الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسيادهم على مرّ الزمن

مزوار محمد سعيد

2013 / 12 / 13
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أسيادهم على مرّ الزمن

الجميل في التاريخ أنه لا يُمحى، إنه رغم الهجمات التي يتعرض لها من وقت لآخر، يبقى محافظا على معاني أحداثه، و بالتالي من يحاول بتر الحقب التاريخية من أحداثها فهو يحاول عبثا، قانون الهيّ لا دخل للبشر فيه سوى في نصفه المختار، و المُدار في لحظة سرعان ما تنقضي، لتتحوّل إلى قصة روائية تعتبر الأجيال من لغزها.
خلال نهاية الخمسينات و بداية الستينات من القرن العشرين، تمت الثورة الجزائرية على الفرنجة، و قد لقيت هذه الحقبة من الذاكرة الجزائرية كل تمجيد أو تشكيك، كلّ حسب خلفيته الأيديولوجية، و مع هذا بقيت الجزائر تمحص تاريخها القريب منذ ولادتها كسلطة ثمّ كدولة مستقلة عن البلاد الغازية لها إلى أمد غير قصير.
إضافة إلى كلّ ما كتب حول التاريخ الجزائريّ هذا، و بعيدا عن التقديس، إذ لا قداسة سوى لله رب العالمين، يمكننا أن نضيف قطرة إلى هذا المحيط الجزائري العميق للغاية، خاصة و أننا نجد أنّ التحدث عن هذه القطعة الزمنية من واجبات أيّ مواطن جزائريّ قابع تحت ظل حرية، مهما كان شكلها و حدّها.
يُروى أن ثلاثة إخوة كانوا يعيشون على أرض الجزائر في فترة العبودية (الاستعمار)، هؤلاء كانوا يفلحون أرضهم، يزاولون تجارتهم، و يربون أولادهم على مبادئ الإسلام قبل قيم الشهامة، لا يرضون بالذل حتى من القريب، و كان حولهم بضع جيران، منهم من هو محسوب على العرب، و منهم من هو من الأسبان؛ حيث دارت الأيام تلوى الأيام، و تبدّل الزمن على طول خط الزمان، و بقي الإنسان خليفة على أرض الرحمان.
في فترة غير عادية، و في لحظة تشبه تلك التي ألهمت أرخميدس أو نيوتن في يوم ما، تغيّر حال الإخوة، لقد دبّت ثورة من حولهم تنشد الاستقلال، حتى أنها دبّت في قلوبهم بتلك الحمية العالية، و كغيرهم من المواطنين الجزائريين، راح الإخوة يبذلون الغالي من أجل التحرر، سلحوا مقاتلي جبهة التحرير الوطني، حفروا لهم ملاجئ في قلب مزرعتهم، و استقبلوا قادة المقاتلين الجزائريين في بيوتهم، قدموا للحرب على ظلم المعمرين الأوربيين كل ما استطاعوا، لقد كانوا رجالا مخلصين للوطن.
و في حملة غير متوقعة لجيش المحتل، تمّ القبض على سارق البصل (سرقه من أرض الإخوة الثلاثة)، و بعد ترهيبهم له، قادهم إلى ملجئ المقاتلين الجزائريين الموجود في مزرعة الإخوة، كان يوم تضحية بامتياز، إذ تقدم الجنود، فرّ الإخوة، أحرقت المحاصيل، هجرت نساؤهم و شرّد أطفالهم، و منذ ذلك اليوم، أصبح الإخوة يعملون جهرا مع الذين قدموا أنفسهم فداء للجزائر، أحدهم ساهم في خزينة جبهة التحرير الوطني، الثاني أعتقل و تلقى عذابا تعجز عن وصفه الكلمات من قبل عملاء الفرنجة، أما الثالث فقد أصيب بطلق ناري في معركة شرسة، حيث نفذت منه الذخيرة، و لم يستسلم حتى و هو مصاب، إذ تدخلت العناية الإلهية لحفظه من الهلاك، لأن الله سبحانه و تعالى خير نصير للإنسان.
مهما قدم الإنسان للوطن يبقى أمرا يسيرا، لا يندم الفرد الإنساني على تضحياته من أجل قضايا الأمّة، التاريخ يحفظ القربان الذي يقدمه البشر من أجل الحق، و هو من يسمي البطل بطلا، و الخائن خائنـا، لقد كان الإخوة الثلاثة رحمهم الله أبطالا، و لقد كان سارق البصل خائنا، لا توجد تبريرات للخيانة، و من يخفي جرائم الخونة في حق شعوبهم هو خائن بالوكالة، لي الشرف أنني حفيد هؤلاء الإخوة الثلاثة، أنا مواطن جزائريّ بفضل جهود الرجال الذين يستحقون هذا الوصف، لقد اكتسبوا جزائريتهم بما بذلوه فوق الميدان، لدى يا سارق البصل، لن تكتسب جزائريتك بالوثائق، لن تشتريها بالمال، و لن تلبسها بتعليقك لعلم الجزائر المستقلة على واجهة بيتك، لن أنسى أنك خنت الرجال، أنك قدت جنود المحتل إلى ملاجئ المقاتلين الجزائريين، أنّك كنت إلى جانب الجلاّد في الوقت الذي كانت فيه الجزائر بحاجة إليك، الذاكرة لم و لن تشطب الخطايا في حق الأوطان، و لم و لن تنس ما حققه الشجعان.
اللهم ارحم الإخوة الثلاثة، و اقبلهم في زمرة عبادك الصالحين، فلقد لبوا النداء رحمة الله عليهم، اللهم اغفر لسارق البصل، فأنت الغفور المنان، و اللهم صلّ و سلّم على النبيّ محمد عليه الصلاة و السلام، و بارك أرض الجزائر لأبنائها المخلصين، يا الله !.

السيّد: مــــزوار محمد سعيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza


.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع




.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب