الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطر الاقتتال الأهلي في سورية , والمهمة الإنقاذية

مفيد ديوب

2005 / 6 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أخيرا وصل النظام السياسي في سورية إلى الحائط المسدود الذي لم يخطر بباله أنه سيصل إليه في يوم ما ,كما لم يدخل هذا الحائط في قاموسه أو في وعيه أو في حساباته , بل كذب على نفسه وعلى شعبه بأنه باق إلى الأبد, وصدق كذبته هو وكل من انخرط معه في لعبة الفساد والإفساد 00 فعاسوا فسادا وتكبّروا وتجبّروا دون أن يرتجف لهم جفن أو يخطر على بالهم البليد بأن للظالم نهاية , أو بأنهم سيصلون إلى الأقفاص والسجون التي وضعوا قيها الوطن برمته بداخلها00 ربما كانت حساباتهم الساذجة توحي لهم أنهم ورثوا إمبراطورية لن " تأفل شموسها" لذا امتدت أذرعهم إلى البلد المجاور وخربوا وطنا آخر ,وربما توقعوا أسوء الاحتمالات أن يطردهم شعبهم يوما فسيجدون أرصدتهم الخيالية في البنوك الأجنبية كفيلة بأن تحمي آخرتهم ومؤخراتهم من غضب الشعوب ,وأن حلفائهم في تلك البلدان الأجنبية الذين منحوهم القوة على شعوبهم والضمانات لهم, والذين بنوا كل رهاناتهم عليهم وعلى دعمهم , لن ينقلبوا عليهم قي يوم من الأيام 0 لم يحسب ألئك الأغبياء بأنهم لن يجدوا يوما بقعة أرض يلجأوون إليها أو جماعة تؤويهم ,واليوم وصلوا إلى المصيدة المقفلة فليذهبوا إلى الجحيم ويواجهوا مصيرهم الذي جنته أيديهم, ولن يكون الشعب آسفا عليهم بل سيكون الرابح الأكبر في النهاية 0

وستفتح أمام شعبنا آفاق جديدة ستمكنه من إبداع الحلول لمشكلاته الكبيرة 0 ومن ثم الشروع بحلها0

إلا أن ما يفصلنا عن الوصول إلى تلك المرحلة, مرحلة انتقالية مفتوحة على احتمالين رئيسين:

الأول : هو الانتقال سلميا من نموذج السلطة والدولة الديكتاتورية الشمولية الحالية إلى نموذج سلطة جديدة ودولة جديدة ,دولة المؤسسات والقانون وشرعية صندوق الاقتراع وشيوع الحريات المصانة بالقانون ,وهذا ما نأمله ونحلم به منذ عقود ,وعندها لن يكون مهما من يكون على رأس الهرم السياسي ,وأيا يكن فذلك سيكون خيار الشعب ,وسيكون المهم الحفاظ على هذا النموذج وتلك المؤسسات00

الثاني: وهو احتمال الانتقال إلى حالة من الفراغ الأمني السياسي والتي تفضي إلى الفوضى وتفتح الأبواب أمام تفجر الاحتقانات الاجتماعية القائمة بين مكونات الشعب, وبالتالي الوقوع في دائرة العنف التي ستحرق الجميع0 وهنا يحضر السؤال التالي:

هل هذا الاحتمال أو هذه الفرضية قائمة ومحتملة بالفعل, وما مدى قوتها ؟ أم هي مجرد مخاوف وافتراضات وهمية ؟

إن ما يعزز هذه الفرضية ويعطيها القوة, مجموعة من العوامل نراها كما يلي :

1ـ إن المجتمعات القروسطية والتي لم تهيمن فيها الرأسمالية الصناعية والتي بدورها تقوم بتحويل التقسيمات العمودية القائمة بين مكونات المجتمعات (والتي تقسمه إلى عشائر وطوائف واثنيات) إلى تقسيمات أفقية0 بعد تحطيم للبنى القديمة وتحشر البشر في الاصطفافات الجديدة والقائمة على وحدة المصالح 00 وهذا ما لم يحصل في بلدان الأطراف التي ولجت عالم الرأسمالية, حيث كانت الهيمنة للطبقة الكمبرادورية التي كسرت القشرة الخارجية للعلاقات والبنى القروسطية وعجزت عن الوصول على العمق 00 لذا بقيت العلاقات والبنى القديمة حاضرة وقوية وتقوم النظم الاستبدادية بضبطها بحدود الممكن0

2ـ لم ترسى في هذه البلدان الأسس الضرورية للحياة الديمقراطية , ولم تتاح الحريات وممارسة السياسة, ولم يسمح بتشكل الأحزاب ذات البرامج الوطنية المتنافسة والتي تساهم في عملية الاندماج المجتمعي الوطني ,كما لم تتشكل دولة المؤسسات والقانون الضامنة والحامية لحياة المواطنين وحقوقهم ,مما يجبر البشر على التفتيش عن مكونا تهم القديمة للاحتماء بها واللوذ تحت رعايتها, ومن ثم الولاء والانتماء لها على حساب الانتماء للوطن والدولة0

3 ـ إن السلطة الاستبدادية الشرقية اعتمدت أسس اللعب بهذه المكونات في لعبتها السياسية من أجل تأبيد سلطتها0 وخلقت احتقانات اجتماعية تتمظهر بمظاهر التقسيمات العمودية ,مما يزيد التوتر بين تلك المكونات ويزيد مخاطر تفجر تلك الاحتقانات وتمزق الوحدة المجتمعية المزعومة 0

وما أثبته الواقع عندما كشف الغطاء عن مجتمعاتنا أنها بعيدة جدا عن التوحد والاندماج المجتمعي ,وشروط الحرب الأهلية متوفرة, وإن تكن في حالة سبات لفترات طويلة , خاصة إذا كانت الطغمة الحاكمة تلعب وتتحكم بالمؤسسة الدينية التي تتمتع بمكانة هامة جدا في مجتمعاتنا لما للدين من قوة وحضور في تشكيل الوعي ولما لديه من سطوة على التأثير والحشد, وخصوصا أيضا لما يتاح من فضاء واسع وحرية في العمل والحركة لمجمل طيوف المؤسسة الدينية طالما هي تبرز الولاء والدعاء للسلطان, في الوقت الذي تعد الأنفاس على التيارات العلمانية وتبذل كل الجهود لقمعها وحرق أوراقها00

استحقاقات المرحلة الانتقالية :

أمام هذه اللوحة الرمادية الموصوفة عن المرحلة الانتقالية ,نعتقد انه يتوجب على مجمل القوى الوطنية الديمقراطية السورية النهوض من سباتها والعمل بأقصى طاقتها محاولة لملأ الفراغات القائمة والعمل بجميع المجالات والمستويات على تجاوز المرحلة الانتقالية إن لم يكن بالسلام المنشود , فليكن بأقل الخسائر والآلام . وبدءا من توقع الاحتمال الأسوأ, والتركيز على نزع فتيل الاقتتال الأهلي , وفتيل العنف بكل أشكاله 00

كما يتوجب تأجيل كل المهام الأخرى وكل الاختلافات المترتبة عليها, ومنح الأولوية للمهمة الوطنية الإنقاذية وانجاز ورقة عمل تحدد التوافقات الوطنية الديمقراطية والعمل المكثف عليها0 والتي تكون غايتها تقليص طغيان الاستبداد بالحدود القصوية الممكنة وإرساء الأسس الديمقراطية المحمية بالقوانين وانتزاع الحريات عبر تشكيل جماعات الضغط الديمقراطية على السلطة بأسلوب العمل العلني السلمي بمختف الأشكال الممكنة 0ونظرا لتعثر قيادات أحزاب المعارضة في إنجاز حالة من التنسيق والعمل الجمعي وصولا إلى تشكيل جبهة وطنية ديمقراطية معارضة للاستبداد لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا , يمكن أن تكون تشكيل ملتقيات وطنية يدعى إليها كامل الطيف الوطني السوري ( من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار) في كل مدينة وبلدة وفي مراكز المحافظات وفي العاصمة, يمكن أن تكون أحدى الآليات الفاعلة والمهمة والتي تشجّع جميع الطيف الوطني الجالس على الرصيف والشاهد المراقب, والذي عنده مشكلة مع السياسة ومع العمل في الأحزاب, أو بالعكس تكون الأحزاب السياسية عندها مشكلة في العمل مع هذا الطيف 0 يمكن لهذه الملتقيات الوطنية أن تكون دلالة وطنية ديمقراطية لبقية المجتمع وتملا فراغ , الوطن بأمس الحاجة لإملائه ,وتكون بالوقت نفسه موحدة لإرادة وطنية جمعية, وحاملة لإجابات وتطمينات بأمس الحاجة إليها المواطنين, وصمامات أمان لمنع اندلاع العنف , حين تتسارع الأحداث وتضيع البوصلة , وتفتقد الرؤيا 0


مفيد ديوب 5/6/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة