه حالياً من عنف وتدمير يزحفان بوضوح كحرب أهلية تحت الرماد، ولا أدنى مبالغة في ذلك، فهؤلاء هم أنفسهم أمراء الحرب الأهلية (ينقص الطاقم سمير جعجع) يخوضون الانتخابات اليوم مع استثناء وحيد هو نجل الرئيس الحريري، نعم إنهم أنفسهم من الجنوب إلى الشمال إلى البقاع مروراً بالجبل وبيروت شرقاً وغرباً.
وأي أمل وأنت تنظر إلى العراق، حيث غدا الموت لغة يومية كقهوة الصباح، باسم المقاومة والتحرير وطرد المحتل، والمقابر الجماعية التي كانت موسمية لدى صدام حسين أو فصلية، أمست لدى فلوله وحلفائه من زرقاويين وحمراويين وسائر ألوان القتلة، يومية بل ساعية(كل ساعة يموت نتيجة الإرهاب عراقي حسب آخر الإحصاءات)والأمور في العراق كما في لبنان مفتوحة على الأسوأ فالأسوأ.
وفي فلسطين هناك عاقل يدعى أبو مازن محبوس في عصفورية من موتورين ومرضى نفسيين يديرها السيد شارون الذي لا يقل أمراضاً وهيجاناً عن معتوهي حماس والجهاد وغيرهم.
والسيد حسني مبارك هذا الجبل الضخم، تمخض فولد برغوثاً يكاد لا يرى بالعين الدستورية المجردة، إنه يريد أن يخيّر المصريين بينه حاف وبينه مع تعديل دستوري، وعلى كل حال يكثر خيره، فقد ولد شيئاً ما.
وأما عندنا فإني أعترف أن لا حقّ لي باليأس، فمعتقلو الرأي تحرروا وطوي ملف الاعتقال السياسي إلى الأبد، وأعيد الاعتبار لكل معتقل سابق أو متأخر، وعلق بل ألغي قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية،وأصبحت أجهزة الأمن ضمن دوائرها واختصاصها،في حماية الوطن والسهر على أمنه، ومكافحة التجسس...إلخ وأخذ القانون والقضاء أمكنتهما التي كانت تلك الأجهزة تحتلها غصباً واغتصاباً،وتنازل الحزب الحاكم عن تشوفه واحتقاره لكل من هو ليس بعثياً، واعترف بمواطنيته، وبحقوقه في الحياة والتعبير والاعتقاد ....إلخ ولم يعد كل معارض أو صاحب رأي مختلف مجرد عميل وخائن للوطن، الذي لا يتسع لغير البعثيين،بل لعدد محدد منهم.
وكيف لي أن تعتريني مسحة اليأس، وقد أظهرت السلطة أنها أكثر عقلاً وحكمة وحرصاً على البلاد من الجميع، فأطلقت ثلاثة صواريخ حديثة متطورة وبنجاح مذهل وهي صاروخ الحريات وصاروخ الاقتصاد وصاروخ الانفتاح على العالم والعصر، من قاعدة المصالحة الوطنية ومنصة الشفافية، وكانت المرأة هي الراعية الأولى لهذا الاحتفال العظيم، وسقطت هذه الصواريخ على رؤوس المواطنين والبلدان المجاورة زهور محبة وتعاون سلمي وإخاء وطني وإنساني؟
إني بكل أسف لا أرى سوى دماء تسقط من الأعالي كشلالات ولا تعد بغير دخان أسود، ومستعد لتقديم عينيّ بسرور بالغ، مقابل أن أكون على خطأ.
رغم كل ذلك لست ممن لا يرى أية إشراقة، بالعكس تماماً، فأنا كالغريق أتعلق بأية قشة مهما كانت نحيلة وهزيلة وأنفخ فيها بشاعرية وبحس رسولي، حتى تغدو غصناً بل جذعاً وطوق نجاة، وكمثال فهذا الصباح قرأت مقالاً للسيد علي جمالو عضو المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث المنعقد اليوم، حيث تكرم السيد جمالو في صحيفة الشرق الأوسط، واعتبر أن ثمة معارضة وطنية وديمقراطية، وليس جميع السوريين المعارضين عملاء وخونة، إنه كرم حاتمي ولست جاحداً كيلا أعترف به، وأرجو ألا يلقى السيد جمالو في أروقة المؤتمر العتيد من يوبخه على ذلك.
أظن أن التحليل الأكثر صواباً لأي حدث سياسي، من جميع تحليلات السلطة والمعارضة معاً،هو أن تقول وبثقة: مليح هيك ولا غير هيك،أو : الله يجيرنا من الأعظم، ولسّا يا ما حنشوف، وليس هذا من قبيل اليأس وإنما من باب تنفيخ اللبن الذي كوانا حليبه، من الأجداد الذين رفضوا قرار تقسيم فلسطين والآباء الذي أبوا مشروع روجرز، والأخوة الذين تصدوا لكامب ديفيد، وعلى السكة عينها، لم يعجبهم شكري القوتلي وهاشم الأتاسي مثلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق


.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا




.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟


.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا




.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال