الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن ابو غريب ..مرة أخرى

يونس الخشاب

2005 / 6 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


سنشهد في الايام القليلة القادمة ، ربما ،لقطات جديدة لممارسات الامريكان في ابو غريب، نزولاً عند قرار اصدره قاضي احد المحاكم الاتحادية قبل اسبوعين وامر فيه وزارة الدفاع الامريكية بنشر الصور وافلام الفيديو التي في حوزتها على الراي العام العالمي.
ازدهرت في سجون الطاغية ، صدام حسين ، اساليب تعذيب بشعة تقشعر لها الابدان ازاء معارضيه السياسيين ، وقد استورد خبرة التعذيب وتقنياته وادواته من مختلف بقاع الارض، ذلك كان ارهاب دولة القمع وليس هناك من تسمية اخرىلتوصيفه .اما حين يتأمل المرء في اساليب التعذيب التي مارستها وتمارسها قوى الاحتلال في سجن ابو غريب مثل تعرية السجناء واجبارهم على اداء اعمال تشي بسلوكية غريزية حيوانية الغرض منها الحط من كرامتهم كبشر وامتهان صفة الانسانية فيهم ، فان الانطباع الاول لذلك سيكون ، حسناً ، ان ذلك افضل من قلع الاظافر على كل حال ، او الاذابة في احواض حامض الكبريتيك ( التيزاب ) الذي مارسه البعثيون منذ 63 وما بعدها في سجونهم . غير ان كلا الاسلوبين هما وجهان لعملة واحدة .
في واحدة من الدراسات التي كان قد اجراها احد الاطباء العاملين في مجال حقوق الانسان اثناء معالجته لمجموعة من الاشخاص الناجين من التعذيب الجسدي يذكر انه عادة ما يبرر الجلادون ممارسة اعمال التعذيب وسوء معاملة السجناء بانهم مضطرون لها لغاية الحصول على المعلومات. ذلك هو التوصيف المبهم للتعذيب .
ان الغرض من التعذيب هو نزع الصفة الانسانية عن الضحية ، كسر ارادته ، ارادتها ، وفي نفس الوقت ترويع وارهاب كل من له علاقة بالضحية وضرب مثل للجميع فيما يمكن ان يتعرضوا له لو انهم سلكوا سلوكاً معيناً . ان هذا النوع بالذات من التعذيب الذي يمارسه الامريكان ، يقصد به تفكيك الروابط وكسر اواصر بُنية مجموعة بشرية متماسكة ذات كيان . ان ممارسة هذه الاساليب في مجتمع شرقي وبالذات في المجتمع العراقي يراد منه تمزيق النسيج الداخلي لهذا المجتمع من خلال هدر الكرامة الانسانية وبالتالي نزع الصفة الانسانية عن هذه المجموعة. ومع ذلك فعندما تناقش مسألة التعذيب في الولايات المتحدة فانها تناقش فقط فيما اذا كان من الجائز ، اخلاقيا ، اتباع اسلوب التعذيب لانتزاع المعلومات ، ولا تناقش على انه احد اهم الوسائل والادوات المهمة لارهاب الدولة في اسطع تجلياته .
ابان حرب التحرير الوطني الجزائرية ، اندفع حشد من الصحفيين الفرنسيين ، يعمل معظمهم في صحف تؤيد احتلال فرنسا للجزائر ، يسألون الجنرال الفرنسي " جاك ماسو " فيما اذا كان يستخدم التعذيب لانتزاع المعلومات من المعتقلين ، فلم ينفي ذلك ، لكنه لم يعترف به ايضا ، متحولاً الى الهجوم قائلاً لهم بهدوء بان التعذيب " ليس هو المشكلة ، المشكلة ان جبهة التحرير الوطني الجزائرية تريد رمينا خارج الجزائر .. ونحن نريد البقاء .. انه دوري الآن ان اسألكم هل يتوجب على فرنسا البقاء في الجزائر ؟ اذا كان جوابكم لا يزال بنعم فان عليكم القبول بما يتطلبه ذلك وكافة تبعاته . ويكاد هذا الجواب ان يكون ملائماً لعراق اليوم وهو يرزح تحت الاحتلال . فقد صوتت اغلبية الشعب العراقي للاحزاب التي وعدت بوضع جدول زمني لانهاء الاحتلال ، غير ان واشنطن قد نجحت فيما يبدو باقناع الطبقة السياسية العراقية بالتخلي عن هذا المطلب . لكن الحقيقة تبقى عارية وهي ان ارض العراق محتلة بجيوش اجنبية ، وان الحكومة العراقية المدعومة امريكياً تعتمد بدرجة رئيسية على نشر الرعب والخوف ، التغييب ، الاختفاء والسجن لآماد غير محدودة مع ممارسة التعذيب كاحد الطقوس اليومية . ويبدو ان هذا الاتجاه يتجذر في اوساط الحياة العراقية . ان عملية توسيع سجن ابو غريب وسجون عراقية اخرى قائمة على قدم وساق ، حيث سيستوعب سجن ابو غريب الفي سجين اضافي وبناء وحدات اضافية اليه بكلفة 50 مليون دولار . وقد تضاعف عدد السجناء في الاشهر السبعة الاخيرة ، وقبل البدء بما سميت بعملية البرق، الى 11350 سجينا . وقد جاء في تقرير منظمة حقوق الانسان الاخير ، ان التعذيب الذي تمارسه الولايات المتحدة او تشرف عليه في السجون العراقية يجري بشكل " منتظم ويتضمن اسلوب التعذيب بالصدمات الكهربائية . وقد ذكرت صحيفة الواشنطن بوست صراحة ان التعذيب بالصدمات الكهربائية والخنق هي احدى الممارسات التي تزاولها قوات الامن العراقية والجنود العراقيين لاجبار المتهمين على " الاعتراف " بجرائمهم .
في الجزائر استخدم الفرنسيون التعذيب ليس لانهم ساديون ، بل لانهم كانوا يقاتلون في معركة لا يمكن لهم الانتصار فيها ضد مشاعر التحرر من ربقة الاستعمار . وفي العراق ، استخدم صدام حسين التعذيب في مستويات غير مسبوقة مباشرة بعد انتفاضة الشيعة عام 1991 ، وكلما ضعفت قبضته على السلطة ، كلما زاد في قمع وترويع شعبه . ان الانظمة الكريهة ، سواءً كانت ديكتاتوريات محلية ام قوى احتلال اجنبي تعتمد على التعذيب لانها ببساطة غير مرغوب فيها ، وحينما تنشر صور ابو غريب الجديدة سيتسائل الكثير من الشرفاء في هذا العالم : هل يتوجب على الولايات المتحدة البقاء في العراق ؟ واذا كان الجواب بنعم ، فان عليهم ان يتقبلوا ما يتطلبه ذلك من تبعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة