الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصائرٌ في مهّبِ الكلام

كاظم الواسطي

2013 / 12 / 11
الادب والفن



كنتَ في ثنايا صخبِ ذاك المكانِ فتىَّ حالماً
بأجنحة ضوءٍ تخفقُ ريحاً في الحيّزِ
بين البابٍ الخشبيّ لمدرسةٍ في وسط السوق
وكشكٍ للجرائدِ يطلُّ على ساحةٍ
لها نكهةُ السينما
وطعمُ العنبةِ والصمون
حيثُ أمنياتُ اليفاعةِ بوصلةٌ تتحرّك
بينَ تلك القصيدةِ وذاكَ الكتاب
وآخر فيلمٍ في " الفردوس الشتوّي " .

بحماسة الساخطينَ على وشمٍ للبؤسِ
يُنقرُّ مثلَ غرابٍ أعمى في قلب الفقراء
وزعتَ ذات يومٍ نسخاً من كتابٍ ممنوع
على رَحلات الخشبِ
في أكثر من صفٍّ متوسط
عندما الطلابُ تدافعوا ضجرين
من الدرس .

بعد رنين الجرس الأخير
تفاجأ بعضُ الفتيّةِ بكتابٍ غريب
وصورةِ رجلٍ يشبه شكلَ القديسين
بلحيتهِ الكثّة
وطلّتهِ الوادعة
أثار الحيرةَ في براءة عيونهم
التي حملّقت في فراغٍ أخرس
أقلقَ الروحَ بالترّقبِ .

أبرقتِ الأصابعُ راجفةً فوق الصورة
حيث المدرّسُ منشغلاً
تحت بياض الطباشيرِ
أعادَ ، بعضهم ، الكتابَ الى مَكمن الرَحلةِ
وآخر دسّه ، بارتباكٍ ، تحت قميصٍ فضفاض
لم يسقط سهوّاً من مواسمَ مضت
وفيه متسّعٌ لا يضيقُ على هزال الأجساد .



في أحياء الفقر المدقع في " باب الشيخ "
وأزقة " الصدرية " الضيّقة كدروب الأفاعي
وفي " الثورة " المستلقية على طينٍ بارد
رافقها مذ كانت " خلف السدّة " ،
قرأوا لآبائهم النائمين على خاصرة الجوع
طلاسمَ رجلٍ يُدعى ماركس
قصدهم من المجهول بـ " البيان " العجيب
وأرسل اليهم حروفاً مجنّحةً لـ " شبحٍ " يجول
بعدّةِ الفارق الطبقي ، في مكانٍ آخر
يبعدُ سماءً عن المدرسة
وبحاراً عن تلك الأحياء
ولا أحدَ يعرفُ كيف دخلت صفّ الدرسِ
وأيّ ساحرٍ ماكرٍ أتى بها من هناك .

تحرّك رادارُ الأحلام الغضّة ، بدوراتٍ
كلوامسِ حشرات .
عرفوكَ ، وكنتَ الساحرُ في الصفِّ
انتَ الحاذقُ في القصّ اليوميّ الغامض
عن حرب الأيام الستة ، ومجيء قطارٍ آخر
يصعده " المنحرفون " بدعمٍ أمريكي
وولاءٍ من حشدٍ منحّط .
غضبتَ كثيراً ،
وابيضّت عيناكَ صغيراً من سوء الطالع .

تمثّلتَ الأفكارَ من كتبٍ شتىّ تقرأها في البيتِ
لتذكرَ منها ، للثلةِ في المقهى خلف الكشكِ المشرق
في الساحة ،
أشياءً عن لينين وجيفارا ، ونبوءات تروتسكي
قبل الغدر به في منفى الجلف ستالين .
وتقفز ، أيضاً ، مثل الكنغرِ في حقلٍ شاسع
بين " السقطة " و " الغثيان " و " ضياع " الكاتب
كولن ولسن " في سوهو " ،
مبتهجاً بالحلم السُّريالي ورؤى المجنون بريتون :
هل كنتَ ( شيو- سريالي ) في حلمٍ من هذيان الرؤيا
وفي عملٍ ضد الظلمِ مستوّحى من قدراتِ في التغيير ؟
( قال صديقي الأكبر سنّاً ، والمتأدلج جداً
لمَ تقرأ لكاتب برجوازي مثل سارتر
ونحن على خلاف مع الوجودية ؟ )
امتعضتَ من سذاجةِ السؤال ، وتركتَ ما يتعلّبُ
في المعنى المغلق
بأكثر من غثيانٍ ، وسقطِ / ةِ .. متاع .

هو ذاتُ المكانِ نأى بركامٍ من أمنيّاتٍ معطّلة
وأشواطِ خرابٍ أحنت ظهر الأحياء
في زوايا البلاد .

وأنتَ عناداً ، حوّلتَ كلام السحرِ الى أفعالٍ
في قاموس " الأنصار " التطبيقي
ولأنَّ البعضَ يصّرُ على تكرار الأخطاءِ
بوهمٍ من أسمالٍ في التدبير وفي التفكير
حصدتَ مواجعَ لا تُحصى ، ثمناً
لثرثرةِ وشاةٍ منبوذينَ ، ولخيبّاتٍ في الفهمِ
وتأويل الواقع .

تخرجُ من عتبات الموتِ في سجنٍ للفاشستِ
بعفوٍ من ميلادِ حروب الديكتاتور
لتدخلَ بيتاً في الحيّ سجينَ المُخبرِ والمنبوذ
وكانت حربٌ
تنسخ ُطبعاتٍ متجدّدةٍ للموت الحتمّي
وعناداً أيضاً ،
كان المخبئُ حقلَ دواجنَ في أقصى الريف ،
وهروباً يتكرّرُ بين الهدنةِ والقتلِ
فأسعفكَ الوقتُ المسروقُ من فخٍّ بعثّي .

وقفتَ بصمتِ " صراخ أخرس " ، غريباً
بين مدرسةٍ صارت بقالةَ فاكهةٍ وخضار
وكشكٍ للجرائدِ لاذَ حزيناً بدموعٍ من إسمنت
وراء جدارٍ للقطعِ الفاصل بين الأحياء
ناظراً بحزنِ الطرائدِ ، كما تروتسكي في منفاه ،
إلى باب السينما التي ضاعت ، كما الأبناءُ
في ثقوب البلاد .


ماذا تقول الآن
لمدرسةٍ – بقالة ، لكشكِ جرائدَ - إسمنت ،
لسينما – محلّاتٍ لبيع الأدواتِ الانشائية
وبسطات المستعمل ،
لأحياء الفقر التي نامت في أحضان الوهمِ ،
لكارل ماركس الذي ترك رَحلاتنا الخشبيّة
وصار من " أطياف " دريدا ،
لفتيان الرَحلاتِ
وقد لامس " البيان الشيوعي " جلودهم صغارا
وتركوه على رفوف الغبارِ شيوخاً
لسارتر الذي أصاب صديقك العقائدي بالغثيان
ولكاظم " الزغيّر " ، غارقاً بألف سؤالٍ وسؤال
وقد علقته كهلاً على مقصلة الانتظار ؟

اسمحوا لي أن أقولُ الآن
ما لم استطع الهمسَ به يوماً حتى لنفسي :
لقد فقدتُ الرجاءَ بهذا المكان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت


.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال




.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب


.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي




.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء