الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-التركيب- و-التفكيك- عربياً

جواد البشيتي

2013 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



"التركيب" و"التفكيك" هو ناموس كوني، لا تشذ عنه حتى المجتمعات والدول؛ فـ "العناصر"، وهي الأبسط من الأشياء، تَتَّحِد، في طريقة ما، لتكوين "مُركَّبات"، يمكن، لسبب ما، أنْ تَنْحَلَّ إلى مكوِّناتها البسيطة، التي إمَّا أنْ تعيش مستقلة، وإمَّا أنْ تَتَّحِد، مرَّة أخرى؛ لكن في مُرَكَّبات جديدة.
و"المَيْل إلى التَّفَكُّك (والانحلال)"، مع ما تُرْجِمَ به، حتى الآن، من حقائق واقعة، هو الآن، وفي بلاد "الربيع العربي"، على وجه العموم، أقوى وأشد من ذي قَبْل؛ أمَّا السبب فهو عَجْز المُكوِّنات والعناصر جميعاً (جماعات دينية وطائفية ومذهبية وعرقية وقومية وإقليمية وقبلية..) عن الاتِّحاد في مُركَّبات جديدة، أفضل وأقوى من تلك التي هي الآن قَيْد التفكُّك والانحلال.
لا بدَّ للشعوب (والمجتمعات) التي تعيش في أقاليم تُسمَّى دُولها "العراق"، و"سورية"، و"ليبيا"، و"اليمن"، و"مصر"، و"تونس"، من أنْ تشتري خلاصها وحريتها وآدميتها وحقوقها ومستقبلها؛ لكنْ ليس بِثَمَنٍ، يَعْدِل "هزيمتها التاريخية"، ألا وهو تَفَكُّك وانحلال ودمار الدول، وتَمَزُّق المجتمعات، بقوى التعصُّب الدِّيني والطائفي والمذهبي والعرقي والقومي والإقليمي والقَبَلي، واحتراب واقتتال المُكوِّنات والعناصر جميعاً، لِيَكْتُب التاريخ، من ثمَّ، أو في آخر المطاف، أنَّ الطريق إلى جهنَّم (هذه) كانت مبلَّطة بالنِّيات الحسنة لـ "الربيع العربي"؛ مع أنَّ قوىً من خارِج "الربيع العربي"، وتُناصبه العداء، الظاهِر أو المستتر، دَفَعَت، وتَدْفَع، في هذا الاتِّجاه؛ ولن نلومها؛ لأنَّ الضحية نفسها، أيْ نحن، هي التي تتحمَّل المسؤولية الأولى والكبرى.
ما الحل؟ وما العمل؟
لا حَلَّ يَقْطَع الطريق على "الحل"، أيْ الانحلال والتفكُّك، مع عواقبهما وتبعاتهما، إلاَّ الذي نأخذ به قَبْل، لا بَعْد، فوات الأوان؛ فالزمن، ولجهة مروره، وتَرْكِه يَمُر، ليس بالأمر قليل، أو عديم، الأهمية.
و"الحل" سَهْل وبسيط من الوجهة النَّظرية؛ أمَّا عملياً وواقعياً فَمِن دون خرط القتاد؛ ولا بدَّ من ثمَّ، وعلى ما قال آينشتاين، من تغيير "الواقع نفسه"، لجعله متوافِقاً، أو أكثر توافقاً، مع "النَّظرية"؛ على أنْ يُفْهَم هذا القول بما يُوافِق منطق العِلْم؛ فثمَّة أفكار ونظريات يَسْتَصْلحها "التاريخ نفسه"، وإنْ بَدَت، أو كانت، بعيدة عن الواقع، لا وَزْن لها بميزانه الآن، ولا تحظى بشرعيته.
وفي هذا الحل السَّهْل والبسيط، الضروري تاريخياً، الصَّعْب، أو الذي في منتهى الصعوبة، واقعياً، الآن، اقول: لَمَّا سُئِل أردوغان، الإسلامي الهوى والهوية والنزعة، عن "العلمانية" في تركيا، أجاب بما يعني ويؤكِّد أنَّ "العلمانية" حاجة تركية، وشرط بقاء لتركيا، وإنْ لم تكن اختراعاً تركياً؛ فتركيا، وبحكم تنوُّعها الطائفي والمذهبي والعرقي والقومي، لا يُمْكِن أنْ تُحْكَم، وأنْ تُحْفَظ وحدتها، وتُصان، وأنْ تتقدَّم، وتظل بمنأى عمَّا يُفْسِد ويُقوِّض أمنها واستقرارها، إلاَّ بـ "العلمانية"، التي يكفي أنْ نفهمها هذا الفهم، وأنْ نَزِن أهميتها بهذا الميزان، حتى نَقِف على أهمية وضرورة أنْ نَنْظُر إليها بِعَيْنٍ غير "العَيْن الدِّينية"، والتي لا أُجانِب الواقع إذا ما زَعَمْت أنَّها ليست هي نفسها "عَيْن الدِّين"، التي يُمْكِنها، لو مُكِّنَت، أنْ ترى في "العلمانية" ما يعود بالنَّفع والخير على الدِّين نفسه.
وأقول أيضاً: إنَّ "العلمانية" هي أحد أضلاع مُثَلَّث الخلاص؛ فـ "الليبرالية (بمعناها الاجتماعي والثقافي والإعلامي والفكري)" هي ضلعه الثاني؛ و"الدولة متعدِّدة القومية والعِرْق" هي ضلعه الثالث.
في بلاد "الربيع العربي"، على وجه الخصوص، والمهدَّدة دولها ومجتمعاتها الآن بالتفكُّك والانحلال والتمزُّق، وبحروب أهلية (طائفية ومذهبية وإقليمية وقبلية وعرقية) يخالطها كثير من الإرهاب والفوضى، تشتدُّ الحاجة إلى "نظام انتقالي"، يؤسِّس لـ "الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة"؛ وهذا "النِّظام" لن يَخْرُج من رَحْم "صندوق الاقتراع"؛ لأنَّ هذا "الصندوق" لن يَخْرُج منه الآن إلاَّ كل ما هو جدير بالموت والهلاك.
ينبغي لتلك الدول والمجتمعات أنْ تأتي، أوَّلاً، بهذا "النِّظام الانتقالي"، الذي ينبغي له أنْ يبدأ عمله (التاريخي) بالاعتراف، دستورياً، بكل مكوِّنات المجتمع، بمعناها الدِّيني والطائفي والمذهبي والعرقي والقومي، وبتساوي المُكوِّنات جميعاً بالحقوق جميعاً؛ فإنَّ لكلِّ مُكوِّنٍ الحق في أنْ يُرينا نفسه، وأنْ يرى غيره، كما يشاء، وبما يسمح لكل المُكوِّنات بأنْ تطفو على "السَّطح". وهذا العمل (التاريخي) لن يبدأ ويتقدَّم إلاَّ في "العلمانية"، و"الدولة متعدِّدة العرق والقومية"، ومع إطلاق الحُرِّيَّات السياسية والفكرية والثقافية والمدنية والاجتماعية والإعلامية؛ فإنَّ رَفْع منسوب "الليبرالية (الاجتماعية والفكرية والثقافية والإعلامية)" في حياة المجتمع يمكن، ويجب، أنْ يتقدَّم على "الديمقراطية الانتخابية"، و"صندوق الاقتراع"، إلاَّ إذا أمْكَنَ أنْ تبتني مجتمعاً ديمقراطياً ليبرالياً حُرَّاً مُنْفَتِحاً بقِلَّة قليلة جدَّاً من الديمقراطيين والليبراليين والأحرار والمُنْفَتِحين!
بقي أنْ أقول إنَّ هذا "النِّظام الانتقالي"، المؤسِّس لـ "الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة"، يحتاج إلى "التمويل"، شأنه في ذلك شأنْ كل المشاريع الناجحة؛ فالاقتصاد، بازدهاره، وبِحُسْن توزيع ثماره، هو ما يشدِّد المَيْل لدى مُكوِّنات المجتمع المختلفة إلى الاندماج، وإلى مزيدٍ من الاندماج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرشحو الدورة الثانية للانتخابات الفرنسية يحاولون جذب أصوات ا


.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي يسيطر على أكثر من ربع قطاع غزة| #نيو




.. إسرائيل توافق على أكبر عملية مصادرة لأراضي الضفة الغربية منذ


.. الإصلاحي بزشكيان والمحافظ جليلي.. تعرف على مرشحي رئاسة إيران




.. الجيش الإسرائيلي يواصل حرق منازل بحي الشجاعية شرق مدينة غزة