الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم في مدينة الديوانية

قاسم حسن

2013 / 12 / 12
الادب والفن


يــوم في مدينة الديوانية
في الديوانية تنمو الفنون وتنتعش الثقافة
مبدعيها مناضلون ومثقفيها يجاهدون من أجلها
نقابة الفنانين الأكثر استقرارا من المحافظات الأخرى
تحتاج الى القائد المثقف والواعي الذي يستوعب ويستمع الى أصوات مبدعيها
أهاليها .... يتذمرون من واقعها الخدمي وبنيتها التحتية
الديوانية أم العنبر والبطيخ كما تعرف لدى غالبية الشعب العراقي وأهل المضايف والكرم والخير ... سميت بهذا الأسم لكثرة دواوينها وكرم أهلها وترحيبهم بالضيوف ... ولتوسطها العراق أصبحت وعلى مدى التاريخ ممرا بين الجنوب والوسط ولموقعها الجغرافي المهم ... يتوسطها نهر الفرات الذي سمي بأسمها ( شط الديوانية) ...
لاأريد الاسهاب عن الديوانية ووصفها وأهلها وجغرافيتها ... وخيرها بل أردت التوقف عند فئة مهمة من مجتمعها ... ألا وانهم المثقفين فيها ... اذا افترضنا ، تعريفنا للمثقف ، بأنهم النخبة من العاملين في حقول الثقافة والفنون والآداب ، من مسرح وسينما وفنون أخرى ، وكذلك الأعلامين والصحافيين العاملين في صحافتها ووسائل الأعلام الأخرى فيها ، كالاذاعة والتلفزيون ويضاف لهم فئة المعلمين والمدرسين ... وكذلك الطلبة كبارهم وصغارهم المستفيدين حتما من نشاطات مثقفيها في المجالات كافة .... وهنا لابد أن نشير حتما الى كتابها وشعراءها على اختلاف نشاطاتهم ونتاجاتهم الأبداعية في الكتابة في حقول الرواية والقصة والشعر ... ومااكثرهم في هذه المحافظة المشهود لها في انجابها خيرة المثقفين والكتاب والشعراء ومن العاملين في الفنون والاعلام ... حيث ينتشرون في كافة مدن العراق ويعملون في مؤسساتها الثقافية ، متوزعين ينشرون الفرح والمحبة بنتاجاتهم الأبداعية ....
من حُسن حظي ( العاثر دائما) إلا في هذا اليوم، بأني وعند دخولي الديوانية، وهي المرة الثانية، بأني رافقت عند دخولي المدينة ، الفنان والأعلامي عصام الشمري قادمين إليها من جهة الجنوب ،كان صوت المذياع في سيارته ضعيفا جدا ولكنه مسموع ، لفت انتباهي صوت المذيع وهو يرحب ( بأعزاءه المستمعين) مع صوت الموسيقى الصباحية التي تندر الآن في اذاعاتنا العراقية التي كثرت بشكل كبير ، وهو يناشد المستمعين ويوجههم الى سلوك الطريق الأصح، ويطلبون منه من خلال الاتصالات بعض الطلبات الخدمية، هنا وهناك ، وهو بدوره يعدهم بحل مشاكلهم ومتابعتها مع المسؤولين ، ولكنه لايمل من القسوة على بعض المسؤولين الذين لايؤدون واجباتهم ، كما يبدو، بصورة صحيحة بل خاطئة ... ويتنقل بمواضيعه المختلفة والكثيرة بين تحية المواطنين من المستمعين والمتابعين ، وبين تلبية طلباتهم في سماع أو الارتياح لسماع مامضى ، مشيدين بقدرة مقدم البرنامج وكفاءته ، عله يطيل الاتصال معهم .... ولكن وماشد انتباهي أكثر أن ، مقدم البرنامج ، أذاع على اسماعنا نشرة من الفعاليات والنشاطات الثقافية التي ستقام في المدينة هذا اليوم ، وكثرتها وتنوعها بين الأمسية الشعرية والمسرحية والندوة العلمية والترحاب بمغترب وروائي عائد الى المدينة ليحتفى به في جلسة عامة مخصصة له او النداءات المتكررة لمناشدة الفنانين في الحضور الى نقابتهم للادلاء بأصواتهم ، وأنتخاب نقيبهم ، وكذا عن عرض مسرحي سيقام الليلة او الليلة القادمة ، او انشغال المخرج المسرحي بالتمرين ، وحتى الأعلان عن مواعيد العروض ....
إفترقت عن السيد عصام الشمري وتركته يكمل مشواره بسيارته الى حيث يعمل ، وأكملت مشواري مترجلا الى احد الدوائر الحكومية ، لمتابعة شأن كنت قد بدأته قبل ايام ، شوارع المدينة لازالت تحت تأثير ، زخة، مطرية ، شوهتها ، تبدو آثارها واضحة حيث تجد صعوبة في العبور الى الجانب الآخر ، وسط تذمر المواطنين المنهمكين ، كل بطريقته، لأزالة المياه والأوساخ ... " النقمة الكبيرة بدلا أن يكون المطر نعمةً كما يقولون" .
تغص الدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية بالمواطنين ، المراجعين ، وتغص الشوارع بالباعة المتجولين ، ويزدحم المارة وسط زحمة السيارات وكثرتها التي لاتنفع إشارات المرور، وشرطتها، في تنظيمها اوعلى الاقل التخفيف منها، وتختلط العربات الجوالة بالسيارات الفارهة ، والكسبة أصحاب البسطيات الطيارة والمتجولة ، بأصحاب المحلات المكتظة بالمواد الغذائية ، والمتخمة بالأشياء الفائضة عن الحاجة .. أسواق تعج ببضائع مجهولة الجنسية ، وسط حيرة المتبضعين والمتسوقين في الأختيار بين جودتها ورخص اسعارها ، داعيك عن مصادرها وطرق توريدها والشروط الصحية عليها ، الذي لاأظن أن بضاعة تخضع لهذه الشروط ضمن هذه الفوضى العارمة في الأستيراد والتوزيع...
لاأريد التوقف كثيرا عند هذه الأمور ، الناس وطرق عيشها ، والخدمات والقصور الواضح فيها ، والمدينة وكيفية ادارتها بالرغم من أهميتها الكبيرة في مشاهداتي ، لكني أعود وكما ذكرت ، أن هدفي الأساس من هذه الكتابة هو الوضع الثقافي لهذه المدينه ومبدعيها في هذا المجال ... حيث ان هذه الفئة الوحيدة ظُلمت أكثر من مرة ، بل عدة مرات ، ولازالت وهي ، هذه الفئة المبدعة، تقدم عصارة أفكارها لأسعاد المجتمع فنا وجمالا ، وعطاءا لاينضب بالرغم من الضغوط ، والأهمال ، والعوز ، والنظرة الظالمة من المجتمع التي تزرعها وتغذينا القوى الظلامية والمتخلفة التي تغسل العقول بمالها وجاهها وإعتمادها على تجهيل الناس ، عكس مايتطلع اليه الفنانون والمبدعون ، من إضاءة الطرق وتوعيتهم وإرشادهم للحب والجمال وزرع الثقة في نفوسهم ، ليساهموا في بناء المجتمع وتطوره لينهض من كبواته المتلاحقة ...... المجتمعات دون الفن والفنانين والابداع والمبدعين والكتاب والشعراء يصبح مجتمعا جافا لاطعم له ولالون ولارائحة ...
بين الصبيحة وموعد المساء لابد لي من قيلولة اجبارية نظرا لأن الديوانيون كسائر العراقيين يخلدون منتصف النهار الى قيلولة لينشطوا ويستعدوا لأكمال يومهم في عمل أو نشاط آخر أو بتكلمة يومهم في التزاور فيما بينهم ... الخ
ولأن الكرم والضيافة من شيمهم وصفاتهم لابد أن تكون قيلولتي في بيوت أحدهم .. بالرغم من أنني لم أتعود ولم أمارس هذا الطقس ( القيلولي) في حياتي قط ولكن المدينة ووضعها وخلوها من المارة ونشاطها ، تكاد تكون شبه خالية ، ولأن لي موعدا مهما عصر ذلك اليوم لابد من قضاء هذا الوقت ، ولكن ليس هباء ، لذلك كنت بضيافة أحد فنانيها المبدعين الفنان التشكيلي ( صادق الشلاكي) الذي وصلته بالرغم من تحذيره لي من غرق وأوحال الشوارع المؤدية الى بيته لكننا نجحنا نجاحا باهرا في الوصول سالمين بقدرة سائق التكسي الفذة على المناورة والتحايل على الطرق والجسور ...
كانت مجالسة الفنان صادق دسمة جدا ،كدسامة الغداء اللذيذ الذي لازال طعمه طيبا .. ودسامة الأحاديث عن الفنون والفنان في المدينة.. حيث سرعان مااقترح علينا ان نذهب الى قاعة التمارين المسرحية ( او ربما كان هذا مشروعه في تلك الظهيرة أصلا ) رحبت بالفكرة بل سررت كثيرا لتوقي لمشاهدة عرض مسرحي في المدينة ( او على الاقل بروفة) او لقاء مع المسرحيين لحبي لهم وولعي بالمسرح كوني منهم ...
المسرحيون والقاعة
كان الوقت ظهرا وغالبية الناس يخلدون الى قيلولتهم ، وحدهم هم المسرحيون لاقيلولة لهم بحكم القاعة التي يبدو انها الوحيدة والصالحة للتمارين ( بالرغم من بؤسها) وكراسيها المهترئة وخشبتها المتربة وكأنها تُركت منذ عهود ، ولكن هذه القاعة وعلى فقرها تدب بالحياة والحركة ، حركة دؤوبة ونشاط وحيوية الشباب المتحمس ، ينهي طاقم المخرج المسرحي الفنان حسين العراقي، تمارينه، مع شلة من الشباب المندفع والجميل ، ليهيأ الخشبة الى زميل آخر، وبقدراتهم الذاتية ، مخلصين الى خشبتهم بتنظيفها وترتيب مايمكن ترتيبه .
يتهيأ مخرج آخر الفنان منعم سعيد للصعود الى الخشبة بطاقمه ليبدأ تدريباته ايضا ، وعلى هامش تبادل الخشبة يتبادلون توزيع الوقت لمواعيد حجز القاعة التي تبدو هي الوحيدة لأجراء تمارينهم عليها ... حيث أن هناك زملاء آخرين يجب مراعاة الوقت لتدريباتهم ، كالفنان أزهر وصي ومجموعته في عمل مسرحي آخر والفنان صادق مرزوك وطاقمه ايضا ، وهذا دليل عافية للمسرح والمدينة ، أن تعمل أربعة مجموعات أو فرق على التدريب على أربعة مسرحيات في آن واحد ، وهذا ليس غريبا على هذه المدينة التي أنجبت خيرة الفنانين والمبدعين ... والذين لايزال يعمل بعضهم بلا كلل ولاملل ، يتحدون كل هذه الصعوبات والمعوقات ، وخواء الدعم المالي ، وحتى المعنوي من حكام المدينة ، لكن رصيدهم الجماهيري هو الأهم والأقوى والأجمل ، بهم يتحدون وبتشجيعهم ينتجون ، ولهم يهدفون.
كيف لا ،وهم العائدون من بغداد ومهرجانها المسرح الدولي الأهم في تاريخ المشاركين أفرادا وجماعات بمسرحية لمخرجها الفنان حليم هاتف ، والذين نالوا فيها إعجاب الجمهور والنقاد والعاملين في المسرح من عراقيين وعرب وأجانب وهم الذين، أبلوا بلاءا حسنا في اقامتهم لأهم مهرجان للمسرح في الديوانية، قبل اشهر، شاركت فيه أغلب الفرق العراقية المسرحية وكذلك العربية وشخصيات لها باعها في المسرح العراقي والعربي بأكثر من 250 شخصية يأشراف مباشر من نقابة الفنانين فيها ...
الى جانب تلك القاعة ( المسرح) تدب حركة في قاعة جانبية ولقاءات حميمة تجمع الفنانين التشكيلين ، يتبادلون الآراء والنقاشات حول أعمالهم وأعمال غيرهم الفنية وإمكانية الظهور بها في عروض مقبلة يعدون لها ، ويخططون لأقامتها.
في المدينة تشاهد اليافطات والبوسترات لنشاطات وفعاليات مقبلة ، وقائمة ، بمختلف الأختصاصات ، الفنية منها والدينية ، وتسمع بين الحين والآخر اذاعاتها بأعلانات مبهجة في الدعوة الى جلسات وأمسيات أدبية وشعرية ، وضيوف من الشخصيات العامة ، القادمة لفعالية ادبية وفنية ، إضافة الى أمسيات المغتربين من المدينة التي غادروها مجبرين وعادوا ليطلعوا جماهيرها وأصدقاءهم عن حصيلة ابداعهم في الغربة ، يحتظنهم اتحادهم ، اتحاد الكتاب والادباء في الديوانية ويحتفي بهم وبأمكانيته المتواضعة ايضا ... فهنا يحل الروائي المغترب سلام ابراهيم في أمسية تكريمية وبعد ايام تحتفي الديوانية بالشاعرة المغتربة بلقيس حسن لتكون ضيفا على المدينة وأتحاد كتابها ...
لأذاعات الديوانية التي تصدح بأصوات مبدعيها من الاعلاميين المتميزين ، خاصة تلك المستقلة منها ، والتي لها دور كبير في ترويج ثقافة التسامح والحب والتي تغطي على مدار الساعة ببرامجها المتنوعة الفعاليات الثقافية وتلتقي بمبدعيها والقائمبن عليها ... وتشيع الوعي بين الناس وتستمع الى أصواتهم وهمومهم وتلبي طلباتهم لتكون رافدا خيرا ووسيطا مهما بين المسؤول والرعية ....
في نقابة الفنانين التي تتوسط بنايتها الجميلة المدينة ، تدب الحياة ومن نوع آخر ،حيث يستعد الفنانون الى اجراء انتخاباتهم لأختيار قياداتهم للمرحلة القادمة والتي تجري لأول مرة منذ تأسيسها ، تشاهد اللافتات وصور المرشحين معلقة على مداخلها وشوارعها تدعو الفنانين للحضور والمشاركة ، وفي داخلها يجتمع الفنانين من كافة الاختصاصات ليتبادلون الأحاديث في شؤونهم وهمومهم يشاركهم فيها بعضا من كتاب وشعراء المدينة الذين ، وكما يبدو ، يجدون في تواجدهم هنا ، أما تحتضنهم وتستمع الى شؤونهم وهمومهم علها تمهد لهم الطريق للوصول بأبداعاتهم الى مرسى الأمان، لتلبي جزأ من احلامهم ، وبشخص رئيسها الخلوق وصاحب القلب الكبير الفنان حليم هاتف الذي يسهم من أجل ان يكون للفن شأنا آخرا في هذه المدينة، يشاركه فيها غالبية الفنانين الديوانيون الذين يشاطرونه أحلامه ، وكذلك التواجد اليومي للكاتب والاعلامي والفنان ايضا علي الطرفي الذي لايهدأ الا أن تستقيم الأمور في مدينته .. الديوانية خاصة والعراق عموما ...
يختتم يومي هذا بمفاجأة كريمة وأمسية رائعة جمعتني بنخبة من فناني واعلاميي المدينة لتكون أمسية حميمية ولاأروع ،كان فيها حديث المدينة هو السائد ، وهموم المسرح والفن هي الغالبة ، كان أبطالها اضافة الى الفنان حليم هاتف نقيب الفنانين في الديوانية، الفنان والمسرحي حسين العراقي والاعلامي علي الساهر والفنان والأعلامي علي الطرفي رئيس اتحاد كتاب وأدباء الديوانية ... وثلة كريمة من المبدعين الآخرين ، والذين أغرقوني بكرمهم وعطاءهم ، أتمنى لهم النجاح الدائم والابداع الوافر في مسيرتهم الابداعية التي لاتخلو من الاشواك والمعرقلات والعوائق لكنني ، وكما يبدو من مثابراتهم، ارى أن النجاح حليفهم ...
وعلى بعد أمتار من هذا المكان تشاهد وعن قرب استعداد المدينة للتوشح بالسواد استعدادا لأيام عاشوراء والتي تتميز المدينة في اقامتها كل عام.
قاســم حسن













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا