الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحماس والقفز من النقيض إلى النقيض

داود روفائيل خشبة

2013 / 12 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



الحماس شىء مطلوب، فلا يمكن إنجاز أى عمل هام دون قدر من الحماس. لكن الحماس ينطوى دائما على خطر كبير، ذلك أنه يصحبه دائما انحصار الرؤية فى بؤرة ضيّقة، فلا يمتد البصر إلى ما يحيد بالبؤرة من جوانب وحواشى وأبعاد. ما أثار فى نفسى هذا الخاطر هو ما نراه من حماس المتحدثين عن مشروع الدستور الذى أنتجته لجنة الخمسين.
مثلا، جميع المؤيدين يتغنون بهذا الدستور وعلى الأخص بديباجته التى أراد من صاغوها أن يجعلوا فيها كل شىء، ولم يلحظوا أنهم بذلك جعلوها لا تعنى أى شىء. ولست أقصد هنا أن أنقد تفصيلا هذه الديباجة – وفيها الكثير الذى يستدعى النقد – وإنما أكتفى بأن أوضح لماذا أرى أن امتلاءها بكل ما خطر على بال صلئغيها جعلها لا تعنى شيئا، ذلك أن هذا الامتلاء أدى بها إلى أن تكون فضفاضة إلى حد أن يجد فيها كل مدافع عن توجّه ما سندا لذلك التوجّه، فتصبح الديباجة البليغة ساحة صراع لمختلف التيارات المتناقضة.
فإذا ما تركنا الديباجة إلى صميم الدستور وجدناه يحاط بنفس الحماس الذى يحجب الرؤيةالموضوعية، بينما الجميع يعلمون بالضرورة أن العديد من مواده قوبلت من كثيرين بالرفض، مثل المادة التى تسمح بالمحاكمة العسكرية للمدنيين، ومواد أخرى أفضل ما يمكن أن يقال عنها أنها فى حدود ما يسمح به واقع سقيم.
لا أقول هذا لأدعو لرفض الدستور، فمشروع الدستور بصورته هذه هو نتاج مجتمعنا بما فيه من تفسّخ وجهل وتناقض، ومع أنه كان من الممكن حتى فى ظل أوضاعنا هذه أن نحصل على ما هو أحسن من بعض الوجوه, إلا أن النظرة الواقعية تقضى بأن نقبل هذا الدستور المعيب كى نخرج من مستنقع الأوضاع المضطربة التى نعيشها، لكن إذا صدقنا ما يقوله المتحمسون من أن هذا أحسن وأكمل دستور جاد به الزمان، فكيف يمكن أن نطلب غدا ما هو أحسن منه؟
لكنى لم أقصد فى حديثى هذا أن أتناول الدستور وما أحاط به، إنما أردت الحديث عن هذا المزاج الذى يجعلنا عاجزين عن النظر للأمور نظرة موضوعية عقلانية.
من أمثلة مواقفنا التى تقفز من النقيض إلى النقيض دون أن تعير ما بين هذين التفاتا موقفنا من جهازالأمن ورجاله، فرجال الأمن عندنا إما أنهم تجسيد كامل وخالص للشرّ، أو أنهم مثال للوطنية والإخلاص والالتزام بالقيم الأخلاقية. حين تتملكنا نظرة الشرّ لا نكون مستعدين لأن نأخذ فى الاعتبار أننا لا نستطيع الاستغناء عن جهاز للأمن، وأننا إن اعتبرنا جهاز الأمن فى مجموعه شرّا وعدوّا علينا أن نحاربه ونقضى عليه، فإننا بذلك نهدم ركنا أساسيا من أركان الدولة. وحين تتملكنا نظرة أن الأمن ورجاله تجسيد لمثاليات الوطنية والعدل فإننا نغمض أعيننا عما تمتلىء به عقيدة رجال الأمن عندنا من عنجهية واستعلاء واستهانة بإنسانية الإنسان، وهو ما رأيناه ونراه مرارا وتكرارا فى الاعتقالات العشوائية وقوائم الاتهامات الجاهزة التى تكال لكل من يقع فى أيديهم والمعاملة اللاإنسانية لكل من تطوله أيديهم.
الأمثلة على تغلغل فكر التطرف اللاعقلانى فى مجتمعنا كثيرة، نجدها فى كل مجال وعلى كل مستوى من مستوياتنا الفكرية والاجتماعية. أمامنا طريق طويل حتى نكتسب القدرة على التفكير العقلانى والموضوعى، وحين يشارك المثقفون والإعلاميون والسياسيون فى توطيد فكر التطرف، إن يمينا وإن يسارا، كما يفعل الكثيرون منهم للأسف، فإنهم يقترفون جرما لا يغتفر ويعوقون تقدما نحو النضج الحضارى.
اسمحوا لى بأن أختم حديثى بملاحظة شخصية. أود الاعتذار للقارئ إذ أنى أصبحت أبدأ الحديث فى موضوع فأجدنى انتقلت لموضوع آخر, أهى سنواتى الست والثمانون أصابت عقلى بالاضطراب؟ أم هى أوضاع بلادنا المختلطة المتداخلة بغير نسَق ولا منطق؟ أم هى أوضاع عالمنا الذى اختلط فيه الحق بالباطل، وصار التقدّم فى جزء منه سببا مباشرا للتخلف فى أجزاء أخرى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على