الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القطار يواصل الصفير

بشرى البستاني

2013 / 12 / 8
الادب والفن



القطار يواصل الصفير
**
بشرى البستاني
**
أيها القطارُ الهابطُ إلى الشمال
المحمومُ بصفيرٍ اسود
لا تسلْ لماذا اقبع وحيدةً في عربة مكتظة
ولماذا العبُ الشطرنج وحدي
ولماذا يبتزُّني ضجيج العجلات ولا أثور
أيها القطارُ الصاعد إلى الجنوب
لن أسألك كم من الصحارى قطعنا
وكم من الصور عبرت الذاكرةَ نحو الدغل
مع أن النوافذ مقفلة

لن أسالك كم كان الفقدانُ سخياً معي
مع أن اللحنَ كان يعلو
ووجهٌ كحلم يصحبني
وحوله الشجرُ مفتونٌ بالظلال
يثرثر منتشيا بلثغة وردةٍ عصية
وتحت الشجر غزلانٌ تعدو
وانهارٌ كوهم السكارى
يخلعون ملابسهم ، ويقفزون إليها ..
فيمرِّغهم ترابُ المكيدة

أيها القطارُ المستديرُ نحو الشرق
العابرُ على الغَمْرِ قبل أن تأذن المشيئةُ بالنور
المزهوُّ على أشلاءٍ الهائمين على الأرصفة
وفي المقابر على ملوكٍ محشورين بعيدا
كنفايات تسابقَ النبلاءُ للخلاص منها :
عجلوا ، عجلوا ، وأكرموهم بالدفن .

أيها القطار المبهم
الوجعُ قريةٌ اسكنها وحدي
ومعي البشرُ أجمعون
نعم معي ، لكني أسمع ما لا يسمعون
وارى من السرو المقبلِ ما لا يرون
وأغضي خجلا من شجر اليقطين
حتى صرتُ تمثالا في زاوية مهملة
لا افزعُ من صوت الصواريخ
لا يرعبني انفجارُ العبوات في نبلِ شارعنا
لم ابكِ يوم انفجر بيتُ جارتي
وتناثرت أوصال طفلتها
لم احتجَّ على قطع أشجار حديقتنا الخارجية
لم أصرخ حين كسروا أبواب البيت كلَّها
فقط كنت أتساءل بصمت :
لماذا يكسرونها وهي مفتوحة
وجهُ الأمريكي أصفرُ شاحبُ العينيين
قبعته الحديدية تهتزُّ ، لا أدري لماذا
يتحزَّم برصاص يزيد عن الحاجة
صدره مدججٌ بنحاس أسود
يتلفت بهستريا متسائلا اين يخبئون الأسلحة ..؟

قال المترجم رغم عمالته :
أنتِ شجاعة ، واصلي ، لن يستطيعوا فعلَ شيء
نظرتُ إليه بأسف وواصلتُ الصمتْ
ما كان أغبى ذلك الأمريكي
يبحثُ عن الأسلحة دون أن يبصرَ اليمامَ
وهديلَ القطا العارمَ في عبير بيتي
ولا سنادينَ القرنفل وبسمةَ قمرٍ خجول في الشرفة
ووهجَ الشعر مفعماً بحنين فيروز ..
( ليالي الشمال الحزيني ، ظلي اذكريني اذكريني )

سأل الأمريكي ، ماذا تقول الأغنية
قال المترجم : It is a sorrow ful song
لم يعقب الأمريكي ،
بل راح يواصل شق أغلفة المقاعد
وتمزيقَ الفُرُش بمشارطَ وحشية بحثا عن الأسلحة
يتناثر أثاثُ البيت أشلاءً
آهِ .. كان ذلك يوم أسلموا الغوغاءَ
ألقاً ليس كجماله وطن
وظلَّ القطار يصفر
تكسَّرت السكة الحديدُ وانهارت الأنفاقُ
ومعها الجسورُ وأعمدةُ المدنِ
وعمَّت الحرائقْ
............

ومن يومها تركتُ الاعتراضاتِ كلَّها
وضحكتُ من المناهج التي درَّستها ثلاثين عاما
القديمةِ والحديثة
واعتذرتُ من كل الطلبة الذين صدقوني
مادام التوثيقُ خدعة
وأسلحةُ الدمار الشامل خرافة
باكتشافها أقفلتُ الباب خجلاً من الضحايا
وركنتُ لسكوت دائم ..
وصرت لا أتألم من تفاهات العصر ولا اقتتاله.
ولا أعترض على المفخخات ونسف الجوامع
والكنائس والمدارس وأسواقِ الفقراء
لم أقل كلمة في تفجيرالمقاهي والمطاعم الشعبية
أمام مراكز شرطة الأمن
ومنظمات المجتمع المدني
لم اعترض على حفر شارعنا أفقيا وعموديا
بأجهزة قمع عملاقة ، وبلا سبب
غير توفير فرصة - ما- لسرقة ما تبقى

لن أسالك : ماذا تبقى ...
فأنت تعرف أكثرَ مني
وعجبتُ إذ لم اصرخ
وأنا أبصرُ الأرض تميدُ وتنهارُ أعمدتها
فتتساقط كتبي التي أحببتها على الأرض
وتنفرط قلائدي
ويتلفت كريستال المساء
بل تساءلت فقط ، أين ذهبت الجبالُ بقانون التوازن.!
والقطارُ يصفر ،
لا احد في الطريق لكنه يواصل العويل
صار كلُّ شيء مباحا
إلا أفقَ وردٍ يصل عطرَك بروحي
وسؤالا يشرب في هواتف المساء حزني
فيتساقط العذابُ كورقٍ خريفي
حينها أتأهب لاستقبال طواحين الغد
............................

آه ..ذابلةٌ غصونُ البان تعتنقُ الأسئلة
وأنت تجيبُ ، ولا تجيبْ
وامرأةُ العزيز استوعبت قانونَ الشوق هذه المرة
دون مساءلة ، ولا هيتَ لكْ .
وهم يقذفون بالباطل على الحق فيدمغه

تغوصُ أقدامُ الأطفال في مدرسة أور
بمياه مطر أمس
وهم يكتبون على السبورة ... دار
هل تعرف الأناملُ البريئة أن الدار تئنُّ بجروحها
بينما اللصوصُ يقتتلون باقتسام الدار
وأنا أعتذر لأور وحضارتها
ولنبيها العتيد ممن أشعلوا النار
أصحاب الأخدود الذين مازالوا يحفرون قعر المكيدة
ويواصلون قذفنا في مطحنة الحرائق
آه ... كيف عادوا أيها الخليل الجليل .؟
وكيف لنا أن نقولَ للنار : كوني ...
والقطار يصفر
سائقه أسطوريٌّ أعمى
يحمل صخرته السيزيفيةَ
يرميها في كل نهر ولُجّة وبحر
لكنها تعود مرة أخرى
مبللة بدم الياسمين

القطار يبتلع الارض ، يعدو فوق برج ابن زايد
أقزم أبراج العالم
في أقبيته يموت المترفون غرثى
وعلى جوانبه يطفو الزبد .
على قبور الأمهات اللواتي ماتوا ويمتن كمدا
في عيونهن ثقوب حرمان لم تشبع من أبنائها
وفي جيوبهن يتدحرج العذاب

القطار يلتفت غربا
يعدو فوق الجليد ، فوق شلالات نيكارا ، أبراج تورنتو
فوق المحيطات ..
يلتهم ناطحات سحابهم ، يعدو
هو ليس كقطار سامي مهدي ولا أحمد أمير
ولا آنا اخماتوفا

وليس هو كقطار البرلمان العراقي
قطار البرلمان العراقيِّ يواصل الطيران في الأفاق
دون شوق لأمِّنا الأرض
ولا حتى كقطار المنتظِرين الكسالى
والمنتظَرين الذين سيحرروننا
والذين لن يأتوا أبدا
قالت النخلةُ الملتاعة بالعطش ، لا تصدقوهم
سألتُ صديقا يعرفُ أكثر مني
قال .. دعي الخلق للخالق
هنالك علاماتٌ لا يفكُّ لغزَها غيرُ العميان
فتشبّثي بالنهايات دوما
لأن الآتيَ لن يأتيَ أبدا
فقد ألقوا القبض على اللحظة وسجنوها
فاستدار الجميع للوراء
دون سؤال ولا جوابْ
ولذلك صدقيني ، كلٌّ سيمضي ...
أغنيتُكِ الربيعيةْ
موسيقى تشايكوفسكي التي أحببتِها
مئاتُ اللوحات التي جمعتِ من المتاحف وجَعَها
وفي الليل أعدتِ تشكيله
جويا ، كاندانسكي ، نزيهة سليم ، رافع الناصري
عبد الكريم الدوسري ، راكان دبدوب
وكثير كثير ..
آلافُ الصور التي التقطتُها
للذين دوَّنوا الحياة بنبل
وأخرى لمن منحونا الديمقراطية
وسرقوا أمام أعيننا مفتاحَ سرِّنا الأثير
وخرجوا معززين غيرَ مغضوبٍ عليهم
أو ظلوا وهم يعلنون قبحهم علينا
كل يوم ،
كل يوم

....................

القطار يصفر بشراسة
وهم لا يعلمون أن كلاً سينتهي
أولئك الغوغاءُ الذين داسوا على رقابنا
ما يؤلم فقط ،
غروبُ رقصتنا الليلية
وانكفاءُ المصابيح المعلقة على شجر الليلك
كله سيغيب بصمت ... وقليلُ من اليأس يكفي
ولكِ الاحتجاجُ أو السكوت ..
..................
حين صمتُّ برهة
رفضني الاحتجاجُ والسكوتُ كلاهما
ولأني مؤمنة بالكوانتم والاحتمالات الخلاقة
اخترت المكوث في موجة
ومن يومها وأنا وحدي .
أتأرجحُ في قطار ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب