الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشبح

محمد أيوب

2005 / 6 / 11
الادب والفن


قصة قصيرة
بقلم : د . محمد أيوب
اعتاد الأطفال في ليالي الصيف أن يجتمعوا للعب في ساحة واسعة أطلقوا عليها اسم الحاكورة ، وهي عبارة عن قطعة من الأرض البور في وسط القرية ، محاطة بسياج من أشجار الصبار الذي يعرفه أهل القرية باسم الصبر، كان الأطفال يقسمون أنفسهم فرقا مختلفة، بعضهم يلعب لعبة الجمَّال ، فيصيح المنادي : جمَّال ابن جمال سرقوا لك جمالك ، يرد الطفل الذي يمثل دور الجمَّال : سيفي تحت راسي ما بسمع كلامك ، وهكذا تستمر اللعبة حتى تتم سرقة الجمال ويصحو الجمَّال ليجد نفسه بلا جمال ، بينما تلعب فرقة أخرى من الأولاد لعبة الحرب ، يقسمون أنفسهم فريقين : إنجليز وألمان ، تبدأ المعركة ويثور الغبار ، وتستعمل العصي والحجارة أسلحة في المعركة ، تتعدد الجولات بين كر وفر ، وهكذا كان لكل فريق من الأطفال لعبتهم التي يحبونها .
مضت حياة الأطفال هنيئة سعيدة على هذا المنوال .. جميع أطفال القرية يجتمعون في مكان واحد .. يتسامرون ويتبادلون الأحاديث .. يرددون أحاديث جداتهم عن الغيلان والعفاريت والمردة ، ويتساءلون عن حقيقة هذه الأشياء ! قال أحمد : لا يوجد عفاريت أو غيلان ، هذا كلام فارغ .
ولكن محمود يؤكد أن جدته رأت عفريتا بقرنين وله عين واحدة كاد يقتلها لولا لطف الله بها ! تقترب سمر من الأولاد وتقول : يوجد حتى الآن شبح الحاج حسين ، يظهر كل ليلة عند الفرن ، في المكان نفسه الذي قتل فيه قبل عدة سنوات ، والكل يخشى أن يمر من تلك الطريق مخافة أن ينفرد به الشبح .. الرجال والنساء والأطفال لا يمرون من هناك من المغرب حتى شروق الشمس .. الكل يخاف من الشبح .
قال أحمد : هل تصدقين ذلك يا سمر ؟ !هل من المعقول أن يمنع هذا الكلام الفارغ أهل القرية من التجول بحرية في قريتهم ؟ لا بد أنه الجهل ، مساكين أهل القرية ، لم يتعلموا في المدارس كما نتعلم نحن الآن .
- ولكن أبو علي رآه رأي العين وأقسم على ذلك أمام أهل القرية .
قال أحد الأطفال ذلك والخوف بادٍ على وجهه بينما رد الآخر :
- لا بد أن الأشباح موجودة ، هل المعلم أصدق من كل أهل القرية ؟ كل أهل القرية يقولون إن الشبح يقطع الطريق في الليل ، والأستاذ وحده ينفي ذلك ! فأيهم نصدق ؟
كان الأطفال يتحدثون بذلك وهم في الحاكورة ، فإذا ما بدءوا بالعودة إلى بيوتهم القريبة لزموا الصمت ، بينما يأخذ الكبار منهم في قراءة بعض التعاويذ التي حفظوها عن جداتهم العجائز لمنع ذلك الشبح من اعتراض طريقهم ، كانوا وهم داخل الحاكورة يعتقدون أنهم في مأمن من الشبح حيث تحيط بهم أسيجة الصبر من جميع الجهات فلا يستطيع الشبح النفاذ إليهم .
وفي إحدى الليالي المظلمة ، وبينما كان الصبية يلعبون ، رأوا جسما أسود يتحرك نحوهم ثم يأخذ في الاستطالة شيئا فشيئا ، صاح الأولاد مذعورين : عفريت .. عفريت . وأخذوا يجرون في فوضى بينما بقي أحمد في مكانه لا يبرحه ، كانت بجانبه عصا طويلة وغليظة كان يستعملها في معاركه الوهمية ، فقد كان يقوم بدور القائد في فريقه ، رفع العصا إلى أعلى ، وقبل أن ينزل بها على العفريت ، صاح العفريت : لا تضربني يا أحمد ، فأنا محمود ، حاولت أن أمزح معكم ! تجمع الأطفال من جديد ، حاولوا أن يبدءوا اللعب مرة أخرى ، لكن الخوف عطل رغبتهم فجلسوا واجمين .
قال أحمد : أرأيتم أن العفريت من صنع خيالاتنا وأوهامنا ؟!
قالت سمر : لكن الشبح ليس وهما ، إنه موجود هناك عند الفرن .
قال أحمد : نذهب ونرى .
رد الأطفال في رعب : ولكنه سيقتلنا ، إذا كان الرجال يخافون الشبح ، فهل نذهب نحن لملاقاته ؟
قال أحمد : سنشعل المشاعل ونذهب جميعا ، ليحمل كل منا مشعلا ، فإذا وجدنا الشبح ألقينا عليه المشاعل وأحرقناه ، وإذا لم نجده نعود بعد أن نكون قد كشفنا الحقيقة بمشاعلنا، واقتلعنا جذور الوهم من قلوب أهل القرية ، وعندها يكون المعلم هو الشخص الوحيد الذي كان يقول الحقيقة ، ولكنه لم يجد من يتعاون معه على كشفها أمام أعين الناس .
صاح الأولاد : هيا نشعل المشاعل .
بدأ كل منهم يشعل قطعة من القماش على رأس عصاه التي كانت سلاحه في معاركه الوهمية ، أنارت المشاعل عتمة الليل ، سار الأولاد مهللين : سنحرق الشبح .. سنحرق الشبح .
اندفعت جموع الصبية نحو شارع الفرن وهم يملئون الجو بهتافهم ، لكن أحدا من أهل القرية لم يسمع الصراخ ، فقد كانوا مشغولين بأمر آخر ، الرجال في الديوان يتحدثون عن الماضي ، والنساء عند الحاجة نفيسة تقرأ لهن الفنجان وتصنع لهن الأحجبة المختلفة.
ومن بعيد تراءى لهم وسط العتمة شبح أبيض يتحرك ببطء شديد مرة ، وبسرعة كبيرة مرة أخرى ، وقعت سمر من شدة الخوف بينما حاول بعض الأولاد الفرار ، وتقدم الباقون وراء أحمد ، تحرك الشبح بسرعة نحو كومة الأخشاب التي يستعملها صاحب الفرن وقودا لفرنه ، دخل الشبح إلى الكومة ، لاحظ أحمد ذلك فأشار للأولاد أن يتبعوه ، تصور نفسه قائدا حقيقيا في معركة حقيقية ، أمر الأولاد أن يحيطوا بكومة الحطب من كل جانب ، وبعد ذلك أمرهم أن يقذفوا مشاعلهم فوق كومة الحطب .
صاح الشبح : لست شبحا أيها الأطفال .. أنا إنسان مثلكم .. لا تحرقوني ، حرام عليكم .
قال الأولاد : من تكون إذن ؟
قال الشبح : أنا أبو علي .. والله العظيم أبو علي .
ولماذا فعلت ذلك ؟ قال الأطفال بصوت واحد .
قال أبو علي : كنت أسرق بعض الأشياء الثمينة من القرية وأخفيها هنا ، وحتى لا يعرف الناس مكانها أوهمتهم أن شبح الحاج حسين يظهر كل ليلة ، وبينما كانت النار تشتعل ، ظن أهل القرية أن حريقا شب في قريتهم فاندفعوا لإطفائه غير مبالين ، وبلا وعي منهم وجدوا أنفسهم يسيرون نحو الفرن ليجدوا الأطفال أمامهم ، سمعوا صوت أبي علي يطلب النجدة ، أسرع رجال القرية وأنقذوه من النار ، ولما نجا أعلن توبته وندمه على جرائمه ، عاد الرجال فرحين بأطفالهم الذين أناروا لهم طريق الحقيقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_