الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منزلنا الريفي (24)

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2013 / 12 / 13
الادب والفن


رماد الحب...
كانت تحبك، وكنت تحبها ؛ كنتما تمتطيان الحمار، وترعيان الأبقار في السهول الواسعة ؛ كانت وردة بالنسبة إليك، وكنت أريجا بالنسبة إليها، كانت تفيض حنانا وعطرا، وكانت تحب أن تنام على صدرك، وتداعب خدودك، أما أنت فكنت تعشق تقبيل شفتيها، وأنتما تنصتان لخرير المياه قرب الوادي .
إنها (...) رمز النعومة والوداد، كنت ترى الطبيعة متجسدة فيها، وترى (...) متجسدة في الطبيعة ؛ لا فرق بينهما، كنت تجلس تحت ظلالها كما تجلس تحت ظل شجرة ؛ كنت تبتلع ريق لعابها كما تشرب مياه الوادي، كنت تتناول شفتيها بالتقبيل مثلما تتناول ثمار الطبيعة . إنها أول فتاة أحببتها، وكان الحب نابعا من صميم الطبيعة في تلقائيتها وسجيتها . ما أجمل السير في الحقول، وأنت تقود القطعان ممتطيا البغال ؛ كنت تضحك، وكانت تضحك، وكان الحب يغني كالعصفور ؛ تمشي القطعان، ويتلبد الغمام في السماء، وتبكي دموع الحنان، وينتصر العناق، والمودة والوئام .
لا شيء أفضل من هذا ؛ ستجوب العالم بأسره وتعود إلى هذا ؛ هذا يا هذا الذي هو هذا، إنه الحب يجري كطفل صغير، ويتطوح كركام ثلج خفيف ؛ لماذا تكتب يا هذا ؟ إنك تكتب لركام حب، ولطاقة متأججة، ولعاطفة منسية، ولفتاة ميتة ؛ تناثرت بها رياح الخريف، يوم جمعت حقيبتك، وغادرت قريتك لتدرس بعيدا ؛ نسيت أيامك اللعوبة، ومهاتراتك الصبيانية، ومغامراتك وأنت تستحم في الوادي في أتون الصيف، وتتسلق الأغصان في جحافل الخريف، لماذا تنسى يا هذا ؟ أ تنسى (...) ؟ أ تنسى الوادي ؟ أ تنسى القنطرة ؟ و بركة بوغابة و البير ؟ والكرمة التي تفيض تينا ؟
ما فكرت يوما أنك ستنسى قريتك الصامتة، ولا مدرستك الدامعة، ولا الأشجار الكثة التي تحيط بها، ولا الدكان الذي يتجمع فيه رفاقك، ولا الملعب الذي كنت تلعب فيه الكرة، ولا المقبرة التي كنت تشرب فيها الشاي، ولا غابة السدر التي كنت تتلصص فيها على فتيات القرية، ولا الكوان القابع على جرف الصخرة و أنت تتجرع الخمر أو تدخن سيجارتك المفضلة . هذه هي قريتك ؛ أحببتها، لأنك تعلمت فيها الحب والثورة والأمل .
لم يكن للقرية اسم، لكن سرعان ما ستعرف أن اسمها هو" الواد "، سيتغير اسمها، وسيصبح : " بنت عبو "، سيتغير مرة أخرى وسيصبح " بني كرزاز "، ستنقب أكثر، وسيظهر لك أن بني كرزاز اسم للدوار ككل، أما " بنت عبو " فهي قرية صغيرة تعتبر مركزه لكونها تحوي مدرسة ومسجدا وحانوتا ودائرة انتخابية ...، بينما سكانها يسمون ب " موالين الواد " لكونهم يتاخمون وادي نهر النفيفيخ ؛ ينتفخ هذا الوادي في عز الشتاء، سرعان ما يتقلص أثناء الصيف، ويخلف بركا مائية متناثرة هنا وهناك ؛ كانت البرك شاسعة وعميقة، لم يكن أحد يستطيع أن يختبرها سوى الجهابذة من السباحين الكرزازيين، فالعلاقة بينهم وبين الوادي هي علاقة تاريخية ؛ لقد استقر الكرزازيون جوار الوادي منذ أمد بعيد، فلم ينازعهم أحد في ذلك، وقد اعتبر هو موردهم، ومصدر قضاء حوائجهم، سواء أ كانت تلك الحاجات بسيطة أو مركبة .
كنت تعود بقطعانك للوادي، وكانت الشمس متفرسة في كبد السماء، وكنت تجد عمي عبد السلام، يستحم ومن حوله الأطفال، كانوا يراقبونه وهو يقفز من الأعالي والمرتفعات، منبطحا نحو المياه ؛ كان يجيد السباحة والانغماس، ولم يفوتك يوما أن تزيل القميص والسروال، وتقذف بنفسك نحو الأعماق ؛ تاركا الأبقار والأغنام، تهيم بين المنعرجات والأدغال .
أين هو منزلك الريفي ؟ هذا هو منزلك الريفي في بساطته وعفويته، ما كان له معنى، لكن المعنى يبنى، أنت مثقف القرية، أنت الذي يصنع المعنى، فلتكسر الأقانيم، ولتعد إلى قريتك، ففي أحضانها يوجد المعنى، وبين تلابيبها توجد الحياة ؛ لا توجد في أناسها المرضى بعدوى المدينة، بل في واديها وشعابها المترامية، وأغصانها المتشابكة .
لا تخيب ظنك في كل أناسها، فالقرية كانت دائما وقودا للثورة، هيا فلتراهن على شبابها، و أطفالها، فلتحرك الماء الراكد، ولتبث الحركة في الجسد الميت، ولينطلق موسم الضجيج على إيقاع همسات الوادي ويداعب شفتي قريتك، لا الفوضى والخراب، بل موسم العقل والحب، وها هما يمشيان كالخرير بنظام وانتظام .
هيا ....هيا
عبد الله عنتار – الإنسان / واد زم – وسط المغرب / 12 -12 -2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خطبة باللغة العربية.. ما الرسائل التي أراد المرشد الإيراني إ


.. تاريخ كبير للفنان الفلسطيني???? كامل الباشا ?? #معكم_منى_الش




.. سر حب الفنان الفلسطيني???? كامل الباشا للمسرح منذ الطفولة #م


.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال




.. الفنان الفلسطيني الكبير كامل الباشا يكشف لحظة حصوله على جائز